عماد الدين يعقوب يكتب: حديث البرهان.. حينما يمتزج علقم العسكرية بعسل الدبلوماسية
عماد الدين يعقوب يكتب: حديث البرهان.. حينما يمتزج علقم العسكرية بعسل الدبلوماسية
يبدو أن خيار الحسم العسكري قد بات ضرباََ من خيال جامح ، ثم أضحى هدفاََ بعيد المنال لدى الجناح السياسي لميليشيا آل دقلو الإرهابية (تقدم) وبالتالي احترقت هذه الورقة ولم تعد صالحة لا للإستخدام الفعلي ولا لمجرد المناورة.
فالهزائم المتلاحقة على الميليشيا الإرهابية منذ معركة جبل موية وحتى سقوط قاعدتها العسكرية في الزرق مطلع هذا الأسبوع أشاعت حالة من الجزع والخوف والتوجس في أوساط (تقدم) ورعاتها الإقليميين، وقضت على آخر بارقة أمل لتحقيق نصر على الأرض ولو بنذر يسير يحفظ لها ماء وجهها.
لذلك تسعى تقدم ومن ورائها الرعاة الاقليميين هذه الأيام إلى الاستعاضة بورقة أخرى هي ورقة الحل السياسي الذي بدأت تلمح به على استحياء وعلى خوف من أن يواجه بالرفض .
وظهر هذا الجنوح إلى الحل السياسي بشكل أكثر وضوحاََ في تصريحات رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، الذي قال أن هناك تواصل مع البرهان من أجل الوصول إلى حل سياسي ينهي الحرب.
إذن حينما يقول الطرف الذي أشعل الحرب عمداََ مع سبق الإصرار والتخطيط والترصد أنه يريد أن ينهي الحرب عبر حل سياسي، فهذا يعني بوضوح أن هذا الطرف قد عجز ويئس عن فرض الحل الذي اختاره أول مرة وهو الحل العسكري وعبر فوهات البنادق والمدافع والمسيرات. وهذا يعني بالطبع في وجهه الآخر الإقرار بالهزيمة والاعتراف بانتصار الطرف الآخر..
لكن ما لم تدركه قيادات (تقدم)، أو أنها تدركه لكنها تريد القفز عليه هو أن الجنوح إلى الحل السياسي له مطلوباته وشروطه وأحكامه، والطريق إليه ليس معبداََ ولا مفروشاََ بالورود.
إن الطريق المؤدي إلى الحل السياسي وعر وشائك ومعقد ربما أكثر من طريق الحرب.
نعم استطاعت (تقدم) وبكل سهولة أن تتخذ قرار الحرب ذات (سكرة) شعور بالقوة والمنعة متكئة على بندقية ميليشيا آل دقلو الإرهابية.
لكنه فات عليهم – لأنهم لا يقرأون – استذكار المقولة الذهبية بشأن الحرب التي تقول إنك تستطيع أن تبتدر الحرب وقتما تشاء ، ولكنك لا تستطيع أن توقفها وقتما تريد.
حال (تقدم) والميليشيا الإرهابية كحال الذي أراد أن يتعلم الطيران فاشترى كتاباََ بعنوان تعلم الطيران في أسبوع، فأخذ مكانه في قمرة الطائرة وأخذ يتبع الخطوات الواردة في الكتاب بخصوص الإقلاع، وتم له ما
أراد حيث أقلع بسلام، وغمرته الفرحة وهو يحلق بالطائرة في الجو على بعد آلاف الأقدام عن الأرض، لكن حينما أراد الهبوط فتح الكتاب وأخذ يقلب صفحاته بحثاََ عن باب كيفية الهبوط، لكنه فوجيء بعبارة (البقية في العدد القادم).
هذا هو حال الميليشيا وجناحها السياسي الآن، يبحثون عن كيفية الهبوط، بعد أن توسطوا كبد السماء.
ملأوا الدنيا ضجيجاََ طوال أشهر الحرب بأنهم لن يوقفوها إلا وقد جلبوا الديمقراطية، ثم تارة أخرى إلا إذا قضوا على الكـِيزان والفيلول ، وتارة ثالثة إلا إذا أزالوا دولة ٥٦، وكرة رابعة إلا إذا ردوا الحقوق إلى (المهمشين)..
وما حققوا من ذلك من شيء، بل مارسوا أبشع صور الطغيان والدكتاتورية، وعاد (الفيلول) إلى الأضواء وإلى دائرة الفعل، واكتشفوا أن دولة ٥٦ هي دولة المهمشين وهي دولة الانعتاق من ربقة الاستعمار إلى فضاء الحرية ووطنية القرار، وأن مزاعمهم برد حقوق المهمشين كانت أكذوبة بلقاء، فقد نهبوا حقوق المهمشين وممتلكاتهم
وأخرجوهم من بيوتهم وهجروهم وقتلوهم.
ثم وبعد أن أيقنوا بالهزيمة والاندحار جاءوا يتكففون السلام ويتسولون الحل السياسي فما أصبرهم على غضب الشعب.
وحسناََ فعل البرهان حينما ألقمهم حجراََ بقوله الذي مزج فيه علقم العسكرية بعسل الدبلوماسية : لن تكون هناك عملية سياسية إلا بعد عودة المواطنين إلى منازلهم وقراهم ومن ثم سيتم ابتدار العملية السياسية وإجراء الإنتخابات التي يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله السياسي دون تدخلات خارجية..
لله درك أيها القائد – بالقاف والهمزة – وليس كما ينطقها عربان صحراء النيجر، فهكذا يكون رجال الدولة، لقد أوفيت وكفيت و (لخصت).
لقد علق القائد الذهاب إلى العملية السياسية بحبل متين وشرط مانع، وهو عودة المواطنين إلى بيوتهم وقراهم سالمين آمنين رافعين رؤوسهم لا يخافون وهذا لا يتحقق إلا بإحدى وسيلتين لا ثالث لهما، أما الأولى فهي تنفيذ
الميليشيا لإتفاق جدة بالخروج من فورهم من بيوت المواطنين والأعيان المدنية مذعنين مستسلمين رافعين الراية البيضاء فوق رؤوسهم والتجمع في نقاط محددة، والوسيلة الثانية هي إخراجهم قسراََ وعنوة و(حمرة عين)
بالبندقية على ساحة المعركة، معركة الكرامة وتطهير المدن والقرى والأحياء السكنية من رجسهم ودنسهم.
وكلتا الوسيلتين المعنى فيهما واحد بالنسبة للميليشيا وهو الهزيمة.
وتعليق البرهان ابتدار العملية السياسية بالعودة الآمنة للمواطنين إلى ديارهم فيه تأمين وضمان وصون لحقوق المواطنين ورعاية لمصالحهم التي هو مسؤول عنها وهذا استشعار للمسؤلية يستحق الثناء. وزاد على ذلك بالتأكيد
على إفساح الفرصة للشعب السوداني لاختيار من يحكمه عبر إنتخابات (يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله السياسي دون تدخلات خارجية)..
وبهذه العبارة المقتضبة في حروفها الجزلة في معانيها أكد البرهان أن الشعب السوداني وحده من يحدد
مستقبله السياسي وطريقة الحكم وتداول السلطة فيه لا يشرك فيها أحداََ معه، وبهذا يكون البرهان قد رد الحق إلى أهله ليختاروا ويقرروا بمحض إرادتهم، لا بإرادة الأجنبي.
رفعت الأقلام وجفت الصحف..