مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: ..بهدوء و تدبر..ومضة اعقبها الظلام … متى تحترم الدولة عقول مواطنيها

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: ..بهدوء و تدبر..ومضة اعقبها الظلام … متى تحترم الدولة عقول مواطنيها

 

 

تكرر المشهد العبثي لانقطاع التيار الكهربائي عن ولايتين استراتيجيتين هما نهر النيل والبحر الأحمر بعد سويعات من عودته إثر انقطاع استمر عشرة أيام كاملة في غياب أي تفسير رسمي .
ففي الانقطاع الأول انتشرت رواية الحاوية التي وُضعت فوق محول رئيسي، فحطمته، فغرق الناس في ظلامٍ دامس.

وعندما عادت الكهرباء بعد الأيام العشرة لم تعد كما ينبغي، وما عاد منها لم يكن سوى ومضات متقطعة في بعض المناطق سرعان ما انطفأت، فيما ظلت بقية المناطق غارقة في الظلام منذ البداية وحتى ليلة البارحة حيث عاد التيار عودة لا يدري الناس أهي دائمة ام أنها مثل سابقتها .
ولم تخرج الشركات السودانية للكهرباء ولا أي جهة مسؤولة بتصريح واضح يشرح للناس ما حدث، أو يطمئنهم بما سيحدث.

وبدلاً من البيان الرسمي، سُمح للروايات الشعبية أن تنتشر وتتمدّد فتداول الناس أن سبب الانقطاع الجديد “عطب آخر” أصاب النظام، لكننا لا نعلم إن كان العطب ناتجاً عن سقوط حاوية ثانية أم عن ذئبٍ تسلل فافترس المحول، في كناية مريرة عن غياب الجدية والاستخفاف بعقول المواطنين.

أما رواية أن سبب الانقطاع هو أن زيادة التحميل تسببت في عطل أصاب شبكة النقل في مروي وأتلف أسلاكها فهو سبب أنكى وأشد إيلاماً . ويعنى أنه ليس هناك معلومات عن الاستهلاك وهي مسألة ينبغي أن تكون محسوبة بدقة مما يمكن إدارات الكهرباء من توزيعها ببرمجة منظمة تمنع زيادة التحميل الذي يحدث أعطالاً .
وواضح أيضا ضعف التنسيق واختلال تبادل المعلومات بين شركات الكهرباء الثلاثة التوليد والنقل والتوزيع ناتجة عن عدم وجود نظام رقمي موحد يحكم أداء هذه الشركات .

واليوم لم تعد الأزمة فنية فقط، بل أصبحت أزمة ثقة ، وأزمة حكم ، وأزمة وعي بحق المواطن في المعرفة .
إن صمت الجهات المعنية عن توضيح ما يجري، لا يقل فداحة عن انقطاع الكهرباء نفسه . وأسوأ منه أن جهات أعلى من شركات الكهرباء وهي الجهات السيادية التي تتبع لها شركات الكهرباء لم تحرك ساكناً ولم تلزم هذه الشركات باحترام عقل المواطن وتوضيح ما يجري له في أكثر ما يؤثر على حياته .
المحزن أن المواطن لا يطالب بحقه الثابت في تيار كهربائي لا ينقطع رغم أنه دفع قيمة هذه الخدمة مقدماً وذلك مراعاة منه لظروف البلاد والقبول بالممكن إنما هو يطالب فقط بأن يعرف متى تقطع عنه الكهرباء ومتى تعود وما هي الأسباب .

فمن حق الناس أن يعرفوا:
*لماذا انقطعت الكهرباء ولماذا لم تُعَد إلا بعد يومين كاملين؟
*ماذا فعلت الجهات المختصة في معالجة المشكلة وما التقديرات الزمنية للمعالجة؟
*ما البدائل العاجلة للمرافق الحرجة ؟
*من المسؤول، ومن يُحاسَب ومتى ينتهي العبث ؟
*وهل يُعقل أن تُترك ولايتان بكاملهما تحت رحمة محول واحد؟

*وهل يُعقل أن يحدث عطل في منشأة حيوية بهذا الحجم، فلا يوجد بديل احتياطي، ولا توزيع للمخاطر؟
*وهل يُعقل أن يظل المواطن يُعامل كرقم هامشي، لا يستحق حتى البيان التوضيحي؟
◀️ إن تكرار هذا السيناريو – سواء أكان بسبب الحاوية أم الذئب أم زيادة التحميل – ليس مجرد سوء حظ أو ظرف طارئ، بل هو ناتج طبيعي لهشاشة المنظومة، وغياب التخطيط، وافتقار الدولة إلى الحد الأدنى من الحوكمة.

◀️ ما يُشعل الغضب الصامت في نفوس الناس ليس فقط الظلام الذي يخيّم على بيوتهم، بل الشعور العميق بأنهم ليسوا ضمن حسابات من يقررون أو يصمتون.
وأن تبقى الكهرباء مقطوعة هذا الزمن كلّه دون تفسير، هو وجه آخر من أوجه انقطاع العلاقة بين المواطن والدولة.
◀️ وأن تمرّ هذه المأساة دون مساءلة، هو تأسيس عملي لثقافة الإفلات من المحاسبة، ووأد مبكّر لأي أمل في الحكم الرشيد .

يا سادتي…
👈إذا كنتم لا تملكون الشجاعة لتخاطبوا الناس بالحقيقة، فكيف ستملكون القدرة على إدارة دولة؟
👈وإذا كنتم تعجزون عن إصلاح محول كهرباء واحد، فكيف ستواجهون متطلبات بناء دولة تنهض من ركام الحرب والانهيار؟
👈وإذا كان الرد الرسمي الوحيد هو الصمت، فإن أكبر خطر يتهدد السودان اليوم ليس نقص الكهرباء، بل انطفاء العقل، وغياب الشفافية، وتآكل الأمل.

◀️ إن انقطاع الكهرباء بهذا الشكل ليس فقط عجزاً فنياً، بل هو عطبٌ في العقل الحاكم، وسقوط في وعي المؤسسات.
ولا يُصلح هذا العطب إلا بإعادة الاعتبار للحق العام، وتعزيز ثقافة الاعتراف والمحاسبة، وتمكين المؤسسات من أداء دورها باستقلال ومهنية.

فالبلاد لا تحتاج فقط إلى كهرباء، بل إلى دولة تعرف ما تفعل، وتقول ما تفعل، وتُحاسب إن لم تفعل.
وما لم نصل إلى هذه المرحلة، فسنظل كل يوم نبحث عن حاوية جديدة، وظلام جديد… وأسئلة بلا إجابة.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى