الأخبار

ظاهرة تؤكدها الدراسات.. لماذا يتخلى بعض الأزواج عن زوجاتهم بسبب المرض؟

ظاهرة تؤكدها الدراسات.. لماذا يتخلى بعض الأزواج عن زوجاتهم بسبب المرض؟

فريق التحرير

“أهلكِ يحبوكي غنية وزوجكِ يحبكِ عفيّة”، رُبما سمعت من قبلُ هذا المثل الذي يُحاول جزء منه تمرير مفهوم أن الزوج لن يحب سوى الزوجة التي تتمتع بكامل الصحة والعافية، ولعلك رأيت من قبل قصة زواج أحد المُحيطين بك تنتهي فقط لأن الزوجة صارت مريضة. بالطبع لا أحد يختار المرض، هذا الضيف الثقيل الذي يضع الحياة الزوجية في بعض الحالات على المحك وقد يُعرضها للانتهاء، ليترك المُبتليات به لسن فقط مريضات، بل مخذولات ومصدومات أيضا.

بإحدى وحدات الغسيل الكلوي القابعة في أحد المستشفيات الحكومية بالعاصمة المصرية، جلست نسرين. ع، اسم مُستعار، المرأة الثلاثينية، تتأمل الوجوه من حولها، بين شاب وكهل ومُسن، تتأمل حوائط المستشفى البيضاء بما عليها من بصمات وبقع سوداء، رُبما كانت لأشخاص حاولوا الاعتماد على الحائط لكي يستطيعوا النهوض من أماكنهم.

تنظر إلى ساعة هاتفها في ضجر، لا يزال هناك بعض الوقت قبل أن يحين دورها، هذا بخلاف الوقت الذي ستستغرقه في جلسة الغسيل الكلوي، تُفكر في كم الإنهاك الذي ينتابها بعد الجلسة، تُحاول أن تُرهق ذهنها قليلا لتتذكر: هل بقي شيء من غداء الأمس لليوم؟ وإذا لم يتبق، فهل سيمكنها أن تُحضر وجبة سريعة لزوجها والطفلين، وهي التي لا تقوى على شيء بعد الجلسة سوى النوم؟ يرن هاتفها صادحا بالنغمة التي خصصتها لزوجها.

يأتيها صوت الزوج جادا حازما، هو لا يعرف أنها اليوم في جلسة الغسيل الكلوي، هي نسيت أن تُخبره، وهو لم يسأل عن مواعيد الجلسات قط، ولم يُحاول أن يأتي معها ولو لمرة واحدة منذ بدأت هذه العملية الشاقة منذ عام ونصف، تسأل بتوجس “مال صوتك؟”، ليُخبرها الصوت الجاد الذي لا ترى ملامح وجهه “نسرين، أنا مش قادر أكمل، أن مُتكفل بمصاريف أولادي كاملة ما تقلقيش، والولاد هيفضلوا في حضنك ومعاكي، لكن اعذريني، أنا مش قادر أكمل! لن أعود إلى المنزل، هذا منزلك أنتِ والأطفال، سأعود إلى منزل عائلتي، حتى أنظر ماذا سأفعل في حياتي لاحقا”.

كان ذلك هو ما حكته نسرين لمحررة ميدان عن خلاصة زواجها الذي انتهى بعد إصابتها بمرض الذئبة الحمراء، والذي يحدث عند مهاجمة الجهاز المناعي لأنسجة الجسم وأعضائه، متسببا باضطراب أجهزة الجسم المختلفة، بما في ذلك المفاصل والجلد والكلى وكرات الدم والدماغ والقلب والرئتين.(1)

لمُدّة عام ونصف، كانت نسرين ترى صلوات زوجها المُتصلة منذ أن تمكن منها المرض، تسمع ابتهالاته ودعاءه لها بالشفاء، لكنها كانت ترى في عينيه نظرة لم تكن تستطيع فهمها، نظرة شخص مُقدّم على حياة لا يريدها، شخص يعيش معها حياة المُجبر.

في دراسة أُجريت على عينة مُكونة من 2701 زواجا، تهدف لفحص دور ظهور الأمراض الجسدية الخطيرة، مثل السرطان، مشكلات القلب، أمراض الرئة، و/أو السكتة الدماغية، على مستقبل الزواج لاحقا، وجدت النتائج أن مرض الزوجة وحده كان مرتبطا بارتفاع مخاطر الطلاق. تُشير هذه النتائج إلى أهمية الصحة بوصفها عاملا حيويا لمستقبل الحياة الزوجية.(2)

المرض قد لا يُسبب الألم فقط لكنه يُغير الحياة أيضا

عفاف.س، اسم مُستعار، امرأة ثلاثينية، وجدت نفسها تواجه مرضا كانت عائلتها لا تجسر حتى على ذكر اسمه، حينما كانت تأتي سيرة هذا المرض كانوا يُشيرون إليه باسم “المرض الذي لا اسم له (باللهجة المصرية: اللي ما يتسمّاش)”. حينما أخبرتها الطبيبة بإصابتها بهذا المرض تذكرت ذلك الرعب الذي كان يحوم في عيون نساء أسرتها من شبح هذا المرض الذي أصاب من قبل واحدة من خالاتها.

لم تعرف مَن تُحادث لتُلقي بهذا الحمل الثقيل عن صدرها، لو أخبرت أمها، فلرُبما فقدت حياتها في التوّ من الصدمة والخوف عليها، قررت الاتصال بزوجها، أخبرته بالأمر، أتاها صوت الزوج مُتلجلجا، لكنه يُحاول طمأنتها بأن التحاليل والأشعة تُخطئ، وهذا حدث كثيرا من قبل، أخبرها أن عليهما عمل كل الفحوصات مرة أخرى والذهاب إلى طبيب ثان وثالث، نبّه عليها ألا تذهب وحدها، سيُلازمها حتى يؤكد لها أن التشخيص الأول هذا لا أساس له من الصحة.

لكن الفحص الثاني والثالث أكدا صحة التشخيص الأول، حينها كانت عفاف قد تخطت الصدمة الأولى، وتصالحت مع وجود المرض، عليها أن تُحاربه، لأجل أمها وطفلتها التي كانت حينها لم تتجاوز السنوات الأربع من عُمرها بعد، ولأجل زوجها ومحبته لها.

تقول عفاف إنها تزوجت منذ ست سنوات، أحبت زوجها منذ أن التقت به، كان مُتواضع الحال، لكنها حاربت كل الظروف وواجهت جميع العقبات لكي يتم زواجهما، ولكن بعد شهور من مشهدِ تردُّدِ الزوج بصحبة زوجته على الأطباء، ومع بدء تلقي العلاج والإنهاك الذي يُسببه، قرر الزوج بكلمات حتى لم يُكلف نفسه عناء انتقائها أنه لن يستطيع الاستمرار، تقول عفاف لميدان: “الغريب أنني لم أتفأجأ، كأنني كُنت مُستعدة لسماع هذا القرار وأنتظر وقته، مع أنه، قبل هذه اللحظة، لم يكن قرار الرحيل هذا ليدور حتى بخيالي، حاول زوجي أن يُخفف من وطأة كلماته الثقيلة بعد هذا، أخبرني أنه أحبني، ويُحبني، أخبرني أنه حاول كثيرا أن يتأقلم مع الوضع، لكنه لم يستطع، ولا يبدو أن هذا وضع له مُدّة مُحددة، كُنت أعرف أن جزءا من قراره هذا هو خوفه من تحمل نفقات العلاج، فقد كان بخيلا حتى فيما يخص احتياجاته الخاصة، لملمت أشيائي بهدوء وأخذت طفلتي ورحلت إلى بيت أمي، كان هذا منذ نحو عامين”.

تضيف: “الغريب فعلا بالنسبة إليّ كان هو أنه خلال العامين الماضيين لم يسأل عن نفقات ابنته، لم يسأل حتى ولو من بعيد كيف أوفر نفقاتها مع نفقات العلاج، لم يطلب رؤيتها مرة واحدة، أحمد الله أنني لم أتخلَّ عن عملي حينما كان يُكرر طلبه هذا مني، كُنت أحب عملي ولا أرغب في تركه، عملي هذا هو طوق النجاة الذي ألقاه لي الله لأستطيع تغطية نفقاتي ونفقات ابنتي”.

أكدت دراسة نُشرت عام 2009 أن احتمالية انفصال المرأة أو طلاقها تزداد بنسبة ستة أضعاف بعد تشخيص إصابتها بالسرطان أو التصلب المتعدد مقارنة بمرض الرجل، توصلت الدراسة إلى هذه النتيجة عندما فحصت الدور الذي يلعبه الجنس فيما يسمى “هجر الشريك”. ووجدت أيضا أنه كلما طالت فترة الزواج زادت احتمالية صموده أمام المرض. في السياق ذاته، أشارت دراسة أخرى أن معدل الطلاق أو الانفصال الإجمالي بين مرضى السرطان يصل إلى 11.6%. ومع ذلك، فوجئ الباحثون بالاختلاف في معدلات الانفصال والطلاق حسب الجنس، كانت النسبة عندما تكون المرأة مريضة 20.8٪، مقابل 2.9٪ عندما كان الرجل مريضا.(3)

يقول مارك تشامبرلين، أستاذ علم وجراحة الأعصاب في كلية الطب بجامعة واشنطن، وهو مؤلف ومدير برنامج الأورام العصبية في تحالف رعاية مرضى السرطان في سياتل: “كان مرض الأنثى مؤشرا أقوى في ذاته على حدوث الانفصال أو الطلاق في كل مجموعة من مجموعات المرضى التي درسناها”. ويؤكد أن تلك الدراسة أُجريت من الأساس لأن الأطباء لاحظوا أثناء ممارستهم أن الطلاق يحدث بشكل حصري تقريبا عندما تكون الزوجة هي المريضة.

لماذا -إذن- يترك الرجل زوجته المريضة؟ فسر مؤلفو الدراسة هذا جزئيا بعدم قدرة الرجال، مقارنة بالنساء، على تقديم الالتزامات والرعاية لشريك مريض، بالإضافة إلى امتلاك المرأة قدرة أفضل على تحمل أعباء الحفاظ على المنزل والأسرة.(4)

الزواج الثاني بسبب المرض

كانت شهيرة.م، اسم مُستعار، المرأة الأربعينية، قد أنهت لتوّها جلسة العلاج الكيميائي، جلست مُنهكة على سرير المُستشفى تُفكر في حال أولادها والمشكلات المُتكررة بينهم وبين والدهم منذ بداية مرضها، فمنذ أن أُصيبت بالسرطان، كانت تحضر لتلقي الجلسات بمُفردها أو بصحبة أمها أو أحد إخوتها، التمست شهيرة لزوجها آلاف الأعذار لذلك، بحسب حديثها مع ميدان، قالت يكفيه عمله، ومسؤولية البيت والأولاد، لكن مشكلاته مع الأولاد، خصوصا الابن، كانت غير مفهومة بالنسبة إليها.

تقول شهيرة إن الأمورأصبحت أوضح حينما زارتها في منزل والدتها ذات يوم أخته القادمة من صعيد مصر إلى عاصمتها لتتحدث معها، وتطلب منها أن ترشح لزوجها عروسا مُناسبة. لم تكتف الزائرة بما قالت، فأضافت وقد اعترى صوتها بعض الخجل: “أستأذنك فقط أن يكون الابن بصحبتك، هو رجل وأنتِ تحتاجين إلى صحبته، وبالطبع لا يجوز أن يجلس مع والده وزوجته، أما البنتان فستعيشان مع والدهما تماما كما هو وضعهما حاليا”. تقول شهيرة إنها كانت تستمع ذاهلةً إلى المرأة التي ترسم لها بكلمات تبدو لها من قبيل الفانتازيا ملامح حياتها القادمة.

التخلي قد يكون بسبب مرض الابن أيضا

أما نهال.ع، اسم مُستعار، امرأة أربعينية، فلديها قصة مختلفة تحكيها لميدان قائلة: “لم أمرض أنا، بل ابني، بعدما تخطى الابن سنواته الأولى في الحياة، فوجئنا بأن لديه تأخرا عقليا، حينها جُنّ جنون زوجي بعد علمه بهذا، أنا وزوجي عُمال نظافة، لم نحصل على تعليم، وليس لنا مصدر رزق سوى جهدنا، هذا هو طفلنا الوحيد، لم أكن أفهم سبب انفعال زوجي ولا غضبه، ماذا يمكن أن يفعل هذا الانفعال؟ وما ذنبي أو ذنب هذا المسكين من الأساس؟ لكني عُدت وقلت لنفسي إنه مصدوم، دعيه يُنفس عن صدمته”.

لكن زوج نهال لم يكتف بالانفعال، كان لديه المزيد ليفعله، فقد حسم أمره بأن يترك الطفل لأمه، ويذهب ليتزوج؛ لأنه يريد ابنا سليما يُساعده في الحياة ويكون له سندا في الكبر. تقول نهال: “لم أُصدق أنه سيتركنا فعلا، لكنه كان حازما أمره، لدرجة أنه تزوج بعد أقل من 4 أشهر من انفصالنا، مضى نحو أربعة أعوام على هذا، لم يسأل مرة خلالها عن ابنه أو عن علاجه”.

تعليقا على ذلك، يقول مصطفى.ص، اسم مُستعار، طبيب أمراض الكلى الخمسيني، لميدان: “الحالات التي نراها في وحدات الغسيل الكلوي تشهد بوضوح على كيفية تعامل الأزواج مع مرض زوجاتهم دون الحاجة إلى تحليل اجتماعي أو إحصائيات، فخلال الحالات التي رأيتها وتعاملت معها طوال سنوات عملي، عندما تكون الزوجة مريضة ترى المُصاحب لها في الغالب أختها أو أمها أو حتى أخاها”.

أما إذا كان الزوج هو المريض فبنسبة تقترب من الـ100% ستكون الزوجة هي المُصاحبة له، بل الأكثر من هذا عندما يكون الزوج مُصابا بالفشل الكلوي ويحتاج إلى زراعة كلى فسيكون أول المتطوعين للتبرع هو زوجته، أما في حالة إصابة الزوجة بالأمر ذاته، فلن يكون الزوج، مع الأسف في كثير مما رأيت، احتمالا مطروحا للتبرع من الأساس”.

——————————————————————————————————-

المصادر

  1. Lupus
  2. In Sickness and in Health? Physical Illness as a Risk Factor for Marital Dissolution in Later Life
  3.  Men more likely than women to leave partner with cancer
  4. Men Leave: Separation And Divorce Far More Common When The Wife Is The Patient

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى