“عقدة الأمهات”.. هل تدمرين مستقبل أولادك دون قصد؟
يرتبط الكثير منا بأمهاتهم ارتباطا وثيقا من الممكن أن يؤثر عليهم بشكل سلبي في المستقبل عندما يكبرون.
و”عقدة الأمهات” هو مصطلح يستخدم لوصف المشكلات التي يواجهها الذكور والإناث لاحقا في الحياة بسبب العلاقة التي كانت تربطهم بأمهاتهم عندما كانوا صغارا، وكم من بيوت هُدمت وعلاقات تدمرت بسبب هذه المشكلة.
end of list
ولهذه العقدة وجهان
الوجه الأول: إهمال الأمهات لأطفالهن أو الإساءة لهم أو هجرهم وهم صغار.
الوجه الثاني: هو العكس تماما، أي كثرة العناية والاهتمام والمبالغة في الرعاية والحنان.
وقد تكون هذه العقدة أكثر وضوحا عند الذكور منها عند الإناث بسبب الارتباط الوثيق بين الطرفين، ولهذا فإن وجود مشكلات تتعلق بالأمومة يمكن أن يعني للذكور التقرب الشديد من والدتهم أو البحث عن شريك يشبه بكثير أو قليل والدتهم وغالبا ما يقارنون بين الاثنتين.
وكثيرا ما يفشلون في زواجهم بسبب عدم مطابقة مواصفات زوجاتهم لما كانوا يجدونه أو يتخيلونه في أمهاتهم. أو قد يحدث العكس في حالة إساءة الأمهات لأولادهن وإهمالهن لهم، مما يؤدي هذا لنفور الأولاد من كافة أشكال العلاقات العاطفية أو البحث عن شريك مثالي غير موجود سوى في مخيلاتهم.
ما أسباب هذه العقدة وكيف يمكن الخلاص منها؟
إذا ما تعرض أحد الأطفال للإساءة من قِبَل والدته أو فشلت في توفير الدعم العاطفي الأساسي له فإن الآثار النفسية يمكن أن تستمر لتؤثر بشكل بالغ على حياته عندما يكبر وينطبق نفس الشيء على النقيض من هذه الحالة أي عندما تبالغ الأم في رعاية طفلها وتدليله وحمايته وغض النظر عن أخطائه والإفراط في التساهل معه فتحدث آثار عكسية تؤثر على حياة الطفل عند وصوله لمرحلة البلوغ.
ويشرح البروفيسور باتريك تشيتهام عالم النفس في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية، أن “الأشخاص الذين كانت لديهم علاقة أمومة متوترة أو مؤذية في طفولتهم، فإنهم يتوقعون غالبا أن يفي أزواجهم باحتياجاتهم التي لم تستطع أمهاتهم الوفاء بها، وهو ما قد يجعل هؤلاء الأشخاص يتخيلون أزواجهم أو زوجاتهم بشكل مثالي، وبما أن المثالية والكمال هما خارج قدرات البشر فإن النتيجة تكون الصدمة والشعور بخيبة الأمل”. وذلك حسب ما ذكرت منصة “هيلث لاين” (health line) في تقرير لها مؤخرا.
وعلى الرغم من أن “عقدة الأم” ليست مصطلحا سريريا فعليا فإنه غالبا ما يمكن تفسير المفاهيم الكامنة وراءها بنظريات نفسية ويرجع ذلك جزئيا إلى أن دور الأم لا يزال يعتبر على نطاق واسع هو الدور الأكثر أهمية في حياة البشر خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة.
ومقابل “عقدة الأم” هناك أيضا “عقدة الأب” وتعني تأثر الأطفال بشكل كبير بوالدهم سلبا أو إيجابا.
ومع ذلك، فإن الفكرة القائلة إن شخصا ما قد يعاني من مشكلات تتعلق بالأمومة يمكن أن تكون ظاهرة تماما للعيان، ومثل هذه المشكلات يمكن أن تظهر لدى أي شخص لديه علاقة “سامة” أو “منفرة” أو “مفرطة التعلق” مع والدته.
وحاول العالم النمساوي سيغموند فرويد تفسير هذه الظاهرة من خلال اختراع مصطلحي “عقدة أوديب” و”عقدة إلكترا“.
و”عقدة أوديب” باختصار تحدث عندما يشعر الأطفال الذكور بأنهم يتنافسون مع والدهم من أجل نيل مودة واهتمام أمهاتهم. أما “عقدة إلكترا” فهي على العكس من ذلك، إذ تحدث عندما تشعر الفتيات بأنهن يتنافسن مع أمهاتهن للحصول على اهتمام آبائهن.
وافترض “فرويد” أن الأطفال ينظرون إلى والدهم من نفس الجنس على أنه منافس، مشيرا إلى أن هذا المفهوم ينشأ بين سن الثالثة والخامسة وأنه إذا استمر سيؤدي إلى وجود مشاكل لدى الطفل في علاقاته العاطفية مع تقدمه في السن.
“اضطرابات التعلق”
يعتقد كثير من العلماء أن نظرية “فرويد” غير كافية لتفسير هذه الظاهرة وذلك لأن المفاهيم الأكبر لم يحددها بين الجنسين، وهو ما قاد إلى ولادة “نظرية التعلق” (Attachment theory).
وجاءت هذه النظرية من العالم البريطاني جون بولبي الذي اكتشف أن أنماط التعلق التي تشكلت في مرحلة الطفولة المبكرة يمكن أن تملي طبيعة علاقات الشخص في المستقبل. وفي كثير من الأحيان، يطور الأشخاص الذين لديهم مشاكل مع أمهاتهم أسلوب ارتباط غير آمن.
وهناك أنواع أو أنماط مختلفة من “اضطرابات التعلق”، وتعتمد هذه الأنماط على خصائص الأم وتجارب الطفل وكيفية استيعابهم وتفسيرهم واستدعائهم لأحداث طفولتهم.
ومن أبرز أنواع هذه الاضطرابات 3 أنماط كما ذكرت منصة “ميديكال نيوز توداي” (medical news today)، وهي:
1- النمط القَلِق: عندما يشعر الطفل أن أمه غير موجودة للعناية به وتُهمله في أغلب الأحيان، فإن الطفل ينمو وهو يشعر بالقلق، مما يدفعه لتكوين صورة سلبية عن الذات.
وعندما يكبر مثل هؤلاء الأطفال يتعلقون كثيرا بشركائهم وأزواجهم، ويصبحون متطلبين في علاقاتهم ويتصرفون بطريقة قد تؤدي لشعور الشريك بالاختناق، وهذا التصرف نابع في الأساس من خوفهم المستمر من هجر أزواجهم لهم أو عدم وجودهم عندما يكونون في أمسِّ الحاجة إليهم.
2- النمط الخائف: الخوف هو السمة الشائعة لدى المصابين بهذا النمط، فهم يخافون من الارتباط والتواصل، لهذا نجدهم ينغلقون على أنفسهم ويتجنبون إقامة علاقات جدية في حياتهم بسبب خوفهم من التعرض للأذى، فينطوون على أنفسهم من أجل حماية ذواتهم من هكذا احتمال، وسبب الخوف الذي يعيشون فيه هو تعرضهم لصدمة شديدة أو إهمال كبير من قبل أمهاتهم أثناء مرحلة الطفولة.
3- النمط الرافض: وهو الذي يتجنب العلاقات العاطفية تماما ويرفض الارتباط بالمطلق وذلك بسبب المعاملة القاسية من الأم أثناء الطفولة أو الانتقاد الدائم الذي كانت توجهه للطفل.
ووجدت دراسة أجريت العام الجاري أن الأشخاص من هذا النمط يصفون أنفسهم بأنهم مستقلون عاطفيا ولا يشعرون بأي حاجة لمشاركة مشاعرهم أو أفكارهم مع الآخرين.
كيفية التغلب على هذه العقدة
وأوضحت دراسة علمية درست حالات الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة في طفولتهم، ومع ذلك استطاعوا التغلب على آثارها عندما كبروا، بعضا من القواسم المشتركة بينهم، لعل من أبرزها حسب ما ذكرت منصة “فري ويل مايند” (very well mind):
بناء شبكات دعم عاطفي
الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة من قبل أمهاتهم ولكنهم استطاعوا تجاوز الآثار السلبية لهذه المعاملة في كبرهم، عادة ما يكون لديهم أشخاص آخرون مهمون يدعمونهم، ولديهم شبكة واسعة من الأصدقاء الذين قدموا لهم الدعم العاطفي والمساندة الاجتماعية عندما احتاجوها وهو ما أسهم كثيرا في تغلبهم على جذور المشكلة.
الوعي بالماضي
جميع الذين تجاوزوا المشكلة وتغلبوا على هذه العقدة كان لديهم وعي بالماضي وبما حدث معهم، وكان لديهم أيضا قدر معين من الغضب تجاه الإساءة التي تعرضوا لها، وهي علامة على الاعتراف بالأفعال التي كانت مسيئة لهم بدلا من دفن الرؤوس في الرمال والتظاهر أن كل شيء على ما يرام.
والوعي بالماضي والاعتراف بما حدث هو أول الطريق للتجاوز والتغلب على مشاكل الطفولة والإساءات التي تعرضوا لها خلالها.
الخضوع للعلاج
خضع الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة من أمهاتهم للعلاج النفسي وساعدهم ذلك في فهم ما حدث معهم في الماضي ووفر لهم متنفسا للتعبير عن أنفسهم وكيفية منع هذه المشاكل من التكرار مع أبنائهم في المستقبل.
وبعد، يمكن أن تكون لعقدة الأم تأثيرات خطيرة ودائمة تؤدي لتسميم حياة الكثير من الأشخاص وتؤثر على طريقة تعاملهم مع أزواجهم وأطفالهم في المستقبل، وكم من بيوت هدمت وأطفال تشردوا بسبب هذه المشكلة.
وهنا ننصحكم بالصبر مع أنفسكم، وتفهم ما حدث معكم في طفولتكم والعمل مع المختصين للتغلب على هذه المشكلة حتى تتوقف دائرة العلاقات غير الصحية في عائلتكم، فأخطر ما في هذه العقدة هو إمكانية توريثها للأجيال اللاحقة.