محمد احمد مبروك يكتب:الوسيط المقبول والنذير المرعب
سطور ملونة
الوسيط المقبول والنذير المرعب
الوضع في بلادنا أصبح في منتهى الخطورة .. وبدأت الأمور تنفلت بشكل واضح .. ودخلت الفتنة حيز التنفيذ ، بحيث لم يعد ممكنا تغطية الأمور بألفاظ حمالة الأوجه .
لم تعد هناك أدنى فرصة لإنتظار الكيانات السياسية الفاشلة الخائرة ، أو الوالغة في عفن العمالة والتٱمر ، أو الصارخة الصائحة بجهالة سياسية مخزية ، أو الخانعة الساكتة عن المشاركة الإيجابية والإجتهاد في حماية الوطن مما يراد به من شرور .
ولم يعد ينفع تخدير الناس بحقن انتظار (مخرجات الحوار.. والتوافق الوطني .. وتلبية متطلبات المرحلة الإنتقالية .. والدولة المدنية .. وحكومة كفاءات) وغيرها بحيث أن هذا الكلام ظلت تلوكه الألسن . ولكن في الواقع العملي يزداد الوضع تعقيدا ، وتخرج الامور عن السيطرة شيئا فشيئا ، وتتوج البداية العملية للفتنة بنهر من الدماء ينذر بفيضانات دماء أخري .
لم تعد هناك فرصة للإنتظار في الوصول إلى حل عاجل .. ولم يعد هناك أمل في الٱلية الثلاثية وكبير عملائها فولكر . وليست هناك جهة سودانية واحدة مؤهلة تجد القبول لدي الجميع أو على الأقل لدى الغالبية .
ويجب أن يكون واضحا الفرق بين التدخل في شأن السودان الداخلي وبين الوساطة بين مكوناته السياسية ..
الوضع المعقد الحالي لا يصلح فيه إلا وسيط تتوافر فيه ثلاثة شروط هي :
أن يكون صادقا في حرصه على إستقرار السودان أو أن تكون مصالحه تتطلب إستقرار السودان .
أن يكون له وزن عالمي يجعله قادرا على إقناع الأطراف الدولية بما يتوصل له من حلول للمشكلة السودانية ، ويكون قادرا على طرحها في مواجهة القوى العالمية .
أن يحظى بالقبول والإحترام لدى القوى السياسية المؤثرة في الشعب السوداني وأن لا تكون لديه عداوات مع أي منها حتى التي تخالفه الرأي .
أن لا يكون موليا أهمية كبيرة للصياح الأجوف والكيانات الناعقة وان لا يتجاهلها في نفس الوقت رغم عدم أهميتها الإستراتيجية .
ففي هذا الوضع شديد الظلمة والسواد مازال المصباح السعودي مضيئا . وما زالت الفرصة الوحيدة متاحة أمامه للم الشمل السوداني ..
وأقول لك لماذا السعودية بالذات :
أولا يمثل إنفراط أمر السودان خطرا مباشرا يهدد السعودية ، ويصبح بوابة لمهددات خطيرة تواجهها . لذلك فإن إستقرار السودان يمثل مصلحة إستراتيجية مباشرة وأهمية عالية للأمن القومي السعودي .
تاريخ العلاقات السودانية السعودية على مستوى الدول وبين الشعبين يؤكد متانة وصدق العلاقة بينهما .
المصالح المشتركة بين الدولتين في الحاضر وبينهما في المستقبل تجعل السياسة السعودية تنظر بعين إستراتيجية ذكية ، تملي عليها أن تفعل كل الممكن للحفاظ على سلامة السودان واستقراره .
السعودية دولة كبيرة لها وزن دولي معتبر وتأثير غير منكور . وتنظر إليها القوى الدولية على أنها شريك وحليف إستراتيجي مهم على الصعيد السياسي ، وتأثيرها في الشعوب والدول العربية والإسلامية . وعلى الصعيد الإقتصادي بما تمثله من تأثير في الإقتصاد العالمي بإنتاجها النفطي الهائل .
ولها ميراث دبلوماسي راسخ وثابت ومتوازن . وقد تجلى في قمة جدة الأخيرة التي كانت نتائجها متوازنة . والتي عالجت كل القضايا بما فيها الشأن السوداني بمستوى أثبت عدم الخضوع للمتطلبات الأمريكية وكانت ندا محترما .
السعودية لها قبول عال لدى أغلب المكونات السياسية والإجتماعية والدينية في السودان التي تمثل الغالبية الغالبة في شعب السودان . والتي إن هي وحدت كلمتها لن تعود للكيانات العميلة أدنى قدرة على التأثير في الأحداث .
ومشهود للسعودية أنها وقفت موقفا مساندا لشعب السودان في هذه المرحلة الحرجة . فلم تتدخل في الشأن السوداني ، ولم تحاول استغلال ضعف الدولة بالنيل منه ، او ممالأة أعدائه الطامعين فيه كما فعل أخرون من العرب والجيران بل ومن جيران عرب . إنما إستمرت أبوابها مشرعة للسودانيين المهاجرين . ونشطت صادرات السودان إليها بالطرق الصحيحة والشرعية . بعكس ٱخرين هربوا الثروات السودانية وزوروا عملته وخربوا إقتصاده .
ولم تفعل سفارة السعودية في السودان ما فعلت سفارات غربية وعربية من تحريض وإثارة للفتنة وتدخل في الشأن السوداني ومشاركة في المظاهرات .
لكنها سفيرها كان مشغولا بإفتتاح منشٱت خدمية ومساعدات إنسانية هنا وهناك . وكان يأتي البيوت من أبوابها عبر وزارة الخارجية ، في وساطات مأذون بها من الدولة السودانية .
أمام السفارة السعودية الٱن فرصة من الماس على طبق من ذهب بأن تقدم مبادرة جديدة لا علاقة لها بأي طرف وسيط ٱخر تكون أركانها :
تحديد الكيانات السودانية التي تمثل شعب السودان تمثيلا حقيقيا وجمعها تحت ميثاق للتوافق .
المبادرة بتحديد مسلمات يتفق عليها قبل بدء أي حوار تكون أرضية ثابتة للتفاوض .
تكوين ٱلية جديدة سودانية سعودية من السفارة السعودية والخارجية السودانية ، تشرف على تنفيذ الخطوات العملية للحوار .
حشد الدعم الدولى لمساندة المبادرة السعودية .
من المؤكد والمعلوم سلفا أن كل الأطراف ذات التأثير الشعبي السوداني لديها قبول للسعودية كوسيط . ويمكن حشدها بسهولة لكل ما يمكن أن يحقق التوافق الوطني السوداني ويكفل سلامة السودان ويحقن الدماء الغالية ، ويحقق استقراره السياسي .
حاشية : كأنه جبل سقط أمامي من السماء قرأت الٱيتين الكريمتين من سورة الزمر ٣١ و٣٢ (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ🔹ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ 🔹) صدق الله العظيم . وهي نذير شديد تحقق فعلا عند المخاطب الأول وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . والمخاطب الثاني هو أنا وغيري من البشر . وسيتحقق فينا هذا النذير دون شك بأن نموت وربما الٱن . فأخافني أن ٱتي للشق الثاني من النذير وهو الإختصام أمام الحكم العدل وأنا ظالم .
كثيرون لا يخافون من هذا التخاصم .
حسبنا الله ونعم الوكيل .
محمد أحمد مبروك