مقالات

محمد احمد  عبدالقادر يكتب: …رجال من الساحل ( ١ )..محمد عيسى احمد :عنو اقولكم يلا صفقو كلكم

محمد احمد  عبدالقادر يكتب: …رجال من الساحل ( ١ )..محمد عيسى احمد :عنو اقولكم يلا صفقو كلكم

 

 

( ١ _ ٣ )

فى العام ١٩٧٥ حضرت إلى بورتسودان للمرة الأولى مرافقاً لاثنين من عماتى لتقديم واجب العزاء في وفاة جدى الريح ابوالحسن التاجر المعروف … الذى يحمل إسمه شقيقى الاصغر (الريح) و أنا أحمل إسم شقيقه

الأكبر و الوحيد (محمد احمد ابو الحسن) … فى الطريق إلى بورسودان من الأبيض بالقطار امضينا ليلة بأم درمان بمنزل الحاج زروق عثمان قطب نادى المريخ المعروف . وكان هذا اول حضور لى إلى العاصمة … فى تلك الليلة جلست للمرة الأولى لمشاهدة التلفزيون … تسمرت أمام

الجهاز حتى نهاية السهرة و توقف الإرسال عند منتصف الليل … زيدان إبراهيم و ابو عركى البخيت كانا ضيوف السهرة التى قدمها متوكل كمال و قدم فيها عركى و للمرة الأولى أغنيته التى اشتهرت فيما بعد و يقول فى مطلعها ( عن حبيبتى بقولكم يلا صفقو كلكم ) .

* قبل عدة سنوات فكرت في إصدار كتاب يوثق لمدينة بورسودان من خلال سيرة بعض شخصياتها العامه بعنوان ( رجال من الساحل ) … اخترت حوالى الثلاثين شخصية تعرفت عليها و تعاملت معها فى القضايا العامة . و جعلتها فى قائمة وفقا للأسبقية الزمنية لتعرفى على كل منهم …

الدكتور محمد عيسى احمد كان على رأس تلك القائمة… ثم شرعت في اختيار العناوين المناسبة لكل واحد منهم … اقتبست من مطلع اغنية ابوعركى التى ذكرتها عنوانا لأكتب تحته عن الدكتور محمد عيسى احمد .

* قبل عدة أشهر و انا أتابع بمنتهى المتعة سلسلة الكتابات الرائعة للاستاذ الطيب عبدالماجد عن رموز الشعر و الغناء السودانى فوجئت بما كتبه عن أحدهم بذات العنوان الذى اخترته للكتابة عن الدكتور محمد عيسى … حاولت كثيرا و طويلا أن أجد عنوانا بديلا … كل الخيارات كانت دون

(يلا صفقو كلكم) و أخيرا قلت لنفسى ( سيبك من الطيب عبدالماجد انا لما سمعت الاغنية دى هو يكون ما مولود ولو مولود يكون طفل) . كما ان اختيارى لهذا العنوان كان سابقا و بوقت طويل لظهور كتابات الطيب .

* اجدادى من المتمة بعضهم اتجه شرقا إلى سواكن و بورسودان . و البعض الآخر اتجه غربا الى كردفان و دارفور…انا حفيد من اتجهوا غربا … كنت دائم التطلع للتواصل مع اهلى ( ناس دار صباح ) الى ان هيأ الله الفرصة و أتى عمى بابكر على حسن من بورسودان مديرا لبنك الخرطوم بنيالا . وكنت حينها طالبا بمدرستها

الثانوية … الرجل احتوانى بعطف و رعاية و كان يعاملنى كصديق رغم كل الفوارق … حدث خلاف كبير بينه وبين نائبه فى العمل وجاره فى السكن تاج السر وقيع الله الذى صار لاحقا أحد أقطاب نادى المريح العاصمى … اطلعنى العم بابكر على المذكرة الضافية التى ارسلها إلى رئاسة

البنك بخصوص ذلك الخلاف … مذكرة بلغة رفيعة و اسلوب رصين … قراتها عدة مرات حتى حفظت بعض التعبيرات و المفردات و قمت بكتابتها فيما كان يسمى (إنشاء) ضمن منهج اللغة العربية بالمدارس … تلك التعبيرات و المفردات كانت محل اشادة استاذ اللغة

العربية الشهير بدار فور محمد الفضل الربيع امام الزملاء بالفصل … لم اكترث كثيرا لتلك الاشادة لعلمى بانها إشادة بتعبيرات ليست لى انما لعمى بابكر . الذى تعمق اعجابى به و توسع حتى شمل وظيفته … أخبرته برغبتى

فى العمل بالبنوك … شاءت ارادة الله ان ينقل من نيالا إلى بورتسودان قبل ان استلم الشهادة السودانية… فطلب منى اللحاق به فى بورسودان . وهذا هو سبب حضورى لبورسودان للمرة الثانية .

* حضرت الى بورسودان للمرة الثانية في العام ١٩٧٩ … وجهنى العم بابكر بالذهاب إلى بنك الوحدة و مقابلة مديره السيد / على بازرعة فى إطار السعى لإيجاد وظيفة… ذهبت الى البنك و دخلت من بوابته الضخمة لاجد صالة واسعة تنتشر فيها (ترابيز) الموظفين و من

بينها (تربيزة) مميزة …اكبر حجما و فى وضع مرتفع قليلا… يجلس عليها موظف وسامته واضحة و اناقته ظاهرة … لم يساورنى ادنى شك فى أن ذلك الموظف هو المدير على بازرعة الذى ارسلنى إليه العم بابكر و لم اتردد لحظة فى التوجه نحوه … الموظف استقبلنى بحفاوة ما

كنت اتوقعها ابدا و لا يتوقعها اى شخص يبحث عن وظيفة … بكل ثقة قلت له (جاييك من طرف بابكر على حسن) …طلب منى الجلوس و قال (بابكر قال ليك امشى لمنو) قلت (لعلى بازرعة) … شعرت بحرج شديد و رغبة ملحة فى مغادرة المكان بأسرع ما يمكن عند ما قال (لكن انا ما على بازرعة انا محمد عيسى) …بلطف و أريحية

امتص الرجل ذلك الحرج و بدأ ( ياخد و يدى معاي فى الكلام) . اخبرنى بان المدير غير موجود ويمكن أن أحضر الية مرة اخرى … من رانى يومئذ و انا اتحدث مع محمد عيسى يظننى رجل اعمال شاب يفاوض حول عملية

مصرفية كبيرة… خرجت من البنك و قد تم التعارف بينى وبين ذلك الموظف (القيافه) … بعد مرور اكثر من أربعين عاما على تلك المقابلة سالت الدكتور محمد عيسى عن سبب استقبالى بكل ذلك اللطف فقال ( انحنا اهلك البشاريين ديل اهل فراسة و عندنا ملكة فى معرفة قدر الناس من اول نظرة) .

* بعدها التقيته مرة واحدة و بصورة عابرة فى مناسبة عائلية لآل الريح ابوالحسن. تبادلنا التحايا و السلام و القلب يتقطر تقديرا و احتراما له … حتى ذلك الوقت لم تكن لى اى علاقة بالكتابة و الصحافة . ولم أكن أعرف ان

ذلك الموظف المصرفى هو أيضأ كاتب و صحفى … إلى أن جاء ذلك اليوم الذى نظمت فيه هيئة الموانئ البحرية ذلك الاحتفال الكبير بنادى الميناء بمناسبة اكتمال العمل في المرحلة الثانية من مشروع تطوير ميناء بورسودان و وضع حجر الاساس لميناء سواكن و حضره المشير سوار الدهب .

* فى ذلك الإحتفال كنت أجلس مع أستاذنا الكبير عبدالغنى جوهر فى طاولة واحدة … جاء ذلك الموظف و سلم علينا و تجاذب أطراف الحديث مع جوهر … عندما ذهب قلت لجوهر (والله الزول دا طيب خلاص) و حكيت له قصتى معه …عندها حدثنى عنه جوهر و قال فيما قاله عنه انه مراسل صحفى و قاص …قاص… هذه المرة

الأولى التى أسمعها… سالت عنها جوهر فقال (بكتب قصص ممتازة) …كتابة صديقى محمد عيسى للقصة ككتابة صديقى عصمت معتصم للشعر (الشاعر التحانى

حاج موسى قال أوائل الثمانينات ان عصمت من أميز الأصوات الشعرية فى الساحة) … شهادات من قامات كبيرة فى حق محمد و عصمت و لكنى حتى يومنا هذا لم أقرأ قط قصة لمحمد عيسى و لا قصيدة لعصمت و الإثنين من أعز أصدقائى..

* صديقنا المشترك فتح الرحمن الشقيلى بحسه النقدى قال ان كتابات محمد عيسى الصحفية أسلوبها قصصى يفرض عليك متابعتها حتى النهاية …الشقيلى هو أيضأ

من قال لى (كتاباتك فى الفترة الاخيرة كلها بقت عن الأموات ياخى ادى الأحياء نظرة) … قوله هذا هو السبب الاساسى فى التعجيل بنشر هذه السلسلة بعد تراخى و تسويف استمر لسنوات .

و الى الحلقة الثانية و قبل الاخيرة بإذن الله

 

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى