الأخبارالرياضة العالميةالرياضية

قوى عظمى ومنتخبات صغرى.. لماذا لم تنجح أميركا والصين في كرة القدم؟

المهدي الزايداوي

قوى عظمى ومنتخبات صغرى.. لماذا لم تنجح أميركا والصين في كرة القدم؟

ربما تمنحك كرة القدم فرصة نادرة لرفع علم بلدك المقهور وسط الدول العظمى، إذ للكرة أحكام مختلفة، فليس الغني هو الذي يفوز دائما، ولا صاحب الترسانة النووية القادرة على إبادة العالم، بل قد يكون المنتصر قادما من دول فقيرة أرغم الفقر أنفها، لكنْ شغفها حب الكرة منذ عقود طويلة فجعل من المستديرة الساحرة ثقافة شعبية متكاملة الأركان.

 

وليس هناك من دليل أوضح على عدم الارتباط بين القوة في الساحة السياسية والحضور الكروي في الرياضة مثل وضع المتنافسَين الأقوى على الساحة العالمية: الولايات المتحدة والصين. فرغم التنافس المحموم بين القوتين سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وحتى رياضيا، لم يحقق أي من البلدين نجاحات تُذكر في عالم الكرة، وهما تصنفان ضمن القوى الكروية الضعيفة والهزيلة، فلماذا يا تُرى لم ينجح البلدان في تأسيس منتخبات كروية قوية؟

 

مليار ونصف المليار إنسان.. خارج الملاعب

حسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بدأت حكاية الكرة في الصين قبل 2300 سنة في مدينة “لين زي”، حيث استعمل الجيش الصيني حينها رياضة كرة القدم من أجل الإعداد البدني للجنود، وسميت حينها “CUJU”، حيث “CU” تعني “اركل بالرجل” و”JU” تعني “كرة من الجلد”. بدأ الصينيون في تصنيع الكرات من جلود الحيوانات، وانتهوا إلى صناعة كرات من سيقان البامبو. وقد وُضِعَت الكرة في وسط الملعب آنذاك، ليتعارك عليها فريقان مختلفان. وانتقلت هذه الرياضة بعد ذلك إلى البلاط الإمبراطوري، فكانت الكرة تركل احتفالا بالمناسبات المهمة مثل أعياد ميلاد الشخصيات المرموقة.

بدأت حكاية الكرة في الصين قبل 2300 سنة في مدينة "لين زي"، حيث استعمل الجيش الصيني حينها رياضة كرة القدم من أجل الإعداد البدني للجنود
بدأت حكاية الكرة في الصين قبل 2300 سنة في مدينة “لين زي”، حيث استعمل الجيش الصيني حينها رياضة كرة القدم من أجل الإعداد البدني للجنود (مواقع التواصل)

في ذلك التوقيت البعيد، لُعِبَت بطريقتين مختلفتين أو لغرضين متباينين، أولهما للمتعة، حيث شارك فيها الرجال والنساء باللعب على أنغام الموسيقى، وثانيهما عبر المسابقات التي أقيمت وفاز فيها من سجَّل أكبر عدد من الأهداف. وقد مرَّت قرون طويلة وتطوَّر شكل ونظام كرة القدم كما نعرفها على يد الإنجليز قبل قرن ونيف حتى وصل إلى شكله المعاصر، فانشغلت العديد من الدول بهذه الرياضة، ولكن للمفارقة لم يكن حضور كرة القدم قويا في الصين، رغم أنها إحدى الدول التي تُعَد مهدا لهذه اللعبة قبل قرون طويلة خلت.

 

نشأ الاتحاد الصيني للعبة كرة القدم عام 1924، وانضم إلى “الفيفا” عام 1931، وبعد تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية عام 1949 كان للكرة كما في التقاليد القديمة دور احتفالي، فقد اختار النظام الشيوعي تدشين العهد الجديد بإجراء مباراة في كرة القدم، كما اعتبرت كرة القدم رمزا للصين العصرية، حيث تأسس أول منتخب قومي للبلاد عام 1951. ولكن رغم الحماس الكبير الذي أبداه الصينيون لكرة القدم، فإن المواقف السياسية والخلافات مع الفيفا تسبَّبت في تعثر هذا التقدم، ووقع الخلاف الأبرز إثر أزمة تايوان بين الصين الشيوعية والمجتمع الدولي الذي انحاز للموقف الغربي. ففي عام 1954 اعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم بتايوان عضوا جديدا فيه، وهو ما اعتبرته الصين قرارا سياسيا معاديا لها، ومن ثَمّ طالبت بطرد تايوان من اتحاد اللعبة، وبعد رفض الفيفا، أعلنت الصين انسحابها من الاتحاد.

 

استمر غياب الصين عن المشهد الكروي العالمي حتى بداية السبعينيات، حينها بدأت علاقاتها تتحسن مع الغرب والولايات المتحدة، وحينها بدأت الانخراط مجددا في المنظمات الرياضية العالمية. ففي عام 1979 أعلنت الصين رجوعها إلى “الفيفا”، بيد أن عودة الصين إلى الاتحاد الدولي لم تمنحها العصا السحرية لإنعاش الوجود الشعبي لكرة القدم، فلم تحقق الصين منذ ذلك الحين شيئا يُذكر، سوى تأهل يتيم لكأس العالم عام 2002 أقيم في الجارتين كوريا الجنوبية واليابان. لهذا السبب بدأت الحكومة الصينية تفكر في إحداث ثورة تنعش الكرة المحلية، وأتت ضربة البداية عام 2010 عبر مشروع ضخم على رأسه الدوري المحلي الذي سُمِّي “الدوري الصيني الممتاز”، وبدأت الصين تعلن عن نفسها عالميا بعد أن ربطت الأخبار أنديتها بالنجوم الباحثين عن التقاعد المريح في دوري بسيط ذي أموال سخية.

 

لطالما وجد نجوم الصف الأول ضالتهم في الخليج العربي أو في دوري كرة القدم في الولايات المتحدة، لكن الصين دخلت بقوة في تلك الفترة وتمكنت أنديتها من التعاقد مع نجوم كبار، مثل الفرنسي “نيكولاس أنيلكا” والإيفواري “ديديه دروغبا” والأرجنتيني “كارلوس تيفيز” والبرازيلي “هالك”، بل وتمكن فريق “شانغهاي” من التعاقد مع البرازيلي الشاب “أوسكار” الذي لعب في نادي تشيلسي الإنجليزي. ولم يكن اللاعبون وحدهم من أغراهم المشروع الصيني، فكان للمدربين نصيب جيد بعد أن حطَّ بعض مشاهير المهنة في الصين، مثل البرازيلي “لويس فيليب سكولاري” بطل العالم مع منتخب بلاده عام 2002، والإيطالي “فابيو كابيللو” الذي صنع المجد مع العديد من الأندية الأوروبية، إذ بحث كل هؤلاء عن إضفاء بصمتهم التكتيكية على الكرة المحلية.

Football player Carlos Tevez holds a team shirt with Wu Xiaohui, Chairman of Shanghai Greenland Shenhua Football Club during a news conference in Shanghai, China, January 21, 2017. REUTERS/Stringer ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY. CHINA OUT. NO COMMERCIAL OR EDITORIAL SALES IN CHINA.
كارلوس تيفيز (رويترز)

هدَف المشرفون على الكرة في الصين من خلال هذه التعاقدات مع لاعبين دوليين إلى مساعدة الأندية المحلية على تطوير مستوى الكرة في البلاد، بهدف إفادة المنتخب الصيني وتحويله إلى واجهة قوية للرياضة الصينية وتحقيق طموحات الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، وهو محب كبير لكرة القدم، يحلم باحتضان كأس العالم وتجهيز منتخب قوي يحقق ما حققته الصين في أولمبياد بكين 2008. وقد حاولت الحكومة الصينية بدورها مأسسة كرة القدم عبر تحويلها إلى مادة إجبارية في المدارس الصينية، كما انتشرت مراكز التكوين في البلاد بشكل لم يُعهَد من قبل، بالتزامن مع ضخ أموال ضخمة في خزانات الأندية التي أصبحت مملوكة لشركات كبرى.

 

كان من المنتظر أن تحل هذه السياسة العديد من إشكاليات تطوير الكرة في الصين، لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد انهار الجمل بما حمل بسبب التخطيط غير المُحكَم والمتهور ماليا. ففي شهر فبراير/شباط 2021، أعلن نادي “جيانغسو” لكرة القدم -بطل الدوري- حلَّ الفريق بسبب مشكلات مالية، وذلك بعد فسخ العقود التي ربطته بلاعبيه بعد أن أبدى استعداده حتى وقت قريب لتقديم عرض للاعب الويلزي “غاريث بيل”، نجم ريال مدريد السابق. وقد لقي فريق “تيانجين تيانهاي” المصير نفسه، وهو النادي السابق للدولي الإيطالي وبطل العالم “فابيو كانافارو”، إذ تم حلُّه بعد إيقاف رئيسه بسبب شبهات فساد. أما الفرق التي لم يتم حلُّها فأجبرت هي الأخرى على فسخ تعاقدها مع لاعبيها أو حُرِمَت من المشاركة الآسيوية نتيجة عدم قدرتها على سداد التزاماتها تجاه الاتحاد القاري للعبة.

 

تسببت هذه الأزمة في نهاية العصر الذهبي للكرة الصينية الذي امتد ما بين عامي 2012 و2018؛ ما دفع الدولة إلى إعادة النظر في سياسة التعاقدات عبر تسقيف الرواتب ومراقبة التحركات المالية للأندية؛ أملا في انطلاقة جديدة.

 

الشيوعية التي لم تصنع المتعة

Soccer Football - E-1 Championship - China v South Korea - Toyota Stadium, Toyota, Japan - July 20, 2022 Teams and match officials line up before the match REUTERS/Issei Kato
إن كرة القدم الصينية هي النموذج الحي والمثالي لكل جوانب الإخفاقات في النظام السياسي والاجتماعي الصيني (رويترز)

عند البحث في أسباب عدم انتعاش كرة القدم في بلد ما، نادرا ما يتفق الخبراء على رأس بعينه، فالكرة ببساطة، في شقها القابع خارج الملعب تحديدا، علم غير دقيق، تتدخل فيه معطيات كثيرة، منها ثقافة البلد المذكور، والحضور الكروي فيه، ومنها أيضا نظامه السياسي الذي يسيطر على صنع القرارات الكبرى في جميع المجالات ومن بينها الرياضة.

 

في تحقيق قديم لها يعود إلى ديسمبر/كانون الأول 2011، حاولت مجلة “إيكونوميست” البريطانية البحث في معضلة فشل الصين في التحول إلى قوة كروية كبرى، وذلك في خضم محاولات الصين بناء مشروعها الضخم الذي فشل بعد ذلك. وقد أتى التحقيق بمثابة تنبؤ مبكر بما حدث لاحقا، إذ حسم الإجابة قبل أكثر من 10 سنوات بأنه من غير الممكن أن تصبح القوة الآسيوية الأولى قوة عالمية في مجال الكرة في أي وقت قريب.

 

يقول التحقيق إن كرة القدم الصينية هي النموذج الحي والمثالي لكل جوانب الإخفاقات في النظام السياسي والاجتماعي الصيني، فمن ناحية، تم تصميم هيكل الكرة في البلدان وفق النظام الرياضي السوفيتي الذي تتم السيطرة عليه من طرف الحزب بشكل مركزي، وهذا النظام، وإن أثبت نجاعته في الرياضات الفردية التي تفوقت فيها الصين في الألعاب الأولمبية، إلا أنه يستحيل نجاحه في رياضة جماعية يشارك فيها 11 لاعبا. والأسباب هنا طويلة ومتعددة، أهمها مشكلة اكتشاف المواهب التي تُرسَل عادة إلى الرياضات الفردية الأخرى، وذلك لأن الصين تهتم بأعداد الميداليات الأولمبية التي تحصدها، فيرى بعض القائمين على الرياضة في الصين أنه ليس من المعقول استنزاف 11 موهبة (إضافة للاحتياطيين) من أجل الحصول على ميدالية ذهبية واحدة في الألعاب الأولمبية.

 

من الأسباب التي ذكرتها المجلة أيضا لتخلف الكرة الصينية مسألة الفساد، حيث تنتشر الرشاوى والتلاعب في نتائج المباريات بمعدلات مرتفعة، وهو نظام وصل به الفساد إلى إمكانية شراء اللاعب لمكانه في المنتخب الأول لكرة القدم؛ ما يقتل أيَّ إمكانية لأن يكون هنالك مشروع كروي حقيقي ينتظر منه طرح نتيجة إيجابية.

 

لا لـ”أوربة” الرياضة الأميركية

Nov 19, 2022; Morgantown, West Virginia, USA; Kansas State Wildcats head coach Chris Klieman leads his team onto the field prior to their game against the West Virginia Mountaineers at Mountaineer Field at Milan Puskar Stadium. Mandatory Credit: Ben Queen-USA TODAY Sports
لم يحب الأميركيون كرة القدم التي اكتسحت العالم، بل فضَّلوا خلق عالم خاص بهم، وانصب اهتمامهم على نسختهم من كرة القدم المُسماة بالـ”راجبي” (رويترز)

على الجانب الآخر من العالم، تحديدا في أميركا، ليس سرا أن كرة القدم ليست لعبة شعبية، وأن الأميركيين يفضلون العديد من الرياضات الأخرى مثل كرة القدم الأميركية (الراجبي) وكرة السلة. ورغم أن النتيجة النهائية تتشابه مع ما يحدث في الصين، فإن أسباب عدم انتشار الرياضة الأكثر شعبية في واشنطن تختلف عن نظيرتها في بكين.

 

بعد “استقلال” أميركا عن بريطانيا، بدأ الأميركيون ينظرون إلى أوروبا نفسها بجانب مستعمراتها على أنها العالم القديم الذي يجب الابتعاد عنه وعن تفضيلاته من أجل خلق عالم جديد عصري تقوده الولايات المتحدة. وأخذ الأميركيون مشروع الرياضة على محمل الجد منذ اللحظة الأولى، فالبلاد واسعة ومترامية الأطراف، وتسكنها جماعات ثقافية وعرقية مختلفة ومتنوعة، ولذا كان من الضروري إيجاد شيء يجمع هؤلاء الناس، ويُشعرهم بانتمائهم لمكان واحد وثقافة واحدة، ولا شيء يمكن أن يفعل ذلك أفضل من الرياضة، ولذا ظهرت رياضة البيسبول مثلا التي انتشرت بطول البلاد وعرضها، وصارت مع بداية القرن العشرين رياضة وطنية، ورأى الأميركيون فيها رياضة تتطلب الشجاعة والقتال والسرعة والمهارة وبذل الطاقة والالتزام، وهي قيم تمثلهم بشكل أو بآخر كما يعتقد البعض.

 

ورغم دعوة الأميركيين لاحقا للانفتاح على العالم الذي أصبحوا القوة الأبرز فيه، ظلت الأمور مختلفة في ساحات الرياضة، فلم يحب الأميركيون كرة القدم التي اكتسحت العالم، بل فضَّلوا خلق عالم خاص بهم، وانصب اهتمامهم على نسختهم من كرة القدم المُسماة بالـ”راجبي”، وظلت كرة القدم رياضة هامشية رغم أن تاريخ اللعبة في البلدان ليس بالحداثة التي يظنها البعض.

 

ربما لم يتعرف العالم إلى كرة القدم في أميركا سوي في مونديال 1994 الذي احتضنته البلاد، لكن البدايات الأولى للعبة ترجع إلى أبعد من ذلك بكثير. ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1866 عرفت مدينة “ووكيشو” بولاية “تِكساس” تنظيم أول مباراة كرة قدم، وبدأ الاحتراف مع تأسيس دوري كرة القدم الأميركي بداية العشرينيات من القرن الماضي، الذي ضمَّ حينها لاعبين كبارا من العيار الثقيل، من بينهم لاعبون من أوروبا. وبسبب التسويق الجيد لكرة القدم، بدأت اللعبة تشق طريقها في صفوف الجماهير الأميركية، وأضحت اللعبة الشعبية الثانية في البلاد.

 

شهدت كرة القدم في البلاد نهضة ونقلة نوعية بعد نجاح نادي “كوزموس” بالتوقيع مع البرازيلي “بيليه” عام 1975، ولم يكن الأسطورة البرازيلية الوحيد الذي قدم إلى أميركا، بل وصل بعده لاعبون آخرون، مثل الهولندي “يوهان كرويف” والبريطاني “جورج بيست” والألماني “غيرد مولر” والبرتغالي “أوزيبيو” وآخرين، حينها سجلت الولايات المتحدة حضورا جماهيريا تاريخيا لمباريات الكرة لم يتم تحطيمه حتى الآن.

Sep 1980: Pele of Brazil in action during a training session. \ Mandatory Credit: Allsport UK /Allsport
البرازيلي “بيليه” (Getty)

لم يكن حضور هؤلاء النجوم مجانيا، بل كان بمبالغ طائلة جعلت البطولة الأميركية تنهار، وأسهم منح المكسيك حق تنظيم المونديال عام 1986 في انخفاض الحضور الكروي في أميركا التي كانت تأمل في تنظيم كأس العالم حينها لإنعاش اللعبة. وبعدها، احتضنت الولايات المتحدة مونديال 1994، ومن جديد عاشت البلاد كلها حمى كرة القدم، وتجمع الأميركيون خلف منتخبهم الذي خرج أمام البرازيل في دور الثمانية. وقد أسهم هذا الحدث في نشر ثقافة الكرة أكثر فأكثر، لكنه لم يصنع منتخبا أميركيا قويا. بيد أن النساء كُنّ أوفر حظا من الرجال في الحقيقة، إذ إن هناك منتخبا أميركيا قويا للنساء حصد النسخة الأخيرة من كأس العالم.

 

“السوكر” للنساء فقط

تُوِّج المنتخب الأميركي لكرة القدم النسائية بكأس العالم 4 مرات، وفاز بالعدد نفسه من الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية، فصار من أفضل منتخبات العالم لكرة القدم النسائية، على عكس نظيره للرجال الذي اقتصر حضوره على مسابقات أميركا الشمالية، ولم يحقق شيئا يُذكَر في ميادين كرة القدم.

 

لفهم التفوق الأميركي في كرة القدم النسائية، يمكننا العودة إلى سنوات السبعينيات، حيث تصدَّرت أميركا في العديد من الرياضات، مثل كرة السلة وألعاب القوى والسباحة، كان هذا التفوق في فرق الرجال فقط. وفي المقابل لم تكن الرياضة النسائية قادرة على الانطلاق، لكن قانونا صدر عام 1972 بمنع التمييز على أساس الجنس سرعان ما أعطى دفعة قانونية ومالية للرياضة النسائية، وقد بدأت النتائج تظهر في سنوات الثمانينيات، إذ أضحى المنتخب الأميركي النسائي أقوى من ذي قبل. وفي عام 1991، تُوِّجَت الأميركيات بكأس “الكونكاكاف” الذهبية بنتائج قياسية، إذ فُزن بـ12 هدفا دون مقابل على المكسيك، وبـ5 أهداف دون مقابل في نصف النهائي أمام كندا، ثم انتزعت أميركا أول كأس عالم للكرة النسائية بعد فوزها على البرازيل بخماسية دون مقابل.

 

أصبحت كرة القدم رياضة نسائية في أميركا، إذ يُنظر لهذه الرياضة على أنها أليق بالنساء لكونها مختلفة عن الرياضات المنتشرة وسط الرجال مثل البيسبول وكرة القدم “الأميركية”، فكرة القدم العادية رياضة قليلة العنف ولا تتطلب جهدا بدنيا كبيرا، ومن ثمَّ فهي أنسب للنساء لا الرجال وفقا لاعتقاد الكثيرين في الولايات المتحدة.

 

واصل الفريق النسائي للكرة نتائجه الجيدة، وواصل الرجال نتائجهم المتواضعة، لكن هذا لم يشفع للمنتخب النسائي في الحصول على مكافآت الرجال نفسها رغم تفوقه الواضح على مستوى النتائج. وبعد مفاوضات طويلة وشاقة ومطالبات بالمساواة في الأجور، أعلن الاتحاد الأميركي لكرة القدم في مايو/أيار الماضي إقرار هذه المساواة، وهو ما اعتُبر قرارا تاريخيا.

 

لربما لا يكون سيئا ألا يهتم الأميركيون ولا الصينيون كثيرا بكرة القدم رغم محاولاتهم الأخيرة إنعاش هذه الرياضة، ولعله في الحقيقة من حظ المتابعين الذين سئموا تسييس الكرة وتحويل ملاعب الكرة إلى مساحات للعراك والتنابز الأيديولوجي وشراء المواهب بالمال والسيطرة على الدوريات، وهي أمور كانت ستتفاقم إذا ما أولت الولايات المتحدة والصين اهتماما أكبر بكرة القدم. في النهاية، ورغم سيطرة الرأسمالية على كرة القدم يوما بعد يوم، يظل هناك متنفسا تثبت من خلاله كرة القدم أنها رياضة الجميع، وأنه يمكن لـ11 لاعبا من دولة مُهمشة الذِّكر أن يهزموا نظراءهم من قوة عظمى عالمية، فوق المستطيل الأخضر الذي لا يزال فيما يبدو يمتلك سطوته الخاصة رغم كل شيء.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى