الأخبارفن

فيلم “الهامور”.. قصة واقعية تنقل السينما السعودية للأسواق الخارجية

فيلم “الهامور”.. قصة واقعية تنقل السينما السعودية للأسواق الخارجية

بدأ مؤخرا عرض الفيلم السعودي “الهامور”، وصار أول فيلم سعودي يعرض بشكل تجاري في “هوليود الشرق” القاهرة، في خطوة كبيرة للسينما السعودية التي كانت لسنوات متلقية للأفلام المصرية في غياب محتوى خاص بها نتيجة عدم وجود صناعة سينمائية سعودية.

حظي الفيلم بعرض أول حضره عدد كبير من الممثلين المصريين، منهم دينا الشربيني وأشرف زكي وغادة عادل، ولكن على الصعيد التجاري لم تخصص للفيلم سوى المواعيد الليلية في دور العرض، الأمر الذي يقلل فرص مشاهدته للمتفرج العادي، وحتى الآن لم يُعلن عن إيراداته.

“الهامور” و”ذئب وول ستريت”

فيلم “الهامور” إخراج عبد الإله القرشي، وتأليف هاني كعدور، وبطولة فهد القحطاني وخالد يسلم وإسماعيل الحسن وعبد الله الشريف وخيرية أبو لبن وفاطمة البنوي.

الفيلم مبني على قصة حقيقية لنصاب قام بعمليات واسعة في العقد الأول من الألفية سرق خلالها ما يزيد على مليار ريال باستغلال رغبة الناس في الكسب السريع عبر إنشاء شركة لتوظيف الأموال.

تبدأ الأحداث بمجموعة من الشباب شديدي الثراء لدرجة انعدام المسؤولية، ثم يظهر راوي الفيلم وبطله في آن واحد “حامد” الذي يشرح للمشاهد بصورة مباشرة أنه قبل 3 سنوات لم يكن يحلم حتى بشراء سيارة عادية، واليوم لديه أسطول من أفخم السيارات، ثم يبدأ السرد من نقطة البداية الحقيقية لقصة حامد ابن مدينة مكة الفقير الذي حلم بالثراء السريع، فانتقل إلى جدة مع زوجته الشابة، ولكن بعد إحباطات عدة في العمل الشريف اتجه إلى عمليات النصب وكوّن جماعة من المحتالين الذي أسسوا شركة المساهمات الضخمة، وبدلا من استثمار أموال المودعين اعتبروها ملكهم الخاص.

تبدو قصة الفيلم بالفعل مألوفة، ليس لاستنادها إلى قصة حقيقية قدر تشابهها الشديد مع الفيلم الأميركي الشهير “ذئب وول ستريت” (The Wolf of Wall Street) للمخرج مارتن سكورسيزي، وبطولة ليوناردو دي كابريو، والذي تدور قصته حول شاب أميركي طموح كوّن ثروة عظيمة بالتلاعب بأحلام أفراد الطبقة الوسطى الذين يرغبون في مضاعفة ثرواتهم بأسهل طريقة ممكنة.

التشابه بين الفيلمين يتجاوز فكرة النصب والثراء السريع، فقد اتبع الفيلم السعودي نظيره الأميركي (المقتبس كذلك من قصة حقيقية) خطوة بخطوة، حيث جاء بناء الفيلم مشابها للفيلم الأميركي، واعتمد على الفلاش باك والبطل الراوي والزوجة المكافحة وإنجاب الأطفال، ثم الارتباط بالجميلة الجذابة والاتجاه إلى إدمان المخدرات والصديق المتهور الذي يؤدي لوقوع البطل ثم مطاردات الشرطة.

الأصالة الثقافية مقابل الملل

الاقتباس من سينما أجنبية أمر شائع في الأفلام العربية، ولكن هناك دوما ما يمنح الفيلم الجديد نكهته الخاصة بثقافة البلد، وتجسد ذلك في فيلم “الهامور” عبر بناء الشخصيات، خاصة الشخصيات الأربع الرئيسية حامد وأبو عزة وسليمان وراكان، وحاول كاتب السيناريو أن يعكس كل واحد منهم جانبا من الشخصيات السعودية، ولكن تراجع هذا الاهتمام بالشخصيات لاحقا، لتصبح مجرد صور باهتة يمكن تجاهلها، فهي ليست سوى إكمال للصورة العامة، خاصة النسائية منها، سواء الزوجة أو الحبيبة أو الأم.

ظهرت أصالة الفيلم ونقله صورة المجتمع السعودي كذلك في العديد من التفاصيل البسيطة الصغرى، مثل قراءة الوضع الاقتصادي في بداية الألفية الثالثة أو الاهتمام الشديد بالهواتف المحمولة في عصر ما قبل الهواتف الذكية، وسياسة المنع التي سادت المملكة في ذلك الوقت وساهمت في ازدهار الكثير من التجارات السرية، مثل العباءات الملونة والهواتف النقالة ذات الكاميرات والأفلام السينمائية في فترة لم يكن يتخيل أغلب من عاشها أن يأتي بعد أقل من 20 عاما فيلم ينتقد بوضوح هذه الأوضاع من إنتاج سعودي ويُعرض في دور العرض بالمملكة وخارجها.

ساهمت هذه التفاصيل في إضفاء التسلية على الفيلم، ولكن في الوقت ذاته أصبحت عبئا عندما أفسدت الإيقاع وجعلت بعض مراحل صعود البطل تطول، مثل مرحلة بدايته كرجل أمن في أحد المباني أو عمله في مبيعات شركة “إيه آر تي” (ART)، مما ترك القليل من الوقت المخصص لعملية الهبوط قرب النهاية، فجاءت مفاجئة وبدون سبب منطقي تم البناء عليه عبر الفصول السابقة.

لا تزال السينما السعودية حتى الآن تتحسس طريقها، تجرب أنواعا وأشكالا سينمائية مختلفة، بين “سكة طويلة” وهو فيلم طريق، وبين “الخلاط” ذي البناء المختلف، و”شمس المعارف” الكوميدي، كل مشروع منها يحاول استكشاف الإمكانيات السينمائية لصناع الأفلام السعوديين.

وحتى الآن لا تزال الكوميديا مسيطرة والأنجح والأقرب للوصول إلى الجمهور، ربما بسبب المسلسلات الكوميدية السعودية التي كونت كوادر قادرة على اقتناص ضحكات الجمهور بخفة ظل نابعة من نقد الذات.

نجاح فيلم سعودي في الأسواق الخارجية قد لا يتحقق في وقت قريب، خاصة مع عدم ثقة الجمهور المصري أو العربي بشكل عام في سينما وليدة، وانجذابه للأفلام الأجنبية الأكثر رواجا والتي اعتاد عليها، لكن هذه الخطوة الشجاعة بالتأكيد ستقرب هذه التجربة السينمائية من ذهن المتفرج العادي وتجعله يفكر: لمَ لا أشاهد فيلما سعوديا ولو على سبيل التغيير في البداية؟

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى