سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..الشرطة السودانية: درع الوطن في عيدها ال71

سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..الشرطة السودانية: درع الوطن في عيدها ال71
في بلدٍ ينهض كل صباح على وقع التحوّلات المتسارعة وتتناوبه التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية تقف الشرطة السودانية عند نقطة حرجة بين الواجب الوطني ومتطلبات واقع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم فهي مؤسسة تعمل في قلب المشهد لا على أطرافه وتواجه مسؤولية مضاعفة في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى كل جهد يضمن بقاء دورة الحياة المستمرة ويمنح المواطن حقه البديهي في الأمن والطمأنينة وحين ينظر السوداني إلى رجل الشرطة
فهو لا يرى مجرد زيّ رسمي بل يرى حضور الدولة بكامل معناها قوتها وانضباطها وقدرتها على حماية الناس في أدق الظروف فالشرطة بما تملكه من احتكاك مباشر بالمواطن تتحمل عبئاً يومياً يختبر صبر أفرادها قبل مهاراتهم ويضعهم في الصف الأول لمواجهة تحديات لا تعرف التوقف ورغم قسوة التفاصيل اليومي، يواصل أفراد الشرطة انتشارهم في الطرقات والأسواق والمستشفيات والجامعات محافظين على انتظام الحياة العامة في وقتٍ تنعدم فيه الظروف المثالية للعمل إنه جهد قد لا يُرى كاملاً لكنه يظل أساس الاستقرار وضمانة لسلامة المجتمع
ولا يمكن المرور على المشهد الأمني دون الإشارة إلى الإرث الذي مرت به الشرطة السودانية عبر عقود طويلة إرث يحمل ما هو مهني وما هو سياسي، ويحتاج اليوم إلى إصلاح عميق يؤسس لشرطة حديثة تستند إلى القانون وحده وتعمل بمعايير تدريبية وتقنية متقدمة فالتطوير بات ضرورة لا تحتمل التأجيل ويشمل تحديث أساليب العمل والرقمنة وتوسيع قدرات التعامل مع الأزمات والاحتجاجات إضافة إلى تكريس ثقافة احترام حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية والمساءلة وهي أمور تمثل أساس تجديد الثقة بين الشرطة والمواطن
وخلف البلاغات الرسمية وروتين العمل اليومي تقف قصص إنسانية كثيرة لا تصل إلى الناس لكنها تعبّر عن وجهٍ آخر لمنسوبي الشرطة وجه يحمل في طياته التضحية والتفاني والصبر ضابط يشق طرقاً وعرة ليصل إلى منطقة منكوبة شرطي يعيد الطمأنينة لطفل تاه عن أسرته دوريات ليلية تجوب أحياء مهمّشة تحتاج إلى الأمان أكثر من أي وقت آخر هذه المشاهد وإن غابت عن الأضواء، تظل جزءاً أصيلاً من ملامح العمل الشرطي وتؤكد أن الأمن رسالة إنسانية قبل أن يكون مهمة قانونية
وفي عصر تتغير فيه مفاهيم الأمن يصبح من الواضح أن مستقبل الشرطة السودانية لن يُبنى على القوة وحدها بل على الشراكة مع المجتمع الناس اليوم يريدون شرطة قريبة منهم تستمع قبل أن تأمر وتتفهم احتياجاتهم قبل أن تتخذ إجراءاتها ومن هنا تأتي أهمية الأمن المجتمعي الذي يجعل من الشرطي جزءاً من نسيج الحي لا زائراً عند الأزمات ويجعل من المواطن شريكاً في صناعة الأمن عبر المشاركة والوعي واحترام القانون.
وفي هذا العام تحتفل الشرطة السودانية بعيدها الحادي والسبعين وهو احتفال يتجاوز الرمزية إلى وقفة تأمل في تاريخ طويل من العطاء والعمل عيد الشرطة يمثل مناسبة لتقدير جهود العاملين في هذا الجهاز وتجديد العهد على الالتزام بالمهنية واحترام القانون وهو فرصة أيضاً لتذكير المجتمع بأن الأمن ليس مسؤولية جهة واحدة بل مسؤولية وطن كامل فالاحتفالات بالعيد (71) تأتي والسودان يمر بمرحلة استثنائية ما يمنح المناسبة عمقاً أكبر ويجعل من شعارها دعوة صادقة لتعزيز التعاون بين الشرطة والمواطن وترسيخ قيم الانضباط والعدل والتكامل بين مؤسسات الدولة
وفي كل دول العالم تعد الشرطة المرآة العملية لمدى قوة الدولة وفاعليتها فهي أول ما يلمسه المواطن وآخر ما يلجأ إليه عند الخطر. وإن نجح السودان في بناء شرطة مهنية مستقلة ورشيقة فإنه يكون قد وضع الأساس لأحد أهم أعمدة الاستقرار فالشرطة ليست أداة لتنفيذ القوانين فقط بل هي الجزء الحيوي الذي ينظم شؤون الحياة اليومية من المرور إلى الأمن إلى حماية الخدمات العامة وكلما ارتفع مستوى أدائها اتسعت مساحة الأمان وانكمشت مساحات الفوضى
في حرب الكرامة برزت الشرطة السودانية كدرع قوي يحمي الوطن والمواطنين و لعبت دورًا محوريًا في حماية المدنيين وتأمين الطرق والمعابر وتقديم المساعدات للأسر المتضررة وتوفير الرعاية الصحية والعلاج
حققت الشرطة انتصارات ميدانية هامة وأسهمت في تأمين الحدود الوطنية وتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المحررة إن إنجازاتها تثبت أنها ستظل دائمًا في مقدمة الصفوف تدافع عن الوطن والمواطنين.
أشارة
توفير المعينات الشتوية والصيفية لمنسوبي الشرطة وتوفير مركبات الدوريات والترقيات والمرتبات المجزية كلها خطوات تعكس التزام القيادة العامة للشرطة بتوفير بيئة عمل محفزة وآمنة لمنسوبيها مما يعزز من قدرتهم على أداء مهامهم بفعالية وكفاءة ويعكس التزام الدولة بتقدير وتكريم أبنائها من رجال الشرطةالاوفياء .
فاصلة
ورغم ما تمر به البلاد من تحديات تبقى الشرطة السودانية قادرة على أن تكون ركيزة مهمة في بناء مستقبل أكثر استقراراً. ويتطلب ذلك إرادة إصلاحية حقيقية تعيد للمؤسسة الشرطية مكانتها الطبيعية وتحميها من التجاذبات وتدعمها لتكون نموذجاً للدولة التي يحلم بها المواطن دولة القانون الاحترام والانصاف إن بناء شرطة ترقى لطموحات السودان الجديد ليس مجرد مشروع أمني بل هو مشروع وطني يعيد الثقة للوطن .
اللهم آمنا في أوطاننا





