محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: ..بهدوء وتدبر..بين سياسة د. عبد الوهاب عثمان ورؤية التحرير المطلق مقارنة في إصلاح الاقتصاد السوداني

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: ..بهدوء وتدبر..بين سياسة د. عبد الوهاب عثمان ورؤية التحرير المطلق مقارنة في إصلاح الاقتصاد السوداني
سرني الرد والتعقيب الذي خطه الرجل الكبير د. عبد الجبار حسين على مخاطبتي سيادة رئيس الوزراء مناديا بالتحرير الكامل للإقتصاد وتحقيق الحوكمة الرقمية ورقمنة وأتمتة أجهزة الدولية كسبيل وحيد ولا سبيل سواه لتحقيق النهضة الشاملة لبلادنا ذات الموارد الهائلة التي قعدت بها سياسات تقييد الاقتصاد واستشرأء الفساد .
ود. عبد الجبار حسين رقم لا يمكن تخطيه لا سيما وأنه عقب علينا مستصحبا المنهج الذي اتبعه د. عبد الوهاب عثمان الهرم الاقتصادي صاحب التجربة العملية المرموقة في أقتصاد بلادنا عندما كان وزيرا للمالية .
ود. عبد الجبار غني عن التعريف فقد شغل منصب وزير الدولة بوزارة الزراعة وقاد برنامج النفرة الزراعية وهو برنامج كبير رصدت له موارد هائلة وقدم برنامجا تلفزيونيا ناجحا باسم (سنابل) سلط فيه الضوء على المشروعات الزراعية الناجحة وله كتاب بعنوان (كاتم انفاس الدولار د. عبد الوهاب عثمان في عليائه) .
وسرني أيضا أن فكرتنا وجدت القبول عند د. عبد الجبار واستحسنها بقوله في تعقيبه : (رسالتكم الي رئيس مجلس الوزراء كامل ادريس مفعمة بالوطنية والصدق والنصيحة السديدة للحاكم)
وأضاف د. عبد الجبار قوله :
(خلاصة كتاب / كاتم أنفاس الدولار د. عبد الوهاب عثمان في عليائه/ هو النتائج التي حققها فعلياً في أرض الواقع سواء طبق التحرير الاقتصادي مطلقا ام جزئيا ، ومن ذلك كبح جماح التضخم من 3 ارقام إلى رقم 1 و ثبيت سعر الدولار لمدة ثلاثة أعوام متتالية ، وهذا لم يحدث طيلة فترات الحكم المدني والعسكري التي مرت بالسودان ،
في كتابنا نعزو ذلك النجاح الاقتصادي الباهر ليس في صحة نظرية التحرير فحسب وان كانت هي المكمن ، بل بمعرفة د. عبد الوهاب الدقيقة بمفاصل الاقتصاد السوداني ، حتى أن يده الطويلة امتدت للسيطرة على بنك السودان والمصارف التي يشرف عليها لأنها كانت في تقديره البوابة التي يؤتى من قبلها الاقتصاد السوداني، فضلا عن امتناعه التام عن الاستلاف من النظام المصرفي وطبع العملة لسد عجز الموازنة بسبب الصرف على الحرب في الجنوب وقتئذ
نرجو أن يوفق د. كامل ادريس للإطلاع على تجربة د. عبد الوهاب عثمان ورؤيتك أنت أيضا للعبور بالسلامة بالاقتصاد الوطني السوداني) …. انتهي كلامه
وأقول هناك خيط دقيق لا بد من التبين والدقة في ملاحظته بين نهج د. عبد الوهاب ورؤيتنا للتحرير الاقتصادي الكامل مستصحبين الظروف والاوضاع التي كانت محيطة به إبان توليه وزارة المالية والاقتصاد في ذلك الوقت
وأقول أيضا إنه في أوقات الأزمات الاقتصادية الكبرى، تتباين الرؤى والاتجاهات في إدارة الاقتصاد الوطني، بين من يتبنى منهج الضبط المتدرج والتقنين المحسوب، ومن يرى أن الأزمة تتطلب قفزة جذرية شاملة، تستأصل مواطن التشوه وتطلق قوى السوق لتعيد التوازن بمنطقها الفطري.
وفي هذا السياق، أتناول بإختصار مقارنة علمية بين السياسات الاقتصادية المنسوبة للدكتور عبد الوهاب عثمان خلال توليه وزارة المالية في عهد الإنقاذ، والرؤية التحريرية الكاملة التي أطرحها، والتي تتبنى التحرير المطلق للاقتصاد بجميع مفاصله، وتعتمد على قوة السوق الطبيعية لإحداث النقلة المرجوة .
أوجه الاتفاق والاتساق الإيجابي:
لا شك أن سياسات الدكتور عبد الوهاب قد حملت قدرًا معتبرًا من الانضباط الاقتصادي، نورد أبرزها
● إلغاء دعم المواد البترولية، بما ساهم في تقليل النزيف المالي.
● ضبط الصرف العام بمنع التجاوزات خارج الميزانية، وإيقاف صرف الوزارات من إيراداتها المباشرة.
● تشديد الرقابة المصرفية، بمنع التسييل، وتقليص الاستدانة من الجهاز المصرفي.
● الاهتمام بالإنتاج الكلي والميزان التجاري، من خلال تنظيم أولويات الصرف والسياسات
وهذا يعكس فهمًا شموليًا لأدوات الاقتصاد الكلي، وهو ما يتقاطع بشكل إيجابي مع جزء من رؤيتي التي تؤمن بضرورة إلغاء الدعم، وضبط النظام المالي والإداري، وتشجيع الإنتاج.
التباين الجوهري بين السياسات المذكورة لدي د. عبد الوهاب رحمه الله وبعض ما يذهب اليه آخرون ايضا في هذا السياق والرؤية التي أطرحها يتجلى في الآتي:
1. التحرير الكامل مقابل التقييد المؤسسي
بينما اقتصر نهج د. عبد الوهاب رحمه الله على تحرير محدود تحت رقابة مؤسسية، فإن رؤيتي تتبنى التحرير المطلق والشامل، بما يشمل:
▪︎تحرير التجارة الداخلية والخارجية دون تصاريح أو عوائق الا في حدود قليلة خاصة
▪︎ فتح المجال امام الاستثمار الأجنبي والوطني بلا شروط مسبقة أو تعقيدات بيروقراطية.
▪︎ تحرير تداول العملات المحلية والأجنبية كليًا، دون فرض صيغ أو قنوات رسمية.
ذلك أن الاقتصاد لا يستقيم إلا حين يُترك لقواعد العرض والطلب أن تعمل بحرية، بلا تدخلات تشويهية، مهما بدت مبررة شكليًا.
2. الرفض التام لتهويل وتضخيم ما يسمى بالحماية المجتمعية
ترى رؤيتي أن الحديث عن “الحماية المجتمعية” بالتوازي مع الإصلاح الاقتصادي الحقيقي، هو وهم مفتعل، لا أساس له في اقتصاد السوق الحر.
فالسوق إذا أُطلق سراحه كاملًا، سيكون هو نفسه الحماية المجتمعية الحقيقية فسيجذب الاستثمار، ويوفّر الوظائف ، ويخلق حراكًا اقتصاديًا يحول الأغلبية الفقيرة إلى مكتفية أو عاملة أو حتى ثرية، مما يقلص الحاجة للدعم
إلى الحد الأدنى لغير القادرين، الذين يمكن دعمهم بسهولة من أقربائهم المنتجين لاسيما في مثل مجتمعاتنا المترابطة المتكافلة أو من موارد الدولة المتزايدة.
3. إصلاح لا يحتاج إلى توافق اجتماعي
رؤيتي تقوم على أن الإصلاح الحقيقي لا ينتظر توافقًا، بل يُنفّذ كواجب أخلاقي وعلمي حتمي، لأنه يصب في مصلحة الجميع.
فمثل هذه القرارات هي تصحيح لمسار مختل، وليست خيارًا سياسيًا يساوم عليه.
والتجربة التاريخية تشهد بأن التحرير إذا طُبّق كحزمة واحدة مع ضبط نظامي شامل، يحقق نتائج مبهرة في وقت وجيز.
أثر التحرير المطلق: لا تضخم بل استقرار
خلافًا لما يظنه البعض، فإن التحرير الكامل لا يقود إلى التضخم، بل العكس تمامًا:
▪︎ اندياح الاستثمار يزيد العرض ويُشبِع السوق.
▪︎ خلق الوظائف يمكّن المواطن من الشراء والإنتاج .
▪︎ تدفق رؤوس الأموال يعزز قيمة العملة الوطنية بتوازن حقيقي.
▪︎ ازدياد موارد الدولة من الجمارك والضرائب والرسوم، يمكنها من الإنفاق على البنية التحتية ودعم المؤسسات .
وهنا، يرتفع دخل المواطن، بما في ذلك الموظف الحكومي، نتيجة الطفرة الإنتاجية والمالية التي تنشأ عن تحرير السوق وتوفر للدولة موارد هائلة ترفع بموجبها المرتبات عن قدرات حقيقية ، لا عن آلية شكلية تحدث اختلالا هيكليا .
خاتمة: ما يميز رؤيتنا عن نهج د. عبد الوهاب :
أن السياسة الاقتصادية الفعالة في مثل حالة السودان لا تحتمل التدرج أو الترقيع أو مزيج الممانعة والمجاملات.
ولهذا، يتميز ما ذهبنا اليه عن سياسات د. عبد الوهاب في رؤيتنا :
● تستند لمنطق السوق الفطري لا لمنطق التدخل والتقييد.
● تحرر الطاقات الكامنة في المجتمع، بدل محاولة تنظيمها من فوق.
● تستأصل جذور التشوهات، لا تكتفي بإدارة آثارها.
إنها رؤية جذرية جريئة، لكنها في الوقت ذاته واقعية وبالغة الاتساق مع قوانين الاقتصاد، ومع طبيعة الإنسان .
إن المراد لدينا ليس بالمقام الاول التمحور حول الأشخاص رغم عظمة د.عبد الوهاب ورفيع خلقه وقيم ما قام به من جهد وعمل في ظرف بالغ التعقيد وبيئة غير مساعدة بل مشاكسة وذلك ما أشرت إليه آنفا وإنما الهدف
الوصول الي زبدة ما يمكن تنزيله من سياسات تنهض ببلادنا نهضة كلية شاملة دون تشوهات حيث لا خيار نجاة للسودان من دوام وهدة وسحيق بؤس ما هو فيه الا بهذا . ونرجو ان يجمع د. كامل بين ضوابط د. عبد الوهاب المحكمة رحمه الله ويزيد عليها في إطار فتح البابين الاعظمين للعبور بالاقتصاد السوداني بسلام .
والله تعالى أعلي وأجل وأعلم .
محمد عثمان الشيخ النبوي