صلاح الدين عووضة يكتب : الفورة 50!!
صلاح الدين عووضة يكتب : الفورة 50!!
وكذا الحرارة..
حرارة الجو هذه الأيام..
أما عبارة الفورة 50 هذه فهي من مصطلحات لعب الورق… أي الكتشينة..
وفي مثل حر هذه الأيام لا يعود العقل صالحاً للفورة..
لا فورة الورق… ولا فورة أي شيء..
وإنما هي الدرجة الحرارية التي يُمنع فيها – عالمياً – على البشر ما يزيد الحرارة..
حرارة الجسد… أو العقل… أو حتى العاطفة..
وإنما المطلوب – عند بلوغ درجة الحرارة 50 – هو السكون… والهمود..
ولكني أذكر فيلماً بلغت فيه العاطفة درجة الحرارة..
وكان يحكي عن غزوٍ فضائي لكوكبنا مصحوبٍ بارتفاع في درجة الحرارة..
فهل مصدر الحرارة مخلوقات الفضاء تلك؟..
أم مركباتهم الفضائية التي ما أن تهبط على مدينة حتى تبلغ درجة حرارتها 50؟..
وربما أكثر من فورة – أقصد – درجة 50 هذه..
لا أذكر الآن؛ فمع مثل حرارة أيامنا هذه يصعب على العقل تذكر التفاصيل..
ولكني أذكر فورة حرارة العاطفة..
وهي فورة لدى البالغين من ذكور كوكبنا – بشراً وحيواناً – دون إناثه..
وينصاع المواطنون إلى توجيهات مسبقة بالاختباء..
الاختباء من الغزاة والحر – معاً – داخل ملاجئ معدة تحت سطح الأرض..
ولكن الإناث يخرجن – مذعورات – تباعاً من المخابئ..
ولا يشرح لنا الفيلم – أو ربما شرح وما عدت أذكر – أسباب ذاك المسلك الأنثوي..
فهو أشار إلى تنامي حرارة العاطفة عند الذكور..
فهل الإناث فضلن – إذن – خطر الغزو الفضائي على خطر الغزو الذكوري؟..
أم أنّ محاولة الهرب من الحر دفعتهن إلى أصل الحر؟..
وربما كانت هنالك رسالة أراد الفيلم توصيلها عبر هذا المسلك الأنثوي..
والذي هو رد فعل لمسلكٍ ذكوري هو نفسه رد فعل..
أما المتسببون في كلا ردي الفعل هذين فقد بدوا مذهولين من هرب البشر..
فهم لم يُواجهوا بأدنى مقاومة من تلقائهم خلافاً لتوقعاتهم..
ما كانوا يظنون أن رجال الأرض – العاشقين للحروب – ضعاف إلى هذا الحد..
وما دروا أن الرجال هربوا من حرهم… لا قوتهم..
أو ربما لولا الحر – الذي عطل مقاومتهم وألهب عاطفتهم – لكانوا واجهوهم..
وانتشر الغزاة في الأرض فرحين بانتصارهم..
فقد دانت لهم الأرض ببشرها… وشجرها… وحيوانها… وجبالها… وأنهارها وسمائها..
ولكن كانت للسماء هذه كلمة لم يلقوا لها بالاً..
فقد أبرقت… وأرعدت… وأمطرت… وأطفأت نيران الحر والحرائق والعواطف..
وأطفأت – كذلك – نور الحياة في داخل كلٍّ منهم..
وبذا انتهى الفيلم… انتهى بموت الغزاة… ولم تنتهِ – إلى يومنا هذا – حيرتي إزاءه..
حيرتي إزاء المغزى منه..
والبارحة حرت إزاء اختفاء العصافير من تحت أشجارٍ هربت إلى ظلها من الحر..
تماماً كهرب البشير ذاك إلى الملاجئ من حر الغزاة..
وهي أشجارٌ أمام بيتنا ما كنت أجلس في ظلها أبداً… ولكني فعلت لأول مرة..
ففورة الحر كانت 50… والكهرباء مقطوعة كعادتها..
فهربت إلى ظلها لأُفاجأ بهرب أطيارها – وعصافيرها – إلى مكانٍ لا أعلمه..
فلم أسمع زقزقة… ولا شقشقةً… ولا حتى شخشخة..
فكانت ساكنة – أشجارنا هذه – وهامدة؛ أفرعاً… وغصناً… وصفقاً… وورقاً..
كسكون كل أحدٍ – وكل شيء – آخر في ذلكم النهار..
حتى الكلاب كانت ساكنة؛ بما فيها التي تُسمى كلاب الحر – أو الهجير – منها..
فتمنيت أن يكون هو السكون الذي يسبق العاصفة..
الذي يسبق أي حركة – هوائية – تخفف من وطأة الحر… حتى ولو عاصفة ترابية..
عدا رجلين مرا من أمامي لم يكونا ساكنين..
وكان أحدهما يقول للآخر: حر جو… وحر جيب… وحر جبريل؛ هذا كثيرٌ علينا..
ويعني بجبريل هنا وزير المالية..
والذي نُصح – قبل يومين – بالبحث عن موارد لخزينته بعيداً عن جيب المواطن..
ولا أدري إن كان الرجل انتبه لحروف الجيم هذه أم لا..
فهو ذكر مصادر ثلاثة للحر يبدأ كل منها بحرف الجيم؛ جو… وجيب… وجبريل..
وكانا – هو وصاحبه – في فورة الغضب..
وفورة الغضب هذه نفسها كانت في فورة الحر؛ ووجدت نفسي أشاطرهما الغضب..
وربما غالبية السودانيين يجدون أنفسهم كذلك..
وكنت قد حذّرت من سكونٍ – كسكون أجواء طقسنا الساخن – إزاء جبريل هذا..
سكون من تلقاء برهان… وحميدتي..
وقد يكون هو الذي يسبق العاصفة كذلك… عاصفة فورة ليس لها سوى اسم واحد..
الفورة 50!!.
المصدر : الصيحة