محمد احمد عبدالقادر يكتب: رجال من الساحل ( ٥ )حمزة الفاضلابى:حزمة فضائل
محمد احمد عبدالقادر يكتب: رجال من الساحل ( ٥ )حمزة الفاضلابى:حزمة فضائل
محرم عوض سيد … وليس عوض السيد كما يقال ويكتب … هو اول مصور بكاميرا الفيديو بهيئة الموانئ البحرية… محرم رجل رزين صبور كثير الأدب قليل الكلام …قال ذات مرة و نحن فى نهاية الدوام ( الناس
تطلع من الشغل يمشو البيوت و انا أطلع من الشغل أمشى اربعات ) ثم اطلق ضحكته المميزة تلك … ما قاله محرم عليه رحمة الله هو أول إشارة فى بريدى فحواها أن الفاصلابى مهندس ( غير ) و مدير ( مختلف ) … و ما
درى محرم ان الفاضلابى نفسه كان يصطحبه إلى اربعات على مضض …لاحقا علمت ان الفاضلابى دائما ما يكون فى حالة تنازع داخلى بين ضرورة الإعلام و التوثيق و
بين إخلاص العمل لوجه الله و البعد عن الرياء و السمعة .
* المهندس حمزة محمد عثمان الفاصلابى مدير إدارة الهندسة المدنية بهيئة الموانئ البحرية. سخر علمه و وقته و جهده و إمكانيات هيئة الموانئ لمعالجة مشاكل
المياة بمدينة بورسودان… قضية المياة هى دائما فى رأس قائمة اولوياته …مشروع هندوب الذى يمد مدينة سواكن بالمياه هو أبرز إسهامات الفاضلابى فى مجال المياه …هندوب تجربة اذا ما قدر لها ان تعمم . كانت
كفيلة بوضع حد لمشكلة المياه بالبحر الاحمر… هذه التجربة تابعتها متابعة لصيقة منذ بدايتها و حتى ذلك الإحتفال الارتجالى بافتتاحها . و الذى كاد ان يتحول الى فضيحة بجلاجل … فكرة هندوب تقوم على عمل سد
ترابى بين جبلين على جانبى الخور . وبعده بمسافة يكون هناك سد جوفى من الطمى لمنع تسرب المياه الى البحر . وبين السدين تكون الآبار.
* ما اثنى العم خالد الصادق اونسة مؤسس هيئة الموانئ البحرية كثنائه على المهندس الفاصلابى… ثناء و تقدير عبر عنه باللغات الثلاثة … الكلام و الاشارة و الجسد …
اعتدل فى جلسته و هو يقول ( لا لا دا حاجه تانية خالص ) و هو يحرك يديه … ما وجد الفاصلابى ذلك التقدير من عظيم الموانى الا لانه حمل عنه هم المساعدة و المسارعة فى حل مشاكل المياه ببورسودان . و ايضا لدور الفاضلابى فى تحقيق حلم خالد الصادق فى تشييد مبنى يضم جميع إدارات الهيئة.
* فى سنوات الإنقاذ الأولى تم اختيار المهندس الفاصلابى نائبا لمدير عام الموانئ كأول من يشغل وظيفة بهذا المسمى … و فى تلك الفترة ذاتها كنا فى لجنة للإعداد لمهرجان الثقافة الأول بالإقليم الشرقى… خصص لنا مكتب بالطابق الاول من مبنى المحافظة و سيارة و سائق
من هيئة الموانئ… كنت المسؤول عن تحركات السيارة … و نحن مجتمعون جاءنى السائق يطلب الاذن في الذهاب مع المهندس الفاصلابى فى مشوار … لم أستوعب الامر … سريعا نزلت بالسلم الحديدى الحلزونى
العتيق لأجد الفاصلابى يقف بجوار السيارة … ما كنت أدرى ان الرجل قد ترك الهيئة و ركل كل مخصصات تلك الوظيفة المغرية … عدت سريعا و قاطعت الإجتماع لاحكى لهم ما حدث بما يشبه الخطبة . و اقترحت عليهم
ان يكون الفاضلابى ضمن الذين يتم تكريمهم فى الليلة الختامية للمهرجان. تقديرا لدوره فى التصدى لمشاكل المياه ببورسودان… الموافقة على المقترح كانت واضحة . الا ان احدهم قال من غير المناسب تكريم مهندس فى مهرجان ثقافى … قلت له ( لو فتحت الشباك الورك دا حا
تشوف رئاسة الموانى أكبر و احدث مبنى بالاقليم ) هذه التحفة المعمارية ما كنت ستراها لولا المهندس الفاضلابى . هذا ان كان الامر امر فن و إبداع. ثم ان جهد الفاضلابى فى توفير المياه أنفع للناس من اى جهد فنى او أدبى..
. رئيس الإجتماع كان العم الزبير احمد حمزه عليه رحمة الله ( يعجب فى مثل هذه المواقف و فى كل المواقف ) قال و هو ينزع الغطاء من القلم الشينى ( الفاضلابى اول
واحد حا يتكرم فى هذا المهرحان ) … وقبل ان ياتى يوم التكريم كان التكريم الالهى بتعيين الفاضلابى وزيرا للشؤون الهندسية بالاقليم الشرقى .
* لم تمضى فترة طويلة حتى تم تقسيم الإقليم الشرقى إلى ثلاثة ولايات . و كان من حظ القصارف ان يذهب إليها الفاصلابى وزيرا للشئون الهندسية . و كأن الله يريد ان يدفع به دائما إلى حيث توجد مشكلة فى المياه …
ليست لدى تفاصيل عن الجهد الذى قام الفاضلابى فى القضارف . و لكنى سمعت بالحفل الكبير الذى أقيم لوداعه و المبلغ الضخم الذى قدم له . وتبرع به كاملا لصالح مشروعات المياه بالمدينة .
* من القضارف عاد الفاضلابى مرة اخرى إلى بورسودان مديرا عاما لهيئة الموانئ البحرية. لتشهد الهيئة فى عهده أعلى درجات الرضاء الوظيفى . و أيضا أعلى معدلات الدعم للمجتمع المحلى … لم يعرف أهل الموانئ رفاهية
كالتى وجدوها فى سنوات الفاضلابى. و لم يجد مجتمع البحر الأحمر دعم من الموانئ كالذى وجده من الفاضلابى … ساعده في هذا ظرف الاستقرار العام بالبلاد . إضافة إلى اللبنات التى وضعها سلفه المهندس عمر محمد نور
…فى عهد الفاضلابى تمددت هيئة الموانئ و خرجت من محيط البحر الأحمر ليكون لها وجود فى حلفا بالشمال و كوستى فى الوسط و ملكال فى الجنوب … بركة حمزة شملت كافة الأوجه و جميع الأنشطة. و لكنى هنا أخص
بالذكر مشروع الرعاية الصحية الذى جعل أهل الموانى يستمتعون بافضل خدمة علاجية على مستوى البلاد .
* فى تلك الفترة قمت بإصدار العدد الأول من المجلة البحرية السودانية… عندما أطلع عليها الفاصلابى أرسل لى واخبرنى بانه و منذ تقاعد الزميل الإعلامى
عبدالوهاب مالك كان يفكر فى الاستفادة منه فى إصدار مجلة بحرية . و قبل ان يخطو اى خطوة عملية فوجئ بالمجلة أمامه بالمكتب …الرجل تبنى المجلة و اتفقنا على التدرج فى اصدارها و كيفية تطويرها و توسيع دائرة
انتشارها … عنصر حاقد و مؤثر باعلام الهيئة كان يعمل ضد تلك التجربة حنى اجهضها تماما بمجرد أن غادر الفاصلابى… لولا ذلك الحاقد الحاسد لكانت المجلة البحرية السودانية اليوم في مصاف مجلة الأكاديمية
العربية للنقل البحري بالإسكندرية… عاصرت و عايشت جميع التجارب الصحفية ببورسودان . لم يتوفر لأى منها فرص الإستمرار و الانتشار كالفرصة التى وفرها الفاصلابى للمجلة البحرية السودانية.
* طوال فترة وجودى ببورسودان لم اشهد حفل وداع لمسؤول كالحفل الذى اقيم بنادى الموانئ لوداع الفاضلابى عندما تم نقله مديرا للسكة حديد … كرر الفاصلابى ذات المشهد الذى قدمه بالقضارف . كلف الزميل عبد المنعم حلبى بالتصرف فى جميع الهدايا
العينية . و اكتفى بالهدايا الرمزية … من حسن حظى ان الهدية الوحيدة التى كانت فى يد الفاضلابى و هو يغادر مكان الحفل كانت هديتى … البوم صور صغير يحتوى لقطات لمختلف فترات وجوده بالهيئة … و أيضا لا اعرف
طوال فترة وجودى ببورسودان مسؤول حظى بمحبة جميع الناس كالفاضلابى …محبة حقيقية … انا على ثقة تامة بان هذه الحلقة من رجال من الساحل ستجد من التفاعل ما لا تجده اى حلقة اخرى … الفاضلابى رجل
زاهد في نعيم الدنيا الزائل… كثيرا ما وزع مستحقاته المالية على الذين يعملون معه بالمكتب … ببورسودان يوجد شارع رئيسى و اكثر من مرفق خدمى يحمل اسم الفاصلابى… لم يكن سعيدا ابدا بهذا … الامر تم رغم انفه
* من البحر الأحمر ذهب الفاصلابى الى نهر النيل . مديرا للسكة حديد ثم وزيرا بحكومة ولايتها … و لأنه رجل مبادر و مهندس خلاق و انسان معطاء . و بعد ان ترك الوظيفة الحكومية و تركت انا الموانئ. تواصل معى و
حدثنى عن مشروع هندسى نافع للناس يريد الترويج له إعلاميا… مشروع فتح الملاحة النهرية بين عطبرة و الخرطوم بمعالجة عقبة شلال السبلوقة … نظمت له ندوة صحفية بجريدة الخرطوم تحدث فيها عن المشروع من
الناحية الهندسية و فوائده الاقتصادية و اهمها خفض اسعار الاسمنت نتيجة لحفض تكلفة نقله من منطقة الإنتاج الى الخرطوم عن طريق النقل النهرى …الاستاذ فضل الله محمد رئيس تحرير صحيفة الخرطوم اعجب
بالمشروع و اعجب اكثر برغبة مهندس فى الترويج لمشروع هندسى عبر الصحافة . و هذا ما عبر عنه فى افتتاحية الصحيفة .
* حمزة الفاضلابى هو حزمة من الفصائل و نسيج من المكارم … قدم اروع الصور فى التواضع و ضرب أروع الأمثلة في الزهد … هل تصدق ان ترى نائب مدير هيئة الموانئ فى الصندوق الخلفى لعربة ( بوكس ) متوجهة
الى اربعات … هذا ما فعله الفاضلابى عندما تنازل و نزل من المقعد الامامى ليركب مكانه صراف ادارة المياه و معه مرتبات العمال باربعات … هذه واحدة من عدة مواقف حكاها لى صديقى الصحفى امين عمر خليفة .
* اما عن تجاربى الشخصية مع الفاضلابى اختم حديثى عنه بموقفين … الاول يكشف عن كرمه و الثانى يكشف عن شهامته … فى ذلك الحين كان حضور صغار
الموظفين بالموانى من الخرطوم الى بورسودان امر نادر الحدوث …كنت اظن ان اى موظف جاء من الخرطوم من حقه الاقامة باستراحة الهيئة … وفقا لهذا الاعتقاد الخاطئ ذهبت مع موظف صغير جاء من الخرطوم ليقيم بالاستراحة دون القيام بأي إجراءات إدارية …عندما
رفض المسؤول بالاستراحة هذا الامر دخلت معه فى مشادة كلامية … فى هذا الاثناء مر بنا الفاصلابى الذى كان يسكن بالقرب من الاستراحة . و حسم الامر بان اصطحب معه ذلك الموظف الى منزله و ظل فى ضيافته الى ان غادر عائدا الى الخرطوم .
* سمنار عن دور العلاقات العامة في التنمية اقامته هيئةالموانئ. شارك فيه عدد من اساتذة و خبراء الاعلام . و كان من بينهم الاستاذ صلاح فرج آلله الذى شغل الراى العام مؤخرا بظهوره المؤسف بدار المسنين بكسلا …
الغرض من حضور صلاح هو تقديم سلسلة محاضرات باندية بورسودان فى إطار البرنامج المصاحب للسمنار . منها ندوة عن الرياضة بنادى المريخ … رغم إنى لا اطيق الاندية الرياضية و لكنى ذهب مرغما لتلك الندوة . و كنت
اول من تحدث بعد الاستاذ صلاح … حديثى كان صادما للحضور … بدأته بما قاله العقيد القذافي عن الرياضة فى الكتاب الاخضر ( أعجب للملايين المغفلة و الهبل و المجانيين الذين يصطفون على مدرجات الملاعب
ليشاهدوا الذين يمارسون الرياضة نيابة عنهم ) و قلت ( واحد لو قلت ليهو اجرى من هنا لنادى الخريجين دا ما يقدر يقولوا ليك القطب الرياضي الكبير) . عندها تحرك احدهم من الصفوف الخلقية و هو يصيح ( دا خليتو
يخش هنا كيف ) و هو يتجه نحوى مسرعا ( زول ضرب عديل ) …الفاضلابى هو من قام بتهدئة ذلك المتهور و منعه من الوصول الى و معه المهنذس السر احمد طاهر … الله يطراهم بالخير .
ذلك هو حمزة الفاضلابى المهندس بصفات صحابى
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
و الى حديث عن رجل اخر من الساحل بإذن الله
عثمان ابو شوك … يا صوته لما سرى لما