مقالات

محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية: ١٩٧٤_ ٢٠٢٥ الحلقة الثانية مدراء الموانئ ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم. الجزء الثانى

محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية: ١٩٧٤_ ٢٠٢٥ الحلقة الثانية مدراء الموانئ ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم. الجزء الثانى

 

 

( حاشية…
… استدراك)
على عبدالرحيم المدير الاكبر للموانى البحرية و امير المديريين السودانيين. رغم البراءة من تهم باطلة وجهت له . رأت القيادة نقله من الهيئة إلى رئاسة الوزارة… نقله كان فقدا كبيرا و خسارة فادحة للهيئة و للمنطقة و للسودان… بنقله تعطلت مشروعات تنموية كبرى حيوية و هامة كانت على وشك التنفيذ و هى ( المرحلة الثالثة من مشروع تطوير ميناء بورسودان و بها يصل الميناء الى طاقته القصوى (١١) مليون طن فى العام… ميناء سواكن الجديدة و هو أحدث و اكبر من ميناء بورسودان… مشروع مياه دولبياى الذى تبنته الموانئ و يوفر الماء لكل المناطق من طوكر و حتى حلايب) . اكثر ما كان يحزن على عبدالرحيم بعد مغادرته هو أن تهمل تلك المشروعات بعد ان أثرت فترة التحقيقات و الاضطرابات على متابعتها بالصورة المطلوبه.

مشروع مياه دولبياى لارتباطه الوثيق بحياة الناس كان محل إهتمام خاص لدى على عبدالرحيم بعد مغادرته… بعد ان صار وزيرا للنقل فى الحكومة الأولى للإنقاذ بعد فترة قصيرة من نقله من الموانئ . و فى أول سفرية خارجية له عرج الى ألمانيا مستفسرا عن المشروع… اخبر ان كل الدراسات و الإجراءات المتعلقة به فنيا و ماليا جاهزة للتوقيع و بدء التنفيذ . إلا ان التطور الأخير الذى حدث بالسودان بقيام انقلاب عسكري يحول دون تنفيذه لان القانون الالمانى يمنع التعامل مع حكومات الانقلابات العسكرية.

مشروع مياه دولبياى التابع لهيئة الموانئ البحرية و الممول بالكامل من الحكومة الألمانية (٣٣٠) مليون دولار .و يوفر الماء للساحل السودانى بأكمله… تخيلوا شكل المنطقة الان لو تم تنفيذه أواخر الثمانينيات. لتدركوا حجم الخسارة و فداحة الجرم الذى ارتكبته تلك المجموعة اليسارية الصغيرة بتعطيلها لمشروع حيوي كهذا نتيجة لصراعات عبثية افتعلتها مع إدارة الهيئة. لياتى بعد ذلك ( الكيزان )بانقلابهم في يونيو ١٩٨٩ و يقضوا على المشروع تماما .

* خطاب اعفاء محمد صالح على تضمن تعيين محمد طاهر ايلا مديرا عاما لهيئة الموانئ البحرية و المهندس حمزة الفاضلابى نائبا له. و هذا هو اول ظهور لمنصب نائب مدير عام فى هيكل هيئة الموانئ… ايلا هو اول مدير للموانى يتم تعيينه لاعتبارات سياسية بحتة… رغم انه مؤهل و جدير بالمنصب… ايلا الذى بدأ حياته العملية بالميناء لم يمضى فترة طويلة حتى أظهر امكانيات و أبدى قدرات تعهدتها الادارة الواعية الرشيدة للهيئة فى ذلك الوقت بالرعاية و الاهتمام الذى يستحقه… ايلا كان الموظف المدلل لرئيس مجلس إدارة الهيئة خالد اونسة الذى أحاط ايلا برعاية و إهتمام لم يجده اى موظف آخر بالهيئة… ايلا بعد ان علا شأنه و عظم أمره قابل تلك الرعاية و ذلك الاهتمام بمنتهى الجحود و نكران الجميل . حدثنى عنه خالد اونسة بنفسه.

* اذكر ان على عبدالرحيم قال فى حديث له عن تأهيل الكوادر بالهيئة ( الآن عدد من رجال الصف الأول بالهيئة مؤهلين تماما لشغل منصب المدير العام و قد شرعنا في تأهيل بعض كوادر من الصف الثانى ناس محمد طاهر ايلا) … ما يثير الدهشة و يدعو للاستغراب هو أن ايلا الطالب ( الشاطر ) الذى نال تأهيلا علميا و تدريبا عمليا متقدما في إدارة الموانئ إلى جانب قدراته الشخصية الكبيرة و العالية . فترته في إدارة الهيئة هى اسوأ فترات هؤلاء المدراء الذين أتحدث عنهم… قادة نقابات وصفوا سنوات ايلا بالموانى بالسنوات العجاف… سنوات قاحلة جرداء منزوعة البركة تماما… لم تكن هيئة الموانئ طاردة و منفرة كما كانت فى فترة ايلا… الاستقالات منها كانت تضع أمامه ( بالكوم ) … انا شخصيا قدمت له استقالتى من الهيئة فى سطر واحد ( فقدت الاحساس بالانتماء لهذه الهيئة فأرجو قبول استقالتى من تاريخه) . تركتها فى مكتبه و ذهبت.

* مصادفة عرضت استقالتى عليه مع استقاله مسؤول كبير يحمل أرفع مؤهل علمى بالهيئة… قبل ايلا استقالة ذلك المسؤول المرموق و علق على استقالتى بعبارة (يقابلنى) … يقابلنى هذه المرة رغم انها لم تكن مقرونة بأسمى إلا أنها كانت اكثر إثارة و دهشة للاخ سعدابى مدير مكتب مدير الموانئ من مرات سابقة … ايلا كان يحرجنى مع الرؤساء في العمل عندما يعلق على المكاتبات ذات الطبيعة الاعلامية بقوله (يقابلنى محمد أحمد عبد القادر) …لم اكترث لمقابلته و بعد عدة شهور التقيته ليخبرنى بأنه كان يريد الاطمئنان على ما سأفعله بعد ترك الهيئة .

* من أغرب الأشياء ان ايلا الذى لم يترك اى حسنة تذكر له من خلال منصب مدير الموانئ. هو نفسه و بالإجماع يعتبر افضل من شغل منصب والى ولاية. بل أكثر من ذلك لدى قناعة راسخة بأن ايلا الذى كان آخر رئيس وزراء فى الانقاذ. لو وجد الفرصة و اسعفه الوقت لكان افضل رئيس وزراء فى تاريخ السودان… عكس حمدوك الذى وجد فرصة لم يجدها و لن يجدها أحد بعده . وكان اسوأ رئيس وزراء فى تاريخ البشرية كلها.

* ايلا الذى صار فيما بعد نجما ساطعا فى سماء البلاد. يتبارى كبار رجال الصحافة في الوصول إليه … انا كنت اول صحفى فى حياته… التخطيط و البحوث بالموانى كانت وحدة إدارية صغيرة كان ايلا على رأسها… مكتبه كان مقابل لمكتبنا… كان هو من يبادر و يحدثنى عن أنشطته لانشرها بالنشرة الإخبارية للموانى (سنجنيب) . وهذا امر ما كان يفعله اى مسؤول بالهيئة غير ايلا … الرجل كان يجيد التعامل مع الإعلام منذ زمن بعيد… انا من أجرى مع ايلا اول مقابلة صحفية في حياته…عندما جاء واليا للبحر الاحمر بحثت عن تلك المقابلة فى اوراقى القديمة و قمت باعادة نشرها مرة ثانية و قد مضى عليها اكثر من ربع قرن من الزمان… يبدو أن هذا الأمر اعجبه و كان سببا في عودة العلاقة بينى و بينه بعد قطيعة من جانبه لم أكن أعرف لها سببا .

* اتفق مع ايلا و اختلف معه سيظل هو اعظم من تعرفت عليه من أبناء الشرق الحبيب.
* بعد ايلا جاء المهندس عمر محمد محمد نور كأول مهندس يتولى منصب مدير عام هيئة الموانئ . ليفتح الباب للمهندسين لتولى هذا المنصب… بمجيئه بدأ الخير و الرخاء يجئ الى الموانى… الرجل ( كراعو بارده ) على الهيئة… طوال فترة وجوده بالهيئة لم أراه إلا مرة واحدة فقط و بالصدفة في صيوان عزاء شقيق الدكتور سيد بيومى… بعد ان ترك الهيئة تحدثت معه بالهاتف يوم ان دعوته لحضور حفل وداع الاخ صلاح هجام مدير مكتب الموانى بالخرطوم… وعدنى بالحضور و لكنه لم يحضر و لم يعتذر… بعدها التقيته مع الزميل العزيز مصطفى عثمان حسن الذى كان سكرتيرا له بالخرطوم… يبدو واضحا أن الرجل يحتفظ بعلاقات حميمة مع الذين عملوا معه عن قرب… طوال فترة المهندس عمر كنت بعيدا عن الموانئ و بورسودان و قريبا من الصحف و الخرطوم…

لهذا ليس لدى ما اقوله عنه اكثر من الذى قلت. سوى موقف واحد يستحق أن يحكى و يروى وإنا اتحدث عن المهندس عمر محمد محمد مدير عام هيئة الموانئ .
* بضع ملايين من الدولارات كانت مديونية هيئة الموانئ البحرية لدى شركة الخطوط البحرية السودانية …المهندس عمر كان رائعا عندما قام باعادة جدولة المديونية بصورة سهله و مريحة. الأمر الذى قوبل برضا و ارتياح كبير لدى إدارة الشركة التى كنت مسئولا عن الإعلام برئاستها بالخرطوم .

* ذات يوم جاءنى بالمكتب المهندس حسين سالم كردى و الكابتن عمر داؤد الخليفة و هما من كبار المسؤولين بهيئة الموانئ… حدثانى و بمرارة عن التنقلات الغريبة التي أجراها عمر محمد نور بين مدراء الإدارات بالهيئة… المهندس حسين تم نقله من الهندسة المدنية مديرا لميناء اوسيف الذى لا وجود له فى أرض الواقع. و الكابتن عمر نقل من الإدارة البحرية مديرا للتخطيط و البحوث و لا علاقة له بهذا المجال… وقس على ذلك … و طلبوا منى طرح هذا الأمر عبر الصحافة.

* قدرت جدا مجىء الأخوة و استعانتهم بى . و تعاطفت معهم (خالص) بحكم العلاقة الطيبة بينى و بينهم . كما أن القضية المطروحة جديرة بالنشر و بامتياز… تلك التنقلات كانت بعد فترة قصيرة جدا من التوجيه الصادر من رئاسة الجمهورية بمنع الإحالة للصالح العام… كتبت مقالا بعنوان ( النقل للصالح العام ) …وجهت فيه انتقادات قاسية و بعبارات لاذعة لمدير الموانى. و حرضت عليه رئاسة الجمهورية باعتباره مسؤول مراوغ يحاول الالتفاف على توجهات الدولة و سياساتها العامة… ما ان نشر المقال و اطلع عليه المهندس عمر حتى اتصل بمدير الخطوط البحرية محمد أحمد النعمان و قال له ما ملخصه ( مسوؤل الإعلام معكم كتب كلاما مرفوضا فى حقنا . ان لم تتخذوا ضده إجراء فإننا نعتير ما قاله يعبر عن رأيكم. و بالتالى اعتبروا التفاهمات الاخيرة بخصوص المديونية لاغية ) .

* حينها تبقى لى اقل من شهر لأكمل العام فى خدمة الشركة التى تسمح فيها اللوائح بإنهاء خدمة اى موظف لم يكمل العام بدون إبداء اى أسباب… وهذا ما حدث… تم فصلى تعسفيا بسبب دفاعى عن المنقولين تعسفيا…لكنه كان فصل من نوع خاص …( فصل فاخر و فاره ) … خُيرت فى مكان إقامة حفل وداعى … حفل وداع بفندق الهلتون حضوره محصور فى إدارة الشركة و حفل وداع بمنتجع الفلك السياحى بالمقرن بحضور إدارة الشركة و أصدقائى فى الوسط الصحفى… اخترت الثانى و دعوت جميع أصدقائى بالصحافة. الذين استمتعوا بالعشاء الفاخر على ضفاف النيل . و استمعوا لحديث

طيب عن صاحبهم. و تجاذبوا اطراف الحديث مع رئيس مجلس الادارة و المدير العام على عبدالرحيم و كبار المسؤولين… قبيل نهاية الحفل سمعت مجموعة منهم يتهامسون ( طيب هو رافدنو ليه؟ يرفدوه يعملوا ليهو حفل ذى دا ….الخ) و ما درى اصحابى عمر إسماعيل و اسماعيل ادم و محمد لطيف ( انهم لم يرفدونى … رفدنى عمر محمد نور ) .

* المهندس عمر محمد نور غادر الموانئ و ترك ذكرى طيبة بعد ان ابلى بلاءا حسنا و أدى اداءا رائعا و قدم عملا نافعا…المهندس عمر …… نور خرج من مكتب مدير الموانئ و ترك الباب خلفه مفتوحا ليدخل من بعده المهندس الفاضل/حمزة الفاضلابى و من بعده المهندس الأمين/ابراهيم الأمين…عن فضلهم و امانتهم أحدثكم فى الجزء الثالث من هذه الحلقة بإذن الله .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى