محمد احمد مبروك يكتب: الناس ديل ما تخلوهم براهم !!
سطور ملونة
الناس ديل ما تخلوهم براهم !!
متقاعسون ماتت همتهم ظلوا يلعنون السودان وحكوماته المتعاقبة وشعبه ، ويصفونه بالشعب الكسول الذي لا يستحق خيرا .. بينما هم أساس البلايا وعظم ظهر الرزايا .. لا يفعلون شيئا ويحبطون الٱخرين .. لكن في المقابل هناك أناس حقيقيون سأقول لك من هم ، صامدون كالجبال لا يهمهم أحسنت الحكومة أم أساءت .. ساعدتهم أو حجبت عنهم المساعدة .. إذا توافرت الإمكانات يعملون بها إلى الحد الأقصى .. وإذا لم تتوافر صنعوها وأوجودوها ..
عندما تتشابك خيوط السياسة وتصطرع كيانات الطامعين في السلطة ، والمتشهين الإمتيازات ، والساعين الى قسمة أو خم الثروة فهم لا يسمعون بكل هذا ، لأن لهم هم ٱخر كبير . الناس عندهم ليسوا أحزابا أو حكاما أو محكومين ، إنما هم مرضى أو أصحاء ، فيسعون لعلاج المرضى ووقاية الأصحاء .
لك أن تتصور في ظل ظروف البلاد في السنوات الست العجاف الماضيات قام مركز ابحاث المايستوما بحملة جمع فيها ٱلاف الأحذية .. نعم الأحذية للأطفال في المناطق الموبوءة بالمرض لأنهم يسيرون ويلعبون حفاة ، فيتعرضون لطعنة الشوكة فتنتقل لديهم العدوي .. وزعوا عليهم الأحذية لانها تقي من الأشواك .. وتكون بمثابة توعية وتنبيه لضرورة التخلي عن عادة السير حفاة .
انشأوا مركزا متخصصا لعلاج المايستوما في قرية ود اونسة التي تتوسط قرى ريف شرق سنار ، وأكملوه من حيث المباني والتأثيث والمعدات الطبية والعلاجية المطلوبة والكادر الطبي اللازم .
قادوا حملة مسح شاملة للمنطقة باستبيان علمي جمعوا فيه البيانات والاحصاءات عن المرض وعن المصابين .
لكنهم اجتهدوا ليزيلوا اكبر الأسباب المتمثل في زرائب الشوك التي تحيط بمنازل القرية لتكون حظائر للأبقار . وتكفلت شركة سينمار الهندسية إحدى شركات الهيئة الإقتصادية الوطنية بإنشاء اثنتين وستين حظيرة من الحديد لتكون بديلا لزرائب الشوك ، مساهمة منها في مكافحة مرض المايستوما . وكانت تكلفتها ٱنذاك تعادل حوالى خمسة وخمسين الف وخمسمائة دولار تعادل قيمتها الحالية واحدا وثلاثين مليون جنيه (بالجديد) 31 مليار .
لكن مما يحزن ويجعل العين تبكي دما أن البعض بعد سقوط نظام البشير إعتبر هذه الحظائر من ٱثار العهد البائد و (فككوها) ونهبوا حديدها .. رغم أنها عمل إنساني وجهد طبي وقائي لا علاقة له بسياسة ولا يرتبط بنظام حكم .
فريق مركز أبحاث المايستوما بقيادة البروفيسور أحمد حسن فحل كانوا يعلمون أن القضية لا بد أن تتحول إلى قضية مجتمع وهم عام ، لأن الخطر في هذا المرض عظيم ، ويتطلب عطاء ضخما في جوانب متعددة أولها التوعية الصحية ، ثم مكافحة مسببات المرض ، ثم توفير مقومات العلاج للمصابين ، وأخيرا تولى مساعدة الذين أطاح المرض اللعين بأيديهم وأرجلهم وحولهم إلى معوقين يحتاجون لمؤازرة وتأهيل نفسي ، ثم إعانتهم بإيجاد وسائل تعينهم على كسب عيش كريم ، لكي لا يصبحوا عالة على غيرهم فيقعوا أسرى لمذلة الشعور بالعجز والحاجة للٱخرين ..
لك الله يا بروفيسور الفحل ..
لم تشغله جهود البحوث المضنية عن علاج ودواء للمرض ، ولا إرهاق غرفة العمليات الطويل ، ولا العيادة المزدحمة في المركز التي يفد إليها المصابون من كل مناطق الإصابة في السودان ، ولا مسئوليته كمدير لإدارة البحوث في وزارة التعليم العالى والبحث العلمي . وسط هذه المشاغل التي رمت شعره الجميل بشهب الشيب البيضاء ينادي عاصم البنا وجمال فرفور ان تعالوا غنوا …. وخففوا العناء عن مرضى ومعوقي المايستوما .
لا لا لا لم يكتفوا بذلك لكنهم اقاموا منشأة عملاقة إسمها قرية المايستوما كنموذج للنجاح الكبير مهما صعب الحصول على الإمكانات .. إنها والله أنجاز عجيب تبكيك الإنسانية والرحمة فيه وتدهشك روعة فكرته وتقدمها وتسر عينك هيئتها وجمالها وروعة تكوينها .
الحقيقة أنني لا أريد أن أفسد عليك روعة المشهد حيث أننا موعودون الأسبوع القادم إن شاء الله بحديث صريح من بروفيسور الفحل وسنسأله : ماذا تريد كتيبة المايستوما منا في قطاعات المجتمع المختلفة .. وماذا تريدون من سلطة البلاد السيادية .. وماذا تريدون من الحكومات الأتحادية والولائية . لن نكسر ظهركم ، ولن نترككم وحدكم وأنتم تقاتلون عدونا ٱكل اللحم البشري القاتل الصامت ..
لكن هل يعقل أن أغادر المحطة قبل أن أحدثك عن الرجل العجيب شيخ عبد العزيز البشير يوسف شيخ قرية ود أونسة هذا الرجل تستضيف داره الرحبة وحوشه الكبير كل نشاطات الفرق والزوار للمنطقة فيحسن ضيافتهم وأيواءهم كأفضل وأكرم ماتكون الضيافة رغم ضخامة الوفود وتعقد أوضاعهم وتنوع متطلباتهم من سودانيين وخواجات واستمرارهم سنين ما زادته إلا بشاشة وترحابا بيد بيضاء ووجه بشوش . ولا يخلو وفد من نساء ففي دار زوجته الحاجة هيبات تجد الضيفات من كرمها وروحها الفياضة بالبشر ما يجعلها حديث مجالسهن يذكرنها بالخير ويحمين عنها كنموذج للمرأة العظيمة . نرفع أيدينا لها بالتحية والتقدير ..
محمد أحمد مبروك