مقالات

محمد احمد مبروك يكتب : دا العملو منو ياحبيب ؟؟!!

سطور ملونة

دا العملو منو ياحبيب ؟؟!!

قصة الجندي الشاب وكيل عريف الذي ودع زوجته في الفجر وقبل طفله وهو نائم ؛ وذهب إلى مناطق العمليات حيث نال شرف الشهادة ؛ ومزقته القذائف وصلى عليه رفاقه ودفن في مجاهل الغاب . ثكلته زوجته الشابة ولم تجد قبرا تبكي عليه . وصحا الطفل يتيما لم يعلم أن له أبا بطلا ..
هل كثير على هذا الجندي وهو في الخدمة أن تكون هناك شركات تقدم له دعما لا يعادل شيئا البتة قياسا بما يرجى منه تقديمه ؟؟
أنظر : الأمانة العامة للهيئة الإقتصادية الوطنية صممت برامج لدعم افراد القوات المسلحة . فميزانية الدولة لا تحتمل زيادة رواتب الجنود بالمستوى الذي يحقق لهم ولو الحد الأدنى من العيش الكريم ؛ ولا تقارب مستوى المرتبات في كثير من مؤسسات الدولة ؛ وتبتعد كثيرا عن مستوى مرتبات القطاع الخاص والمهن الحرة . أضف إلى ذلك أن الجنود مقيدون بضوابط صارمة تمنعهم من مزاولة مهنة أخرى تحسن معيشتهم أو تكون دخلا إضافيا .
يا لبساطة الدعم المقدم لشخص مستعد أن يقدم دمه وروحه .. إنه برنامج يقدم أربع مرات في السنة بسلع مدعومة بنسبة خمسين بالمائة تشمل السكر والشاي والعدس والأرز ولبن البدرة وزيت الطعام . وهي كمية لا تكفي الشهر الواحد .
وكان مقررا على كل شركة أن تدفع ما يعادل نصف ارباحها لمشروع دعم السلع وفق حساباتها الختامية المراجعة .
ونفذت إحدى شركاتها وهي مؤسسة الإسكان الوطنية مشروعا مستمرا لتوفير السكن للجنود بإنشاء مجمعات سكنية ؛ وتقديم سلفيات بناء المنازل وهي مؤسسة عملاقة لها خبرة متوارثة عريقة ؛ ومقومات كاملة للبناء والتشييد ومنها ورش لتصنيع الابواب والشبابيك ؛ وقد ه‍يأت جهودها المأوى لعدد مقدر من الجنود منهم من قضى نحبه وزف شهيدا إلى جلال البارىء ومنهم من ينتظر على درب الفداء وكذلك فعلت شركة علا العقارية .
وأضافت الهيئة مشروع دعم العام الدراسي ودعم الزواج والحج .
لكن لننظر في إسهام شركات الجيش في بناء الوطن وإحداث التنمية في كل أنحاء السودان . ولعل كثيرين يعلمون دور شركات الجيش الكبيرة في بناء السودان لا يستطيع إنكارها اكبر الناس مكابرة لكنني سأورد نماذج فقط لشركاتها وأبدأ بإحدى شركاته الصغيرة التي عاصرت نشأتها ومسيرة أدائها حتى اليوم وهي شركة سينمار الهندسية . ولك أن تستغرب أنها شركة نشأت بدون رأسمال تحت مظلة الهيئة الإقتصادية الوطنية وعين لها مهندس شاب اسمه خالد محمد الحسن شيخة فبدأت عملها مدينة بأثاثاتها وأجهزة الكمبيوتر لكنها بفكر مبدع خلاق استطاعت بدقة تصميم مشروعاتها إكتساب ثقة البنوك وأنشات محافظ لتمويل مشروعاتها وتمكنت من ( إبتكار ) طرق تمويل جديدة لمشروعاتها الطموحة التي نفذتها مثل التمويل الأصغر المجمع .
وبصبر ومثابرة نفذت مشروعات لم تكن تخطر على بال حتى الشركات الضخمة . وأنجزت أعمالا ترهق حكومات بعض الدول وتقف عاجزة أمامها . وقدمت دعما للمجتمع أهلها للفوز بجائزة الدولة للمسئولية المجتمعية منافسة شركات عملاقة في المجال الهندسي منها شركات الإتصالات الكبيرة .
في العام ١٩٨٨ أجريت حوارا قصيرا نشر في جريدة الصحافة مع شاعر البطانة محمد ود رحمة الله ود قيامة وحدثني عن ظلم المنطقة في الخدمات بقوله :
من النابتي لي عند حلة الجيعانة
تسعين حلة من ساكنات قديمة بطانة
من زمن ابهاتنا ولامن كبرنا برانا
رفع المستوى بنسمع بو ما لاقانا
فراج الكرب مولانا
لامدرسة ولا وجود شفخانة .
وغيره كثير من أشعار تبين ظلم منطقة شرق الجزيرة واشواقها للخدمات .
شركة سينمار رفعت عن المنطقة الظلم ونفذت مشروع كهرباء شرق الجزيرة غطى كل المنطقة التي ذكرها ودقيامة طيب الله ثراه وفاقها كثيرا . وكل ذلك بالتمويل الأصغر المجمع بمحفظة بنوك توجه فيها جزءا من سقفها للتمويل الأصغر لكل مواطن على حدة ويسترد المبلغ منه كقسط بسيط مع فاتورة الكهرباء . وأضاء شرق الجزيرة كثريا عملاقة طويلة فانقلبت حياة الناس رأسا على عقب في كل المجالات .
لا ليس هذا فقط فقد نفذت الشركة مشروعا صعبا ضخما بالغ التعقيد عجزت كل المحاولات السابقة عن تنفيذه وهو مشروع كهرباء دلقو الذي كان ملحمة لا تطيقها شركة تستهدف الربح فقط ؛ وتم تنفيذه بنفس طريقة التمويل الأصغر المجمع . فالمنطقة طويلة ممتدة شرق وغرب النيل . ومناطق واسعة منها لا توجد بها طرق تمكن من عبور شاحنات المعدات الضخمة . وبعضها تتطلب تفجير الصخور لزراعة الأعمدة .
لا بل هناك ماهو أصعب من ذلك وهو شمول شبكة الكهرباء للجزر التي لم يكن يحلم مزارعوها ولا قاطنوها بالكهرباء تحيل ليلهم الطويل إلى نهار وتصبح طاقة للري فيصمت هدير وابورات الديزل وبراميل الجازولين ومشقة الحصول عليه . ولعل أعداء شركات الجيش يقولون أنه لولا هذه الشركة الصغيرة لما ثار المزارعون من رفع تعرفة الكهرباء وأقاموا ترس الشمال .
بعزيمة لا تلين شقت الشركة الطرق وأقامت المعابر في المناطق الوعرة وفي مداخل الجزر وبجرة قلم قامت شبكة كهرباء دلقو لتنصف أهلنا الشايقية والدناقلة والسكوت والمحس من ظلم طويل .
لكن هذه ليست أكبر ولا أصعب المشروعات التي نفذتها هذه الشركة الصغيرة سينمار الهندسية .. فعندما استعر القتال في جنوب كردفان وانضم قطاع كبير من المواطنين للحركات المسلحة بدوافع شتى منها الظلم والتهميش في الخدمات اتجهت شركة سينمار الهندسية نحو جبال النوبة وتحركت أرتال الشاحنات صوبها بهدف توفير ماء الشرب النظيف وتوفير الكهرباء .. لكن التحدي هنا كان أكبر حيث أن الأمر لم يكن مجرد إنشاء الشبكة الناقلة للكهرباء والمياه ؛ انما كان توليد الكهرباء أولا ثم إنشاء شبكة التوزيع ؛ وحفر الٱبار وإنشاء شبكة توزيع المياه . ورغم الحرب الدائرة ومخاطرها على العاملين أقامت الشركة محطات توليد الكهرباء وأنشأت شبكات التوزيع ؛ وحفرت الٱبار ووزعت المياه في كل جنوب كردفان ؛ وكل المنطقة المتاخمة لحدود دولة الجنوب . صحيح أنهم تعرضوا لقصف لبعض منشٱتهم لكن إكمالها جعل المواطنين يحرصون على حمايتها وانسلخ الكثيرون ليضعوا السلاح .
هذا ونمر عابرين فقد نفذت شركة الجيش الصغيرة هذه مشروع أزالة شجرة المسكيت التي قضت على الأراضي الخصيبة في دلتا طوكر والقاش بتكلفة قدرها صفر نقود حيث مولت المشروع من عائد تصدير فحم المسكيت . ونفذت علي سبيل التبرع ضمن مشروعات المسئولية المجتمعية مشروع محاربة مرض المايستوما القاتل الصامت في منطقة شرق سنار .
لكن كل هذا ليس أكبر إنجازاتها فقد قادت الشركة اكبر مشروع هندسي في العمق الأفريقي حيث أنشأت بالشراكة مع حكومة تشاد شركة ( سوداشاد ) ونفذت شبكة الألياف الضوئية ونظام الإتصال بشبكة الإنترنيت العالمية بالتعاون مع الشركة السودانية للإتصالات .
ولعلنا نعود لنفصل في ساحة أخرى لكن نقول لاحقا : أذا كان هذا هو جزء من عطاء شركة صغيرة من شركات الجيش للوطن فماذا عملت شركاته الكبيرة ..
إذا مد الله في الأيام سنتحدث غدا عن أكبر شركات الجيش بنك أم درمان الوطني .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى