محمد احمد مبروك يكتب : شركات الجنود الفقراء
سطور ملونة
شركات الجنود الفقراء
مؤسف أن يمارس شخص الفساد ويعتدي على المال العام كما فعل بعض محدود من منسوبي نظام البشير وكما فعلت لجنة إزالة التمكين وأذيال كثيرة ملحقة بها .
ومؤسف أيضا أن تتصدى أقلام رخيصة لتجميل صنيعها وأفاعيلها في العهدين ؛ وبليد أن تستمر في محاولة الدفاع عنها بعد أن تكشف فسادها .
ولعل هذا هو السبب الذي جعل الكثيرين لا يصدقون أن هناك من يدافع عن شيء لانه الحق ؛ وأنه غير منتفع من من يدافع عنه .
لذلك أجدني مضطرا لبسط علاقتي بشركات الجيش التي استمرت قريبا من نصف قرن ؛ حتى لا ينصرف ذهن المتلقي لحديثى عن جوهر الموضوع إلى ( الزول دا مصلحتو شنو ) . والمؤسف أكثر أن ضياع القيم الوطنية أحدث فراغا في التفكير اوجد صعوبة في تصديق أن عملا يمكن أن يكون دافعه وطنيا صادقا .
فعندما بدأت منذ السبعينات متابعة أخبار المؤسسة العسكرية الإقتصادية فذلك بحكم أنها دائرة أصبحت أغطي أخبارها ؛ ولم يكن مسموحا للصحفي ٱنذاك استلام حافز أو منحة أو هدية من أي نوع من جهة يغطي أخبارها !! بينما الان كثير من الصحفيين لا يكتبون إلا إذا استلموا الحافز مقدما .
وعندما أصبحت مستشارا إعلاميا لبنك أم درمان الوطني على عهد اصدقائي المقربين المرحوم الزبير أحمد الحسن ومن بعده احمد الفشاشوية واللواء أحمد موسى لم اتقاض مليما كمرتب ؛ بل كان عطائي مرتبطا بعمل محدد أؤديه أو مطبوعة أصدرها . حتي المجلة الشهرية التي كنت أصدرها وحدي لم يكن لى مقابلها مرتب ؛ إنما هي منحة مقابل كل عدد .
ولم يمنحني البنك منحة أو قرضا أو تمويلا من أي نوع أو سيارة للإستخدام ولم يعين عيالي في البنك او شركاته رغم أنهم مؤهلون ولم يحصل أيا من أهلي وأقاربي على أي امتياز أو تمويل . ولحسن الحظ فأن حسابات البنك الٱن موجودة .
عندما إنتسبت للهيئة الإقتصادية مؤسسا لم تكن لدينا رواتب في البداية وكان اللواءين أحمد موسى وعبد الإله يتقاضيان مرتب الجيش وكنت بعد فصلي من البنك أعمل في الإنتاج الإعلامي والمطبوعات في السوق . وبعد شهور كنا خلالها ننظف المكتب ونتبادل عمل الشاي وإحضار ساندويتشات الفطور حيث أنه لم يكن لدينا ساع . وكنت أتولى مهمة الطباعة ولم أكن بارعا فيها .
وبعد شهور أضيف إلينا طالب من الخدمة الوطنية وثلاثة من الجنود وصف الضباط . وتم تخصيص مرتب لي لكنه كان أقل من المنحة الشهرية التي تمنح لطالب الخدمة الوطنية ؛ وحصة بنزين أسبوعية لا تكاد تكفي سيارتي البيجو العجوز لترحيلي من الجريف شرق إلى المعمورة . والحمد لله أن حسابات الهيئة الإقتصادية الوطنية دقيقة وموجودة الٱن ؛ وهي حسابات روجعت المراجعة القانونية لمن أراد الإطلاع . واستمر ذلك الحال حتى تم فصلي مع ٱخرين بقرار مباشر من وزير الدفاع بغرض إستبدالنا بأفراد من العسكريين ؛ وكان قرارا رأيته صائبا .
أما صلب الموضوع شركات الجيش فنقول إن كثيرا من الجيوش في العالم تملك شركات كبيرة تدر لها عوائد ضخمة ؛ وأولها الجيش الأمريكي الذي تتشدق دولته بضرورة تصفية شركات الجيش السوداني وإخراجه من دائرة الإقتصاد ؛ حيث يعتبر الجيش الأمريكي أغنى جيوش العالم ؛ واستثمر في الانشاءات المدنية 44 مليار دولار في سبع سنوات وهو أگبر أنفاق في المجال المدني منذ الحرب العالمية الثانية . ويستثمر في مجال المياه والطرق ؛ حيث أنشأ موانيء و١٢ الف ميل من الطرق المائية ؛ ويعمل في الصناعات المختلفة ؛ وينتج معظم إحتياجاته العسكرية وإحتياجات أفراده .
ويمتلك الجيش الصيني 30 الف شركة ؛ ويعمل كالأخطبوط في كل مجالات الصناعة والزراعة والتعدين والانشاءات المدنية .
ويمتلك الجيش الباكستاني ثلث الصناعات المعدنية في باكستان ويدير أصولا قيمتها 20 مليار دولار كما يستثمر في كل الصناعات ويمتلك مصانع سكر وصناعات الحديد الثقيلة وفي التجارة وانتاج المواد الغذائية ويمتلك مدارس وجامعات ومستشفيات مدنية وبنوك وغيرها .
ويمتلك الجيش التركي أكبر منظومة في الإقتصاد التركي العملاق وهي مجموعة أوياك وشركة أردمير العملاقة لصناعات الحديد والصلب . وتعمل شركاته كوكلاء لشركات اجنبية ومنها رينو للسيارات ؛ وكذلك في كل مجالات الصناعة بدءا من الصناعات العسكرية المتطورة وانتهاء ببسكويت الشاي .
أما الجيش الهندي فهو يدير أكبر عملية تجارية في الهند ؛ ويبيع وحده ربع السيارات في الهند ؛ و26 بالمائة من المشروبات الكحولية ؛ و 23 بالمائة من مساحيق التجميل ؛ ويمتلك أكبر مجموعة متاجر في الهند عبر منظومة ( كانتين ) التي تضم 3901 متجرا و 34 مستودعا ضخما ؛ وتبيع 3400 سلعة تشمل كل احتياجات الحياة .
الجيش الإيطالى أيضا له اسهام مقدر في الإقتصاد ؛ لكنه يتميز بالصناعات الدوائية وزراعة وإنتاج الماريجوانا الطبية اللازمة لصناعة بعض الأدوية .
أما الجيش المصري فحدث ولا حرج فهو يعمل في كل مجالات الزراعة والصناعة والانتاج الحيواني ويملك مسالخ ومخابز ومصانع لانتاج الأغذية والأدوية وفوق هذا يملك أغلب مساحات الاراضي المصرية ويعمل في تجارة الصادرات والواردات ويبيع كل شيء !!!
هذه نماذج فقط لجيوش العالم . لم تكن مشاركتها في النشاط الاقتصادي وأمتلاكها شركات جعلت بعضها القوة الإقتصادية الأولى في بلدانها ؛ لم تكن هذه المشاركة مشكلة أو مثار إتهام أو إستنكار في بلدانها أو في غيرها أو لدي المنظمات ( الإنسانية ) العطوفة الحنييينة .
إذن لماذا ثار العالم كله ضد شركات الجيش السوداني واعتبرها مشكلة شغلت الدنيا ؛ وانبرت الدول والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولى تطالب كلها بحل شركات الجيش .
هذا سؤال لن تغيب على لبيب إجابته . لكن أن المدهش حقا هو أن سقوط ثورة مايو وتسليم سوار الذهب للسلطة للأحزاب أوجدت حكومة مدنية ديمقراطية ولم يكن للجيش ظهير بل لم توفر لجنوده ابسط أحتياجاته وهم يقاتلون المتمردين في الجنوب وفي النيل الأزرق .. لكن لم تقل الأحزاب ( بغم ) عن شركات الجيش ولم يتحرك قلم في ظل الديمقراطية ينتقد وجودها . أذن لماذا الٱن .. لماذا الٱن ..
لكن هل شركات الجيش تمارس نشاطها وفق القانون وتؤدي خدمة نافعة للسودان . كثيرون لا يعرفون ماهي شركات الجيش التي يطالبون بإقصائها او تحويلها الى وزارة المالية المسئولة عن المال العام .. وهم يجهلون أن هذا مستحيل قانونا لان المالك الحقيقي لهذه الشركات ليس الجيش !! وهذه الشرگات ليست ( مال عام ) !!! نعم ليس الجيش مؤسسة الدولة العسكرية .
ان شاء الله إن مد في الأيام واتسعت الصدور نتحدث غدا عن مالك شركات الجيش الذي إن حاول أحد التعدي على ملكيته ( بوريهو الطفى النور منو ) .
محمد أحمد مبروك