مقالات

عبير إبراهيم تكتب: الخرطوم تنفض الغبار… والعاملون يعودون بروح لا تعرف الانكسار

عبير إبراهيم تكتب: الخرطوم تنفض الغبار… والعاملون يعودون بروح لا تعرف الانكسار

 

 

لم يكن صباح الأمس عادياً في الخرطوم. المدينة التي اعتادت على الصمت الثقيل خلال الأشهر الماضية، بدأت تنفض الغبار عن تفاصيلها اليومية، وتهمس بشيء من الحياة. الشوارع التي كانت خاوية، عادت تستقبل خطوات العاملين، والدوواين الحكومية فتحت أبوابها من جديد.

قرار حكومة ولاية الخرطوم بإنهاء الإجازة المفتوحة كان بمثابة جرس إيقاظ للجميع. ليس فقط للموظفين، بل لكل من ظن أن الحياة قد توقفت هنا إلى الأبد. ومع ساعات الصباح الأولى، بدأت موجات بشرية صغيرة تتحرك نحو أماكن العمل، بهدوء وثقة، تحمل بين طياتها عزيمة لا تُوصف.

في إحدى المؤسسات الخدمية شرق الخرطوم، كانت “منى”، موظفة في منتصف الثلاثينات، تراجع ملفات متراكمة على مكتبها. تقول بابتسامة متعبة:
“رجعنا عشان نبدأ من جديد… مافي شي ساهل، لكن البلد محتاجانا. لو كل زول قعد، منو البعمرها؟”

وفي مرفق حكومي آخر، جلس “خالد”، وهو موظف شاب، يرتب ملفات الأرشيف، بينما تتسلل أشعة الشمس من بين النوافذ القديمة. حين سألناه عن شعوره بالعودة، قال:
“الخرطوم تعبت، ونحن تعبنا معاها، لكن لازم نحاول نداويها واحدة واحدة… حتى لو بالبداية دي.”

العودة لم تكن كاملة، لكنها كانت واضحة. وجوه الموظفين تحمل ملامح الإصرار، وبعضها ما زال يختبر شعور الغربة داخل المكاتب التي هجروها سنين و لكن ما بدا جلياً، أن الناس عادوا بإرادتهم، وليس فقط بقرار رسمي.

الرسالة الأقوى في هذا المشهد؟ أن الخرطوم، رغم ما مرّ بها، ترفض أن تسقط. وموظفوها ، بكل بساطة قرروا أن يكونوا أول من يضع الطوبة الأولى في جدار التعافي.

هكذا بدت الخرطوم صباح أمس مدينة تقف من تحت الركام، على أكتاف من قرروا أن يعملوا، رغم كل شيء.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى