مانشيت – واشنطن في تحقيق استقصائي نُشر في نيويورك تايمز بعنوان: الشيخ الذي غزا عالم كرة القدم ودلّل أمراء الحرب الشيخ نائب رئيس دولة الإمارات معروف بامتلاكه أحد أبرز أندية كرة القدم البريطانية. لكن خلف الكواليس، يُوصف بأنه “رجل المهام” الذي يدير الحروب الخارجية السرية لبلاده

مانشيت – واشنطن في تحقيق استقصائي نُشر في نيويورك تايمز بعنوان: الشيخ الذي غزا عالم كرة القدم ودلّل أمراء الحرب الشيخ نائب رئيس دولة الإمارات معروف بامتلاكه أحد أبرز أندية كرة القدم البريطانية. لكن خلف الكواليس، يُوصف بأنه “رجل المهام” الذي يدير الحروب الخارجية السرية لبلاده
يكشف الصحفيان ديكلان والش (من نيروبي وبورتسودان) وطارق بانجا (من لندن) عن الدور العميق والسري الذي لعبه الشيخ منصور بن زايد آل نهيان — نائب رئيس الوزراء في دولة الإمارات — في تأجيج الحرب الأهلية الكارثية في السودان، بينما كان في الوقت ذاته يعزز نفوذه العالمي عبر الرياضة والإعلام والدبلوماسية في الخفاء.
وبالاستناد إلى معلومات استخباراتية أميركية ومقابلات حصرية وسجلات مالية، يتتبع التقرير كيف قام الشيخ منصور بتسليح قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، رغم الاتهامات الدولية بارتكاب جرائم حرب وفظائع مروعة. من شحنات الطائرات المسيّرة السرية في تشاد إلى صفقات بمليارات الدولارات في واشنطن ولندن، يكشف التحقيق كيف أن واجهة القوة الناعمة الإماراتية — من مانشستر سيتي إلى محاولات شراء وسائل إعلام كبرى — تخفي وراءها طموحات قوة خشنة تمتد عبر أفريقيا والشرق الأوسط.
ليست هذه قصة عن الحرب والثروة فحسب، بل عن الطموح غير المحدود، والسرية، والتواطؤ العالمي الذي يعيد رسم خرائط النفوذ في القرن الحادي والعشرين.
مقتطفات :
في فبراير 2023، يستقبل علنًا قائدًا سيئ السمعة من صحارى غرب السودان — رجلًا استولى على السلطة عبر انقلاب، وجمع ثروة من تجارة الذهب غير المشروعة، وتواجهه اتهامات بارتكاب فظائع واسعة النطاق.
📌فقد أنشأت جمعيات خيرية يسيطر عليها الشيخ منصور مستشفى، قائلة إنها تعالج المدنيين. لكن هذا الجهد الإنساني كان أيضًا غطاءً لجهود سرية إماراتية لتهريب طائرات مسيّرة وأسلحة قوية أخرى إلى مجموعة الجنرال حمدان، المعروفة باسم قوات الدعم السريع، أو “R.S.F.”،
وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأمميين. الولايات المتحدة اعترضت مكالمات هاتفية منتظمة بين الجنرال حمدان وقادة في الإمارات، من بينهم الشيخ منصور. وساعدت هذه المعلومات الاستخباراتية المسؤولين الأمريكيين على الاستنتاج بأن هذا الأمير الإماراتي المتواضع ظاهريًا قد لعب دورًا محوريًا في جهود تسليح قوات الجنرال حمدان، مما أجّج صراعًا مدمرًا أدى إلى مجاعة وأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وفقًا لأكثر من اثني عشر مسؤولًا أمريكيًا وأفريقيًا وعربيًا أجريت معهم مقابلات، وُصف الشيخ منصور بأنه في طليعة الدفع العدواني الذي تقوم به بلاده لتوسيع نفوذها في أفريقيا والشرق الأوسط.
قال أندرو بي. ميلر، الدبلوماسي الأمريكي السابق البارز: “هو رجل المهام، المكلّف، الذي يُرسل إلى أماكن لا تحظى بالبريق أو الاهتمام الإعلامي، لكنها ذات أهمية استراتيجية للإماراتيين. يبدو أن هذه هي زاويته المتخصصة.”
واجهت الإمارات رفضًا علنيًا شديدًا. فقد تم منع محاولتها لشراء ستة موانئ بحرية في الولايات المتحدة إثر ردّ فعل سياسي غاضب، رغم التحالف الوثيق بين الإمارات وواشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقد شكّل ذلك لحظة محورية دفعت القادة الإماراتيين لإعادة صياغة صورتهم الدولية من خلال الاستثمار في الثقافة، والتعليم، والرياضة. وتولى الشيخ منصور زمام المبادرة في مجال كرة القدم.
عام 2015 تقريبًا، لاحظ المسؤولون الأميركيون أن الشيخ منصور كان يتحدث بانتظام مع حفتر، ويتولّى بهدوء إدارة العلاقة معه، وفقًا لعدة مسؤولين أميركيين. وقال أحدهم: “عندها أدركنا أن الإماراتيين يضعون أموالهم خلف حفتر”.
قال جيفري فيلتمان، المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي من 2021 إلى 2022: “كنّا ندرك دائمًا أن من يقف وراء الكواليس في الملف السوداني هو منصور.”
لفت ذوق الشيخ منصور في اليخوت أنظار المدعين العامين الأميركيين، الذين قالوا إنه موّل يختًا آخر يُدعى “توباز” بأموال مأخوذة من فضيحة “1MDB” الشهيرة.
قالت كلير روكاسل براون، مؤلفة كتابين حول فضيحة “1MDB”: “هناك ما يكفي من الأدلة التي تشير إلى منصور، لكن من الواضح أن لا أحد يريد أن يقترب منه.”
📌ويرى منتقدون أن هذه الحادثة نموذج تقليدي للامتيازات التي يتمتع بها قادة الإمارات، والذين غالبًا ما تحميهم ثرواتهم الهائلة. وشبّهت ستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأميركية المخضرمة التي قادت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، قادة الإمارات بشخصيات رواية “غاتسبي العظيم” الخيالية.
قالت ويليامز، مقتبسة من الرواية الأميركية الكلاسيكية: “يأتون ويثيرون الفوضى بأموالهم واستهتارهم، ثم يتركون الآخرين لتنظيف آثارهم.”
تنفي الإمارات دعمها لأي طرف في حرب السودان. لكن منذ الأيام الأولى للنزاع، علمت الولايات المتحدة أن الإمارات كانت تؤوي الجنرال حمدان في أبوظبي وتزوّد مقاتليه بالسلاح على الأرض، بحسب مسؤولين أميركيين.
وفي عام 2024، واجه المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيريلو، الشيخ منصور بشأن دعمه للجنرال حمدان، وذلك خلال اجتماع في الإمارات، وفقًا لمسؤول أميركي. وقد تهرّب الشيخ منصور من التهمة، قائلاً إن مسؤولية إحلال السلام تقع على أعدائه.
الجزء 1/8
قبل أسابيع من اندلاع الحرب الأهلية الكارثية في السودان، استقبل أحد أغنى رجال الشرق الأوسط، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، أحد مهندسي الفوضى في قصره الفاخر على الخليج الفارسي.
الشيخ منصور، الشقيق الأصغر لحاكم دولة الإمارات العربية المتحدة القوي، معروف في الغرب بجمعه لليخوت الفارهة وخيول السباق، وربما يُعرف أكثر بكونه مالك نادي مانشستر سيتي، فريق كرة القدم الإنجليزي الناجح للغاية. في العام الماضي، حصل فريقه في نيويورك على الموافقة لبناء ملعب كرة قدم بقيمة 780 مليون دولار في حي كوينز، وهو الأول من نوعه في المدينة.
ومع ذلك، كان هناك، في فبراير 2023، يستقبل علنًا قائدًا سيئ السمعة من صحارى غرب السودان — رجلًا استولى على السلطة عبر انقلاب، وجمع ثروة من تجارة الذهب غير المشروعة، وتواجهه اتهامات بارتكاب فظائع واسعة النطاق.
كان الرجلان يعرفان بعضهما جيدًا. فقد استضاف الشيخ منصور القائد السوداني، الفريق أول محمد حمدان، قبل ذلك بعامين في معرض للأسلحة في الإمارات، حيث تجولا معًا بين معروضات الصواريخ والطائرات المسيّرة.
وعندما انفجر الصراع في السودان في أبريل 2023، ساعد الشيخ منصور الجنرال على خوض الحرب.
فقد أنشأت جمعيات خيرية يسيطر عليها الشيخ منصور مستشفى، قائلة إنها تعالج المدنيين. لكن هذا الجهد الإنساني كان أيضًا غطاءً لجهود سرية إماراتية لتهريب طائرات مسيّرة وأسلحة قوية أخرى إلى مجموعة الجنرال حمدان، المعروفة باسم قوات الدعم السريع، أو “R.S.F.”، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأمميين.
وقد ظهرت أدلة متزايدة على ارتكاب قوات الجنرال حمدان لمجازر وجرائم اغتصاب جماعي وأعمال إبادة جماعية. كما وُجهت اتهامات بارتكاب جرائم حرب إلى الجيش السوداني أيضًا.
وتنفي الإمارات تسليح أي طرف في الحرب، لكن الولايات المتحدة اعترضت مكالمات هاتفية منتظمة بين الجنرال حمدان وقادة في الإمارات، من بينهم الشيخ منصور.
وساعدت هذه المعلومات الاستخباراتية المسؤولين الأمريكيين على الاستنتاج بأن هذا الأمير الإماراتي المتواضع ظاهريًا قد لعب دورًا محوريًا في جهود تسليح قوات الجنرال حمدان، مما أجّج صراعًا مدمرًا أدى إلى مجاعة وأكبر أزمة إنسانية في العالم.
لم يرد الشيخ منصور، ولا الجنرال حمدان، ولا وزارة الخارجية الإماراتية على الأسئلة التفصيلية التي طُرحت لأجل هذا التقرير.
ورغم امتلاكه لأحد أشهر أندية كرة القدم في العالم، لا يزال الشيخ منصور، البالغ من العمر 54 عامًا، شخصية غامضة، غالبًا ما يظهر بقدرة تشبه الحرباء على التواري في الخلفية، طغت عليه شهرة أشقائه الأكثر بروزًا أو نفوذًا.
لكن، وفقًا لأكثر من اثني عشر مسؤولًا أمريكيًا وأفريقيًا وعربيًا أجريت معهم مقابلات، وُصف الشيخ منصور بأنه في طليعة الدفع العدواني الذي تقوم به بلاده لتوسيع نفوذها في أفريقيا والشرق الأوسط.
وفي أماكن مثل ليبيا والسودان، يقول هؤلاء المسؤولون إن الشيخ منصور احتضن أمراء حرب وحكامًا استبداديين، ضمن حملة إماراتية واسعة تهدف إلى الاستحواذ على الموانئ والمعادن الاستراتيجية، ومواجهة الحركات الإسلامية، وترسيخ مكانة الدولة الخليجية كقوة إقليمية كبرى.
الجزء 2/8
بينما يتولى شقيقه، الحاكم المتشدد لدولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، توجيه هذه السياسة بلا شك، يقول المسؤولون إن الشيخ منصور لعب دورًا داعمًا قويًا بهدوء — معززًا القوة الناعمة للدولة عبر كرة القدم، وفي الوقت نفسه يعمّق علاقاته مع قادة مسلحين في بعض من أكثر دول العالم هشاشة.
قال أندرو بي. ميلر، الدبلوماسي الأمريكي السابق البارز: “هو رجل المهام، المكلّف، الذي يُرسل إلى أماكن لا تحظى بالبريق أو الاهتمام الإعلامي، لكنها ذات أهمية استراتيجية للإماراتيين. يبدو أن هذه هي زاويته المتخصصة.”
ووصف ما لا يقل عن ستة مسؤولين آخرين الشيخ منصور بنفس الطريقة.
وفي الغرب، بقي الشيخ منصور بعيدًا عن الأضواء إلى حد كبير. نادرًا ما يلتقي بالدبلوماسيين الغربيين، ولا يتحدث إلى الصحفيين، ونادرًا ما حضر مباريات نادي مانشستر سيتي، الفريق الشهير الذي يملكه. وحتى عندما تورطت مشاريعه في تهم دولية تتعلق بالفساد أو بانتهاك حظر السلاح الدولي، تجنب المساءلة.
لكن الآن، بدأت هذه الهالة من الحصانة المطلقة تتصدع.
فقد مررت الحكومة البريطانية العام الماضي قانونًا منع فعليًا الشيخ منصور من الاستحواذ على صحيفة عريقة، خشية تأثير ذلك على حرية الصحافة. كما كشفت محاكمات في الولايات المتحدة وماليزيا عن اتهامات بأن الشيخ منصور استفاد ماليًا من فضيحة “1MDB”، وهي إحدى أكبر عمليات الاحتيال المالي في العالم.
أما الحرب المتفاقمة في السودان، ذلك الصراع الواسع الذي تسبب في مقتل أكثر من 150,000 شخص وتشريد أكثر من 12 مليونًا، فقد أدت إلى اتهامات بأن الإمارات تموّل عملية إبادة جماعية. وقد دعا مشرعون أمريكيون ديمقراطيون إلى وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات.
والآن، باتت الجوهرة الرياضية للشيخ منصور في مرمى النيران.
فهيئة بريطانية تدرس حاليًا اتهامات واسعة النطاق بأن نادي مانشستر سيتي تورط في عمليات غش كبرى. وقد اتُّهم الفريق من قبل الدوري الذي ينتمي إليه بالتلاعب في حساباته المالية لتمويل شراء لاعبين نجموم ساهموا في تحقيق سلسلة انتصارات مذهلة، حولت النادي من فريق مترنح إلى ظاهرة رياضية عالمية.
وينفي نادي مانشستر سيتي هذه الاتهامات، لكن في حال ثبوتها، فقد يواجه الفريق غرامات، أو يُنقل إلى دوري أدنى، أو تُسحب منه ألقابه العديدة. كما أنها لحظة محاسبة للشيخ منصور، الذي باتت تعاملاته الآن تحت دائرة الضوء التي طالما سعى لتفاديها.
لم يرد نادي مانشستر سيتي على طلب للتعليق.
ومهما كانت نتيجة القضية، فإنها تثير احتمال أن تنتهي تلك السرية الاستثنائية التي تمتع بها الشيخ، والتي غذّاها مصدر شبه لا ينضب من الأموال.
هذه هي قصة الشيخ الذي فضّل أن يبقى في الظل.
الجزء 3/8
شيخ الكرة
في جيل أجداده، كان معظم سكان ما يُعرف اليوم بالإمارات من مزارعي التمر، ورعاة الإبل، وصيادي اللؤلؤ. لكن اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي أطلق تحوّلًا مذهلًا بدأ من إمارة دبي.
فقد نبتت المباني الزجاجية من قلب الصحراء، وتشق منحدرات التزلج طريقها اليوم داخل مراكز التسوق، مما حوّل المدينة إلى نموذج مبهر لترف الدول النفطية.
أما العاصمة الأكثر تحفظًا، أبوظبي، فقد تحوّلت إلى مركز مالي بارز وطموحة لتصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد أصبحت المدينة مركزًا استثماريًا عالميًا لدرجة أنها تصف نفسها بـ”عاصمة رؤوس الأموال”.
تجلس عائلة واحدة على القمة.
تُعد عائلة آل نهيان في أبوظبي ثاني أغنى عائلة في العالم بعد عائلة والتون الأمريكية، بحسب بعض التقديرات. وقد حكمت الإمارات منذ استقلالها في عام 1971، وتتركز السلطة فيها ضمن مجموعة تُعرف باسم “بني فاطمة” — وهم ستة أبناء للزوجة المفضلة لمؤسس الدولة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ويهيمن ثلاثة من هؤلاء الأبناء على السلطة.
الأخ الأكبر، الشيخ محمد بن زايد، البالغ من العمر 64 عامًا والمعروف اختصارًا بـ”م.ب.ز.”، هو الحاكم الفعلي للبلاد منذ أكثر من عقدين.
يأتي بعده الشيخ طحنون بن زايد، البالغ من العمر 56 عامًا، والذي يُشار إليه غالبًا بلقب “شيخ الجواسيس” — مستشار الأمن القومي الذي يرتدي النظارات الشمسية، ومحبّ لرياضة اللياقة البدنية، ويحب لعب الشطرنج على متن يخته الفاخر، وقد توطدت علاقته بمؤسس شركة ميتا، مارك زوكربيرغ، من خلال رياضة الجوجيتسو.
أما الشيخ منصور، ثالث أقوى الأشقاء، فيحافظ على ظهور محدود للغاية.
بصفته نائبًا لرئيس الوزراء ونائبًا لرئيس الدولة، يتحكم الشيخ منصور في مؤسسات رئيسية، بما في ذلك المصرف المركزي الإماراتي، وشركة النفط الوطنية، وهيئة أبوظبي الجنائية. كما يرأس “مبادلة”، وهو صندوق سيادي سريع النمو تبلغ أصوله نحو 330 مليار دولار، ويستثمر في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وسياحة الفضاء.
ويُعد شخصية محورية في جهود بلاده لاكتساب نفوذ عالمي عبر القوة الناعمة، بما في ذلك محاولاته لبناء إمبراطورية إعلامية. فقد تعاون مع “سكاي البريطانية” و”CNN” لإطلاق محطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية باللغة العربية، كما سلّم جيف زوكر، الرئيس السابق لـ”CNN”، ميزانية قدرها مليار دولار للاستحواذ على وسائل إعلام حول العالم.
في العلن، يميل الشيخ منصور إلى البقاء على الهامش. وغالبًا ما يُشاهد وهو يرعى فعاليات إماراتية تقليدية مثل سباقات الهجن ومهرجانات التمور. وتتميّز تصريحاته عادةً بعموميتها وحيادها الشديد.
لكن في عالم كرة القدم، أصبح شخصية عملاقة بالفعل، وساعد العائلة الحاكمة على إعادة تشكيل صورتها بعد انتكاسة كبرى. ففي عام 2006، قبل عامين من شراء الشيخ منصور لنادي مانشستر سيتي، واجهت الإمارات رفضًا علنيًا شديدًا. فقد تم منع محاولتها لشراء ستة موانئ بحرية في الولايات المتحدة إثر ردّ فعل سياسي غاضب، رغم التحالف الوثيق بين الإمارات وواشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وقد شكّل ذلك لحظة محورية دفعت القادة الإماراتيين لإعادة صياغة صورتهم الدولية من خلال الاستثمار في الثقافة، والتعليم، والرياضة. وتولى الشيخ منصور زمام المبادرة في مجال كرة القدم.
فبعد ساعات فقط من شراء نادي مانشستر سيتي مقابل 330 مليون دولار، أنفق رقمًا قياسيًا على أول لاعب جديد — وهو الأول في سلسلة صفقات باهظة كلّفت ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار، وحوّلت الفريق إلى عملاق كروي عالمي.
وسرعان ما فاز مانشستر سيتي بأول بطولة له منذ عقود. ومنذ ذلك الحين، فاز بالدوري الإنجليزي الممتاز سبع مرات إضافية، إلى جانب الجائزة الأهم في كرة القدم على مستوى الأندية، دوري أبطال أوروبا. وفي عام 2023، حقق النادي أرباحًا قدرها 100 مليون دولار من إيرادات قاربت المليار، مما جعله أحد أكثر الفرق الرياضية ربحية في العالم.
تتدلّى لافتة دائمة في ملعبه الذي يحمل اسم “الاتحاد”، الناقل الوطني للإمارات، كتب عليها:
“شكرًا لك يا شيخ منصور – من مانشستر.”
مع تزايد عدد الكؤوس، اشترى الشيخ منصور نحو اثني عشر فريقًا آخر، من بينها فرق في ملبورن، ومومباي، ويوكوهاما. أما الملعب الجديد لفريقه في نيويورك — نادي “نيويورك سيتي إف. سي.” — فسيحمل اسمًا مشابهًا لملعب مانشستر: “ملعب الاتحاد”.
وقد سار خصوم الإمارات في الخليج على نفس النهج، وسارعوا إلى شراء أنديتهم الخاصة في بريطانيا وأوروبا.
كما خدم نادي مانشستر سيتي أغراضًا سياسية. ففي عام 2014، دعا مسؤولو الفريق صحفيين لحضور لقاءات إعلامية نظمها مستشارون يعملون لصالح الإمارات. وبدلاً من مناقشة كرة القدم، سعت تلك اللقاءات، بحسب أحد الصحفيين الحاضرين وملف إحاطة اطّلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز، إلى ربط قطر، الخصم الإقليمي للإمارات، بالإرهاب الدولي.
ومع ذلك، يبقى شغف الشيخ منصور الشخصي بكرة القدم غير واضح. فمنذ شرائه لنادي مانشستر سيتي قبل 17 عامًا، حضر مباريات الفريق الرسمية مرتين فقط، إحداهما فقط في ملعب الاتحاد.
لكن خلال هذه الفترة، تغيّرت أولويات الإمارات لتشمل القوة الخشنة أيضًا — وكذلك تحوّلت أولويات الشيخ منصور.
الجزء 4/8
رجل المهام
كانت ثورات الربيع العربي عام 2011 نقطة تحوّل بالنسبة لعائلة آل نهيان.
فمع سقوط أنظمة استبدادية في أنحاء الشرق الأوسط، بدأت العائلة تخشى أن يأتي دورها. وأبلغ الحاكم الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، مسؤولين غربيين أنه يخشى تصاعد قوة الحركات الإسلامية السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتعهد بإيقافها بكل السبل.
تدخلت الإمارات بقوة في دول مثل مصر، وليبيا، واليمن. لكن هذا التدخل كثيرًا ما تضمن دعم انقلابات عسكرية، وتسليح جماعات متمردة، أو بناء تحالفات مع أمراء حرب لم يخضعوا لأي إصلاح. ولإدارة مثل هذه العلاقات، كان لا بد من يد حذرة ومتمرسة.
وهنا دخل الشيخ منصور إلى المشهد.
فبتكليف من شقيقه الحاكم، تولّى الشيخ منصور دور المسؤول عن “الرجال الأقوياء غير المحببين، وغير المرغوب فيهم، لكنهم مهمّون”، كما وصفه أحد كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين.
في ليبيا، كان الرجل المفضل هو خليفة حفتر، الذي سبق أن تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (C.I.A)، وكان يَعِد بسدّ الفراغ الذي خلّفه مقتل العقيد معمر القذافي. والأهم من ذلك، أن حفتر كان معاديًا للجماعات الإسلامية.
اعتبارًا من عام 2015 تقريبًا، لاحظ المسؤولون الأميركيون أن الشيخ منصور كان يتحدث بانتظام مع حفتر، ويتولّى بهدوء إدارة العلاقة معه، وفقًا لعدة مسؤولين أميركيين. وقال أحدهم: “عندها أدركنا أن الإماراتيين يضعون أموالهم خلف حفتر”.
وقد سبّب هذا التحالف بعض التوتر مع واشنطن. فقد تدفقت الأسلحة الإماراتية إلى ليبيا، في انتهاك لحظر دولي على السلاح. بل إن بعض الأسلحة الأميركية التي بيعت للإمارات ظهرت في ليبيا، بحسب مسؤول أميركي رفيع. وفي عام 2020، صرّح البنتاغون أن الإمارات على الأرجح دفعت أموالًا لمرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية للقتال إلى جانب حفتر في هجومه على العاصمة الليبية.
لكن لم تكن هناك أي ردة فعل علنية كبيرة تجاه الإمارات، التي كانت قد حوّلت انتباهها في ذلك الوقت إلى دولة أخرى ذات أهمية استراتيجية: السودان.
هناك، كان الحاكم طويل الأمد، الرئيس عمر حسن البشير، حليفًا لإيران — الخصم اللدود للعديد من الدول العربية في الصراع على النفوذ الإقليمي. وقد أُوكل إلى الشيخ منصور، بحسب مسؤولين سودانيين وأميركيين، مهمة استمالة البشير إلى جانب الإمارات. وتُوّجت سلسلة من الاجتماعات السرية في عام 2017 بزيارة علنية رفيعة للبشير إلى أبوظبي.
قريبًا، بدأت مليارات الدولارات من المساعدات الإماراتية تتدفق إلى السودان، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية الإماراتية.
وقد أثار ذلك استياء العديد من المسؤولين الأميركيين. فالرئيس البشير كان مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بسبب دوره في الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقد من الزمان. لكن بالنسبة للإمارات، كانت هذه العلاقة مثمرة: فقد أرسل البشير قوات إلى اليمن للقتال إلى جانب الإمارات والسعودية في حربهما ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
وكانت تلك أيضًا بداية لعلاقة جديدة. إذ إن كثيرًا من القوات التي أُرسلت إلى اليمن كانت تنتمي إلى قوات الدعم السريع (R.S.F.)، وهي جماعة شبه عسكرية تم تشكيلها حديثًا آنذاك بقيادة الجنرال محمد حمدان.
وسرعان ما أصبح الجنرال حمدان حليفًا مقرّبًا من الشيخ منصور.
قال جيفري فيلتمان، المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي من 2021 إلى 2022:
“كنّا ندرك دائمًا أن من يقف وراء الكواليس في الملف السوداني هو منصور.”
الجزء 5/8
“غاستبي الخليج”
عندما لا يكون منشغلًا بأمراء الحرب أو أندية كرة القدم، يُعرف الشيخ منصور بولعه بالبذخ الذي لا يقدر عليه سوى الأثرياء للغاية.
فبحسب العديد من الروايات، امتلك الشيخ منصور عددًا من أكبر اليخوت الفاخرة في العالم — قصور عائمة بديكورات فخمة. وآخرها، وفقًا لتقارير من صناعة اليخوت، هو يخت “بلو” الذي تبلغ قيمته 600 مليون دولار. ويعتقد البعض أن الاسم مستوحى من لون نادي مانشستر سيتي، ويبلغ طول اليخت 525 قدمًا، أي أطول بكثير من أي ملعب لعب عليه الفريق.
قبل عقد من الزمن، لفت ذوق الشيخ منصور في اليخوت أنظار المدعين العامين الأميركيين، الذين قالوا إنه موّل يختًا آخر يُدعى “توباز” بأموال مأخوذة من فضيحة “1MDB” الشهيرة.
في عام 2016، قالت المدعية العامة الأميركية لوريتا لينش إن ما لا يقل عن 4.5 مليار دولار من الأموال العامة الماليزية تم اختلاسها من خلال مخطط مالي معقّد. ووصفتها بأنها “أكبر قضية كليبتوقراطية” شهدتها الولايات المتحدة على الإطلاق. وقد أسفرت سلسلة من المحاكمات الجنائية عن إدانة وسجن رئيس وزراء ماليزيا نجيب عبد الرزاق، بالإضافة إلى اثنين من كبار التنفيذيين في وول ستريت، أحدهما حُكم عليه بالسجن في مايو الماضي.
وقد ركزت وسائل الإعلام في البداية على أسلوب الحياة الباذخ للماليزي الفارّ “جو لو”، العقل المدبّر المتهم بالمخطط — من حفلات المشاهير في لاس فيغاس، إلى العقارات في بيفرلي هيلز، ولوحات لبيكاسو ومونيه. لكن القضية قادت أيضًا إلى فتح تحقيقات في نحو 12 دولة، كشفت في نهاية المطاف عن اتهامات خطيرة ضد مسؤولين إماراتيين كبار، من بينهم الشيخ منصور.
وفي محكمة بنيويورك عام 2022، قدّم المدعون الأميركيون أدلة على أن سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، تلقّى 40 مليون دولار كرشاوى. كما ذهب ما يقارب نصف مليار دولار إلى خادم القبيسي، المدير التنفيذي لإحدى شركات الشيخ منصور، بحسب الادعاء.
ورغم أن الادعاء لم يحدد مقدار ما تلقّاه الشيخ منصور شخصيًا، فقد تم إدراجه كـ”متآمر مشارك” في عملية الاحتيال، ووُصف، استنادًا إلى أقوال “جو لو”، بأنه في قمة “هرم الرشى” في القضية.
كما قدّموا أدلة على أن مبلغ 161 مليون دولار من أموال “1MDB” استُخدم لسداد قرض تمويل يخت “توباز” الخاص بالشيخ منصور، والذي تبلغ قيمته 688 مليون دولار. وفي عام 2013، قضى الشيخ منصور عطلة على متن اليخت برفقة نجيب عبد الرزاق، رئيس وزراء ماليزيا، في جنوب فرنسا، وفقًا لمسؤول ماليزي في هيئة مكافحة الفساد أدلى بشهادته في يناير.
وفي العام التالي، استخدم الممثل ليوناردو دي كابريو نفس اليخت خلال بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل.
لم يُواجه الشيخ منصور أي تهم تتعلق بفضيحة “1MDB”، رغم أن شركتين من شركاته وافقتا في عام 2023 على سداد 1.8 مليار دولار لماليزيا، التي اتهمتهما بالمساهمة في تسهيل الاحتيال. أما يوسف العتيبة، الذي لا يزال يشغل منصب السفير الإماراتي في واشنطن، فقال مسؤولون إنه يتمتع بحصانة دبلوماسية تمنع مقاضاته.
أما خادم القبيسي، المدير التنفيذي السابق لإحدى شركات الشيخ منصور، فقد أُدين بالاحتيال في الإمارات ويقضي حاليًا حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا. وفي مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال عام 2019، قال إنه جُعل “كبش فداء” من قبل الشيخ منصور.
وقد رفض كل من الشيخ منصور، ويوسف العتيبة، والممثل ليوناردو دي كابريو، الرد على أسئلة تتعلق بفضيحة “1MDB”.
وأعرب عدد من المسؤولين الأميركيين المشاركين في القضية، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم نظرًا لحساسية المناقشات القانونية، عن إحباطهم من عدم تعاون الشيخ منصور والإمارات مع التحقيق.
قالت كلير روكاسل براون، مؤلفة كتابين حول فضيحة “1MDB”:
“هناك ما يكفي من الأدلة التي تشير إلى منصور، لكن من الواضح أن لا أحد يريد أن يقترب منه.”
ويرى منتقدون أن هذه الحادثة نموذج تقليدي للامتيازات التي يتمتع بها قادة الإمارات، والذين غالبًا ما تحميهم ثرواتهم الهائلة. وشبّهت ستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأميركية المخضرمة التي قادت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، قادة الإمارات بشخصيات رواية “غاتسبي العظيم” الخيالية.
قالت ويليامز، مقتبسة من الرواية الأميركية الكلاسيكية:
“يأتون ويثيرون الفوضى بأموالهم واستهتارهم، ثم يتركون الآخرين لتنظيف آثارهم.”
الجزء 6/8
صلة الخرطوم
عندما ساعد الجنرال محمد حمدان (حميدتي) في الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب في السودان عام 2021، أصيب المسؤولون الأميركيون بالغضب. فقد كانوا قد تلقوا تطمينات بأن الحكم في البلاد سيكون بقيادة مدنية، لا عسكرية.
لكن الإمارات أيّدت الانقلاب، وسرعان ما منحت الجنرال حمدان ترحيبًا رسميًا حارًا في أبوظبي.
كانت الإمارات في طريقها لتتجاوز حتى الصين كأكبر جهة تعقد صفقات أجنبية في أفريقيا. إذ ضخت شركات تابعة لعائلة آل نهيان مليارات الدولارات في مناجم أفريقية، ومراكز بيانات، وأسواق الكربون، في إطار سعي الدولة الخليجية لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
ومع ذلك، ففي عدد قليل من الدول ذات المواقع الاستراتيجية، لعبت الإمارات أيضًا دور “صانع الملوك” عبر تزويد أطراف بالسلاح.
ففي عام 2021، أنقذ الشيخ محمد بن زايد رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، الذي كان يواجه أزمة عسكرية، عبر تزويده بطائرات مسيّرة ساعدته في قلب موازين الحرب الأهلية الوحشية لصالحه.
وعندما انهار السودان في أتون الحرب الأهلية عام 2023، وقفت الإمارات بحزم إلى جانب حليف الشيخ منصور، الجنرال حمدان.
تنفي الإمارات دعمها لأي طرف في حرب السودان. لكن منذ الأيام الأولى للنزاع، علمت الولايات المتحدة أن الإمارات كانت تؤوي الجنرال حمدان في أبوظبي وتزوّد مقاتليه بالسلاح على الأرض، بحسب مسؤولين أميركيين.
في البداية، سافر الجنرال حمدان إلى الإمارات، حيث مُنح ملاذًا في مقر محمي، وسجّل منه خطابات مصوّرة لأنصاره في السودان، وفقًا للمسؤولين الأميركيين. وبعد فترة وجيزة، بدأت الإمارات بتنفيذ خطة سرية لتسليح قوات حمدان، قوات الدعم السريع (R.S.F.)، انطلاقًا من قاعدة جوية صحراوية في شرق تشاد.
قال مسؤولون أميركيون إن جاذبية الجنرال حمدان للإمارات تعود إلى ثلاثة أسباب. أولًا، كان وفيًا لأنه قاتل إلى جانب الإماراتيين في اليمن. ثانيًا، كان متعاونًا لأن أعماله التجارية تتمركز في الإمارات، حيث يبيع الذهب ويشتري الأسلحة. وثالثًا، لأنه يقدّم نفسه كعدو للحركات الإسلامية.
وبحسب المسؤولين، فقد تمكّنت وكالات الاستخبارات الأميركية من خلال اعتراض المكالمات الهاتفية من التأكد من أن الجنرال حمدان يتمتع بخط تواصل مباشر مع اثنين من قادة الإمارات — الشيخ محمد بن زايد والشيخ منصور بن زايد. كما حدّدت الوكالات مسؤولًا إماراتيًا ينسّق شبكة من الشركات الوهمية التي ساعدت في تمويل وتسليح قوات حمدان.
وبعد اندلاع الحرب، بدا أن الشيخ منصور قطع علاقاته العلنية مع الجنرال حمدان، لكن الاتصال بينهما استمر خلف الكواليس.
فقد أرسلت الإمارات أسلحة إلى قوات حمدان عبر قاعدة جوية في تشاد، كانت تُستخدم ظاهريًا كمستشفى ميداني تموّله منظمتان خيريتان، كلتاهما خاضعتان لسيطرة أو إشراف الشيخ منصور. ولم ترد أي من المنظمتين على الأسئلة الموجهة لهما بخصوص هذا التقرير.
وفي عام 2024، واجه المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيريلو، الشيخ منصور بشأن دعمه للجنرال حمدان، وذلك خلال اجتماع في الإمارات، وفقًا لمسؤول أميركي. وقد تهرّب الشيخ منصور من التهمة، قائلاً إن مسؤولية إحلال السلام تقع على أعدائه.
الجزء 7/8
“محاكمة القرن”
في أواخر عام 2023، وفي خطوة كبيرة لتعزيز طموحات الإمارات في مجال الإعلام العالمي، أبرم الشيخ منصور صفقة بقيمة 600 مليون دولار لشراء صحيفة ذا ديلي تلغراف البريطانية، وهي معقل التيار المحافظ في المملكة المتحدة.
لكن بعد أقل من ستة أشهر، أوقفت الحكومة البريطانية الصفقة من خلال قانون جديد يقيّد ملكية الصحف من قبل جهات أجنبية. وقال أحد النواب علنًا إنه من “المستحيل فصل الشيخ عن الدولة”، في إشارة إلى تشابك المصالح بين الشيخ منصور والحكومة الإماراتية. أما وزيرة الثقافة، لوسي فرايزر، فقد أعربت عن مخاوف بشأن “حرية التعبير والدقة في عرض الأخبار”.
وقد واجه الشيخ منصور نكسات أخرى منذ ذلك الحين.
ففي سبتمبر، بدأ نادي مانشستر سيتي بالدفاع عن نفسه في جلسات استماع بلندن شككت في سلسلة انتصاراته اللافتة.
فالدوري الإنجليزي الممتاز يتهم مانشستر سيتي بخرق لوائحه 130 مرة، من بينها ضخ مئات الملايين من الدولارات من شركات إماراتية إلى خزائن النادي، مع إخفاء تلك الأموال تحت غطاء صفقات رعاية مزعومة.
وقد وصفت وسائل الإعلام الرياضية البريطانية هذه الإجراءات بـ”محاكمة القرن”. ويُعتبر الدوري الإنجليزي الممتاز على نطاق واسع أكبر صادرات بريطانيا الثقافية، مما يجعل هذا النزاع مع فريق الشيخ منصور باهظ التكلفة، وقد يترك أثرًا بالغًا على سمعته.
الجزء 8/8
رهانات تتجاوز الرياضة
تخطّت التداعيات حدود عالم الرياضة. فقد أثار المسؤولون الإماراتيون مسألة التحقيق المتعلق بمانشستر سيتي خلال محادثات مع وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أثناء زيارته إلى الإمارات العام الماضي، بحسب أشخاص مطلعين على الاجتماع. ووصف إيدي ليستر، المبعوث البريطاني السابق إلى الخليج، المسألة بأنها “جرح نازف” في العلاقات بين البلدين.
وفي واشنطن، تصاعد القلق بشأن دور الإمارات في حرب السودان ليصبح قضية تحظى بإجماع من الحزبين في الكونغرس. ففي جلسة تثبيته في يناير، انتقد ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي الحالي، الإمارات متهمًا إياها بدعم “إبادة جماعية” يقودها الجنرال حمدان. وقد طالب ديمقراطيون بارزون بوقف مبيعات الأسلحة الأميركية للإمارات ما لم تتوقف عن تسليح قوات الدعم السريع التابعة لحمدان.
وتزايدت تلك الدعوات في مايو، بعد أن قصفت قوات الدعم السريع مستودعات وقود، ومحطات كهرباء، وآخر مطار دولي في السودان، مستخدمة طائرات مسيّرة قوية، قال مسؤولان أميركيان سابقان إن الإمارات قدّمتها لهم.
لكن بعض هذه الانتقادات غُيّبت بعد أيام فقط، حين زار الرئيس ترامب الإمارات.
ففي القصر الرئاسي الفخم المصنوع من الرخام في أبوظبي، استمتع ترامب بالاستقبال الباذخ خلال توقيعه على صفقة بقيمة 200 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي مع الدولة، لتضاف إلى تعهدات إماراتية سابقة بالاستثمار بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة.
قال ترامب موجهًا حديثه إلى الشيخ محمد بن زايد:
“أنت رجل رائع، وشرف لي أن أكون معك.”
وكان جالسًا إلى جوارهما الشيخ منصور، الذي صرّح صندوق “مبادلة” التابع له أنه سيستخدم مشروع عملات رقمية تابع لعائلة ترامب لإجراء صفقة بقيمة 2 مليار دولار، يُتوقع أن تدر مئات الملايين من الدولارات على عائلة الرئيس.
وبعد أيام فقط، تجاوزت إدارة ترامب الكونغرس ووافقت على صفقة أسلحة جديدة للإمارات بقيمة مليار دولار.
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي