سنهوري عيسى يكتب : (الاستثمار) .. المخرج من الوضع الاقتصادي الراهن
(الاستثمار) .. المخرج من الوضع الاقتصادي الراهن
بقلم: سنهوري عيسى
أختلف خبراء الاقتصاد في توصيف الوضع الاقتصادي الراهن في السودان.. هل هو أزمة اقتصادية..ام تدهور اقتصادي.. ام كارثة اقتصادية .. ام سقوط في الهاوية .. ام تدحرج بسرعة نحو الهاوية .. ام ماذا…..؟
ولعل خبراء الاقتصاد اختلفوا ايضا في شكل الحل وتجاوز الوضع الاقتصادي الراهن في السودان.. كل حسب مدرسته الفكرية ، فأصحاب الفكر الاشتراكي لديهم رأي يستند لمدرستهم الفكرية ويتمسكون به حتى بعد أن تجاوزهم الواقع وتجاوز فكرهم الذي أصبح من الماضي… وأصحاب الفكر الرأسمالي المسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي يصرون على فرض فكرهم المدمر والمفقر للشعوب وبالياتهم التقليدية المتمثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، ووصفاتهم القاسية والتى ما ان طبقت في بلد إلا جعلت أهله ازلاء وفقراء ، بل فقدوا قدرتهم على شراء احتياجاتهم الأساسية.
وواقع الحال في السودان الآن يؤكد أن حكومة الفترة الانتقالية برئاسة دكتور عبدالله حمدوك لجأت إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وطبقت وصفاتهم من أجل إصلاح الإقتصاد وفق برنامجين للاصلاح إنتهي الأول عمر سنة في يونيو من العام الماضي ، وبدأ البرنامج الثاني بعد إنتهاء الأول وسيستمر لأكثر من ثلاث سنوات..
وظهرت نتائج وصفات صندوق النقد الدولي القاسية بوضوح بتاثيراتها السالبة علي معاش الناس وزيادة اسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني الذي تم تعويمه ولم يجد أحدا لينقذه من الغرق، كما فقد الجنيه السوداني قوته الشرائية واذدادت معدلات التضخم والفقر والبطالة والجريمة المنظمة، بفضل فقدان القيمة التبادلية للجنيه أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار الوقود والغاز والخبز ورفع الدعم عن كل السلع الأساسية باستثناء الكهرباء التي تم تطبيق زيادة في أسعارها أو خفض في الدعم كما نصت وصفات وورشتات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والذين علاقا دعمهما للسودان منذ صدور قرارات قائد الجيش في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي.
ويبقى السؤال قائماً ما المخرج من الوضع الاقتصادي الراهن الذي يعاني منه الاقتصاد السوداني بعد فشل وصفات وورشتات صندوق النقد الدولي .. وفشل نظريات أصحاب الفكر الاشتراكي…..؟
والإجابة على هذا السؤال تبدو سهلة ومنطقية ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية.. ومغامرة ومخاطرة من رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين والأجانب والشركاء وأصحاب المصلحة..
فالحل أو المخرج من الوضع الاقتصادي الراهن يمكن في الاستثمار الشجاع وليست الاستثمار الجبان القائم على الانتهازية والطفيلة والكسب السهل.
ويبدو الاستثمار هو المخرج من الوضع الاقتصادي الراهن لعدة أسباب في مقدمتها توفر فرص الاستثمار والميزات النسبية في السودان، وزيادة الحاجة
لتدفق رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية.. وتوفر فرص الاستثمار حتي في مجالات البنية التحتية المطلوبة لتهيئة المناخ المناسب للاستثمار من كهرباء وطرق ومياه وعنصر بشري وغيرها من المقومات الأساسية التي تشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والوطنية.
وتبدو الحاجة الملحة لحفظ قيمة النقود من التاكل و ايجاد مصدر دخل لتأمين الاحتياجات الأساسية أكبر محفز للاستثمار الوطني في ظل الوضع الاقتصادي الراهن وتراجع قيمة العملة الوطنية الجنيه، ولذلك دفعت الحاجة الملحة ، بل شجعت كثير من السودانيين لولوج مجالات الاستثمار المختلفة، خاصة بقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الصغيرة والحرفية والخدمات العامة ، كما حفزت المرأة السودانية لولوج كافة المجالات الاستثمارية.
وظهرت نتائج الاستثمارات المحلية القائمة على الحاجة الملحة بوضوح بعد جائحة كورونا التى أدت إلى إغلاق البلاد، ودفعت هؤلاء للاستثمار فى الفرص الاستثمارية بمناطقهم وولاياتهم، بغرض تحسين مستوى المعيشة، وحققوا نجاحات باهرة يسمح المجال لذكرها، لكن الشواهد كثيرة خاصة في القطاع الزراعي والصناعي .
والان هنالك فرص لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار الاستراتيجي والامني، بعد الحرب الروسية الأوكرانية والتى ستجعل كثير من الدول تبحث عن فرص استثمارية لتأمين الاحتياجات الأساسية من السلع الأساسية والخدمات، من منظور أمني واستراتيجي، وسيكون السودان ملاذا لرؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن تأمين احتياجاتها خاصة تلك الاستثمارات القائمة على الصناديق السيادية للدول سواء دول الخليج أو الدول العربية والإسلامية والصديقة، أو الدول الكبرى كروسيا والصين والهند والبرازيل ، وبالتالي سيذداد الطلب على الاستثمار في السودان في كافة المجالات خاصة الطاقة والغذاء بغض النظر عن تدهور قيمة العملة الوطنية أو الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التى تعيشها البلاد لأن هذا النوع من الاستثمار الاستراتيجي والامني لا يبحث عن تحقيق الأرباح ، بل يبحث تحقيق مصالح استراتيجية وأمنية .
وستذداد رغبة رجال الأعمال السودانيين في إقامة إستثمارات جديدة وتوسيع استثماراتهم القائمة الآن، ليخلق الطلب على الاستثمار فرصا للعمل وتحسينا للاوضاع المعيشية للمواطنين.
ولكن المطلوب من الحكومة السودانية توجيه الإستثمارات نحو خدمة مصالح الشعب السوداني، وحل المشكلة الاقتصادية، بتوجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية في الزراعة والثروة المعدنية والصناعات التحويلية والاستخراجية من نفط وغاز وذهب ومعادن اخري، وبناء شراكات استراتيجية وأمنية واقتصادية وسياسية باستخدام الفرص الاستثمارية طريقا لبناء مثل هذه الشراكات، وتشجيع القطاع الخاص الوطني لولوج مجالات الاستثمار ذات العائد السريع والمحرك للطلب الكلي في الاقتصاد، والانتاج الصادر واصدار السياسات الاقتصادية المحفزة .. وتعظيم مصلحة الوطن علي المصالح الشخصية والحزبية الضيقة ، واستغلال التغييرات التي تشهدها الساحة الدولية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا باتخاذ موقف يحقق مصلحة البلاد والعباد، والبعد عن سياسة (مسك العصا من النص) ، أو الحياد السلبي والاستفادة من تجربة حرب الخليج.
اللهم هل بلغت فاشهد.