محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء وتدبر..تحرير الصادر والعملات سبيل النجاة لا وسيلة ضياع

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء وتدبر..تحرير الصادر والعملات سبيل النجاة لا وسيلة ضياع
(تمزيق شبهة مصادرة حصائل الصادر باسم الأمن الوطني)
في خضم النقاش المحتدم حول سبل إنعاش الاقتصاد السوداني، لا تزال بعض العقول أسيرة مفاهيم بائدة، تزعم أن تحرير العملة بالكامل، والسماح للمصدرين بالتصرف المطلق في عائداتهم من النقد الأجنبي، سيحرم الدولة من العملات الصعبة التي تحتاجها لاستيراد مستلزمات الأمن الوطني!
وهذه شبهة فاسدة من أساسها، لا تستقيم أمام منطق العلم أو تجارب الأمم الناهضة، بل إن عكسها هو الصحيح: فتح الأسواق وتحرير العملات والصادرات هو ما يملأ خزائن الدولة من النقد الأجنبي ويؤمّن احتياجاتها الحيوية، بينما يقود الكبت إلى الخراب.
أولًا: ماذا نقصد بالتحرير الكامل المقترن بالأنظمة؟
نقصد إطلاق الحريات الاقتصادية التالية دون قيد أو شرط:
الحرية الكاملة في تداول العملات المحلية والأجنبية بين الأفراد والشركات.
حرية المصدر في التصرف في عائد صادراته من النقد الأجنبي سواء بالسحب نقدًا، أم بالتحويل للخارج، أم بالبيع في السوق، أم بالاحتفاظ به.
ربط هذا التحرير بأنظمة شاملة تكاملة تشمل:
تشريعات اقتصادية عادلة وواضحة لا تُقيّد، بل تحمي الحقوق وتُنظّم التفاعل الحر.
تنظيم مصرفي ومالي شفاف يُيسر ولا يُعسر.
نظام ضريبي متوازن لا يرهق، بل يستخلص من النمو لا من الفرض.
منظومة رقابة وعدالة ومحاسبة فعالة، لا تقيد الحرية، بل تحميها من الانفلات والتلاعب.
ثانيًا: النتائج الحتمية لهذه السياسة الرشيدة
1. طفرة في التصدير والاستثمار
عندما يعلم المنتج والمصدر أن جهده محفوظ، وأنه سيحصل على مقابله بالعملة التي اختارها وبالسعر الذي تحدده السوق، يندفع الناس إلى التصدير والعمل والإنتاج.
2. توفر النقد الأجنبي بأيدي الناس
السوق الحرة تجذب العملة الأجنبية لا تهربها، وتمنح الدولة والمجتمع معاً قدرة الوصول إليها.
3. انفجار في فرص العمل
التحرير يحرك كل مفاصل الاقتصاد، ويولّد الطلب على العمالة في الزراعة والصناعة والخدمات، مما يخفف البطالة جذرياً.
4. اغتناء الدولة من الحراك الاقتصادي
الدولة تكسب من الرسوم والضرائب الجمركية والإنتاجية والخدمية، لا من المصادرة أو التحكم.
5. قدرة الدولة على شراء العملات بكل شفافية
الدولة تدخل السوق كأي فاعل اقتصادي، تشتري ما تحتاجه من النقد الأجنبي بسعر السوق، بكل أريحية ووضوح.
6. توفير مستلزمات الأمن الوطني عبر العطاءات الحرة
الدولة تطرح عطاءات لتوفير احتياجاتها الاستراتيجية، فيتنافس القطاع الخاص على تنفيذها، ويشتري بدوره النقد من السوق المفتوحة.
ثالثاً: كوارث تقييد حرية الصادر والتعامل بالعملات
يتوقف التصدير أو يُهرّب خلسة، لأن العائد لا يعود لصاحبه.
تشح العملات الأجنبية بسبب عزوف المنتجين والمستثمرين.
ينتعش السوق الأسود، ويصبح المصدر الحقيقي للعملات.
يفرّ الاستثمار الأجنبي، ويتردد المحلي.
تشيع العطالة والبطالة في كل القطاعات.
تنهار ثقة الناس في النظام المصرفي، وتتعطل الدورة الاقتصادية.
يعم الفساد الإداري والمصرفي.
كل ذلك باسم “توفير العملة للدولة”، والنتيجة أنها لا تجد عملة ولا إنتاج ولا أمن!
رابعاً: الأمن الوطني لا تحميه القيود، بل قوة السوق الحر المنضبط بأدوات العدالة
فالدول التي نهضت من الفقر والركود إلى آفاق التنمية (مثل رواندا، فيتنام، تنزانيا)، لم تفعل ذلك بالكبت والتحكم، بل بتحرير كامل للحياة الاقتصادية، مصحوب بأدوات إنفاذ قانونية تمنع الغش والاحتكار، ولا تقيّد الناس ولا تتدخل في قراراتهم.
والدولة التي تعجز عن توفير العملات في سوق حر مفتوح، هي دولة عاجزة عن إدارة نفسها .
خامساً: طريقنا للخلاص يتمثل في ركنين أساسيين
الركن الأول: تحرير الحياة كلها، ويشمل ذلك التجارة والتصدير والعملات والتداول والأسعار، بلا أي قيد أو تسعير أو تدخل.
الركن الثاني: أنظمة شاملة متكاملة تضمن سلامة السوق الحر، وتحمي الحقوق، وتحاصر الفساد، وتمنع التلاعب — لا عبر التقييد، بل عبر شفافية وعدالة كاملة.
فإذا تحقق هذان الركنان، تدفقت الأموال، وتحركت التنمية، واغتنت الدولة، وتم تأمين مستلزمات الأمن الوطني من فائض القوة لا من مصادرة حقوق الناس.
إن أخطر فساد يرتكبه من بيده القرار اليوم، هو منعه لهذين الركنين العظيمين من أن يراهما الناس واقعًا، ثم يتعلل بعد ذلك بأن “الظروف لا تسمح”!
الأمن الوطني لا تحميه قيود الاقتصاد، بل قوة الاقتصاد نفسه… ولا تنهض البلاد إلا بحرية تامة حقيقية، لا مموهة، ولا مشروطة، ولا مقيدة بذريعة القانون.
محمد عثمان الشيخ النبوي