مقالات

محمد احمد مبروك يكتب: الخطر المدفون غرب النيل يهدد حياتنا !!!

سطور ملونة

الخطر المدفون غرب النيل يهدد حياتنا !!!

كشف المرحوم فضل عبيد سرا خطيرا لكن لم يلق إليه أحد بالا ولم يهتم المسئولون بحديثه الخطير عن دفن النفايات النووية في السودان .. الٱن انتشر السرطان في بلادنا بصورة مخيفة .. سرطان من كل نوع … سرطان الثدي والرحم والدم والجلد والأحشاء والقولون والأنسجة المختلفة .. إكتظت أماكن علاجه القليلة ضعيفة الإمكانات . وغادر القادرون إلى المشافي خارج السودان وغادر الٱخرون إلى الدار الٱخرة .
لكن قبل أن نقول ماهو السر الخطير الذي كشفه فضل عبيد نقول من هو فضل عبيد حتى نعرف وزن الرجل وقيمة حديثه :
كان ضابطا في الشرطة ووصل رتبة رفيعة تعادل العميد الان وهي رتبة كان شاغلوها
عدد قليل . وقد حكى لى رحمه الله أنه إبان إضراب الشرطة كان مسئولا عن سوق الخرطوم الكبير ، وقد إنسحبت الشرطة المضربة عن حمايته ، فهجم عليه اللصوص يكسرون المحلات وينهبون ، وشاركهم جمهور غفير .قال لم يكن أمامى بد من حماية السوق فأخرجت مسدسي ونظرت إلى أعتاهم وكان يحمل عتلة يكسر بها الأبواب للناهبين ، فأطلقت رصاصة دقيقة إلى صدره فسقط قتيلا وفر الباقون ، حتى لم يبق شخص واحد في السوق ..
وفضل عبيد شغل منصب مدير مديرية النيل الأزرق وهي تشمل حاليا ولاية النيل الأزرق وولاية النيل الأبيض وولاية القضارف وولاية الجزيرة . قال لي عليه الرحمة أنه تولى إدارة المديرية وليس لديه سوى عربة كومر واحدة ، ويركب مساعدوه مدير الصحة والتعليم وغيرهم الخيول ، ولم يكن لديهم تليفونات . لكنهم لم يدونوا بلاغا واحدا ضد مجهول ، بل كانوا يقبضون كل الجناة ، ولم يختلس مليم واحد من مال المديرية ، ويقومون سنويا برش جميع البيوت والقطاطي بمبيد البعوض والحشرات ، ويفحصون الماء في الأزيار في كل بيوت المديرية ، ولديهم سجل بكل المواليد والوفيات والزيجات . ويوفرون كل مستلزمات المدارس والوحدات العلاجية ، وغير ذلك مما تفعل الدول عالية الدقة والقدرة وحسن الإدارة والتنظيم .
ثم أن فضل عبيد دخل السلك الدبلوماسي وشغل منصب سفير السودان في عدد من البلدان ، وأصبح في السبعينات وكيلا لوزارة الخارجية ، ثم أسس رابطة الدبلوماسيين السودانيين وكان رئيسا لها حتى وفاته . وكان من القيادات في تدريب الدبلوماسيين . زرته في أيامه الأخيرة برفقة صديقي السفير محمد الأمين عبد الله أمد الله في أيامه ، وهو كان ممن خلفوا فضل عبيد وكيلا للخارجية .
قال لي فضل عبيد إن الأمريكان والفرنسيين دفنوا نفايات نووية بالغة الخطورة غرب النيل في عدة أماكن غرب أم درمان وغرب المتمة وغرب الدبة في الصحراء . وهي نفايات مشعة شديدة الخطورة على الصحة .
وقال لى إن هذه النفايات مدفونة دفنا سطحيا بطريقة غير علمية ولا تحجب أي درجة من الإشعاع الذري المنبعث منها .
وذكر أنه حينها نبه السلطات المختصة إلى ذلك ، لا سيما أن المخابرات الأمريكية والفرنسية تسترت بذكاء خلف شركات تعمل في نشاطات أخرى .
كان رحمه الله يزورنا يوميا في جريدة السودان الحديث ويقضي معظم وقته معي فأقنعته أن يكتب هذه التجربة . وحسنا فعل مبرئا ذمته قبل الرحيل . وقد نشر مقاله في هذه الصحيفة وهي موجودة ضمن محفوظات دار الوثائق القومية السودانية لمن رغب في الإطلاع .
إن الحديث من رجل كهذا هو حديث صحيح قطعا ، فهو من أكبر من شغلوا مناصب رفيعة في بلادنا ، ومشهود له بالجدية والصرامة البالغة ، ورفعة الخلق وعلو الحس الوطني .
والمعلومات هذه حقائق لا يرقى إليها الشك . لكنها حقائق صادمة مرعبة ، لأن استمرار وجود النفايات النووية في بلادنا يمثل خطرا مستمرا باستمرار تنامي انتشار السرطان ، لا سيما وقد أضيفت إليه عوامل أخرى من أسمدة ومبيدات ومواد حافظة ، وأوعية غير صحية تدخل مواد مسرطنة إلى طعامنا .
إننا الٱن نسعى (لمعالجة) السرطان بعد وقوع الإصابة به لكننا لا نسعى لوقف مسبباته وأكبرها هذه النفايات النووية .
المؤسف حقا أن الأمل ضعيف أو لا أمل البتة في علاج قريب .. لأن دولة تعجز عن جمع القمامة حتى تتراكم في شوارعها وتغرق بها كل مناطقها ، لا يرجى أن تعالج موضوعا خطيرا وبالغ التعقيد كالنفايات الذرية .
إن التخلص من هذه النفايات يكون إما بدفنها في أعماق سحيقة في الأرض بتقنية لا تملكها الا بضع دول في الدنيا ، ونحن بالطبع بعيدون عن أن نملكها . أو بإعادتها إلى من جلبوها لنا لحفظها في حاويات عالية التأمين وهي تقنية مثل سابقتها لا نملكها . حتى لو قبل أعداؤنا الذين جلبوها إلينا إستعادتها فإننا غير قادرين على إستخراجها ونقلها ثانية .
لعلنا نكتفي بأن نبلغ الأجيال القادمة بأن الأمريكان والفرنسيين دفنوا في بلادكم بؤرا تنشر الموت فلعلكم تكونوا أقدر منا على معالجة أمرها حفظا لأجيال تليكم .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى