الأخبارفن

زاره والي الخرطوم وحيا صموده في زمن الحرب

الرمز أبوعركي البخيت .." هز وتر الازمنة"

زاره والي الخرطوم وحيا صموده في زمن الحرب…

الرمز أبوعركي البخيت ..” هز وتر الازمنة”

والي الخرطوم يعبر إلى بيت الصمود حيث أبو عركي البخيت

عركي قامة تقف على حافة الحرب وتغني للوطن

الفنان الكبير يروي للوطن قصته مع الحرب والصبر..

صوته يعزف ألحان البقاء رغم العواصف ..وأغانيه تاريخٌ ينحاز للوطن والإنسان

صاحب اغنية “تعالوا نغني “يجسد مقولة.. الفن وطن لا يعرف الهزيمة

الفنان المناضل يحول المحنة إلى أمل بأغنياته الخالدة

الخرطوم | العهد اونلاين
الكرامة :رحمة عبدالمنعم
في زاوية هادئة غربي استاد المريخ بأمدرمان، حيث تستكين المنازل أمام عاصفة الحرب التي تعصف بالخرطوم، وقف منزل أبو عركي البخيت ثابتاً، كما صاحبه الذي ظل مرابطاً في أرضه، لا يغادرها رغم المحن، في هذا المشهد الملهم قام والي الخرطوم احمد عثمان حمزة، برفقة المدير العام لوزارة الثقافة والإعلام والسياحة، الطيب سعد الدين، بزيارة تحمل دلالات أعمق من البروتوكولات الرسمية. إنها زيارة لرجل ” هز وتر الازمنة”.. ليس موسيقاراً عظيماً فحسب بل ظل رمزاً وطنياً صمد أمام تقلبات الزمان.

صمود يتحدى الحرب

في أزقة الحياة التي أرهقتها الحرب، تظل هناك قناديل مضيئة تأبى الانطفاء، وشخصيات بحجم الوطن تتحدى المحن بصمودها، ومن بين هذه القامات الشامخة، يبرز الفنان الكبير أبو عركي البخيت، الذي ظل قابضاً على جذوة الإبداع ومتشبثاً بأرضه رغم كل العواصف.
كان والي الخرطوم احمد عثمان حمزة، برفقة المدير العام لوزارة الثقافة والإعلام والسياحة، الطيب سعد الدين، في زيارة لبيت أبو عركي، المنزل الذي يقبع غربي استاد المريخ، شاهداً على عزيمة رجل لم يغادر داره منذ اندلاع الحرب. جدران البيت البسيطة احتضنت أحلامه ورفضه للنزوح، وشهدت حكايات من الصمود والصبر.
وقف الوالي مستمعاً إلى كلمات أبو عركي التي تقطر وطنية، وإلى رسائله التي خطّها في خضم المعاناة ،حيّا الوالي ثبات الفنان ومواقفه الراسخة، مؤكداً أن هذا الصمود هو امتداد لإرادة السودانيين الذين يواجهون الحرب بأمل وإصرار.

شموخ في وجه العاصفة
أبو عركي البخيت لم يكن يوماً مجرد فنان يطرب الناس بأغانيه هو رمزٌ لحالة من التحدي الدائم، صوتٌ ينادي بالعدل، وقلبٌ ينبض بالوطنية، لم يغادر منزله في الخرطوم رغم القصف والدمار، مؤكدًا أن الأرض هي الهوية، وأن الهروب ليس خياراً.
وعند اندلاع الحرب صرخ شامخا باغنية (بمشيئة الرب واكراماً لهذا الشعب/ حكموا صوت العقل/ صحوا ضمير القلب/ اوقفوا هذه الحرب) ،وغنى كذلك (تعالوا نشوف مما نلنا الاستقلال اتقدمنا ولا تاخرنا/ يا ساستنا الدنيا عجول).
هذا الصمود لم يكن وليد اللحظة؛ إنه جزء من شخصية رجل وُلِد عام 1947 في حي الدباغة بمدينة ود مدني، المدينة التي شكلت وجدان كثير من عظماء السودان. منذ طفولته، كان أبو عركي ينهل من نهر الإبداع، مستلهمًاً عبقرية الرواد كإبراهيم الكاشف، ليصبح لاحقًاً أحد أهم أعمدة الأغنية السودانية.

رسالة الفن في زمن الحرب
في حديثه مع والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، شدد أبو عركي على أهمية توحيد السودانيين تحت راية الوطن، داعياً إلى إعادة بناء السودان على أسس جديدة تنبذ الفرقة والشتات، لم يكن هذا الكلام مجرد شعارات؛ فقد جاء من فنان حمل على عاتقه هموم شعبه وغنى لهم في السراء والضراء.
لقد تجاوزت أغانيه المحلية، لتصل إلى محافل عربية وعالمية، من دمشق إلى بوسطن، حيث حمل رسالة الحب والسلام. أغنيته الشهيرة “بخاف” التي فازت بالمركز الأول في مهرجان دمشق للأغنية العربية عام 1976، ليست فقط شهادة على موهبته، بل على انحيازه الدائم للإنسان وقضاياه.

الوطنية بصوتٍ موسيقي
صوت أبو عركي البخيت ليس مجرد صوتٍ غنائي، بل هو وثيقة وطنية حية، امتزجت فيها كلمات الحب بالألم، والنضال بالأمل ،منذ بداياته في ود مدني، المدينة التي أنجبت ، كان واضحاً أن هذا الفتى سيحمل عبء الكلمة واللحن على كتفيه.
بدأت أغانيه الأولى بإيقاعات راقصة تنبض بالحياة مثل “حلوة عيونك روعة” و”دبلة الحب والخطوبة”، ثم سرعان ما انطلق بأغنيات أعمق وأثقل وجدانًا، كأغنيته الشهيرة “بخاف”. هذه الأغنية، التي فازت بالمركز الأول في مهرجان دمشق للأغنية العربية عام 1976، كانت شهادة على عبقريته الموسيقية، وصوته الذي يتقن استحضار الحزن والأمل في آنٍ واحد.
“مرسال الشوق”، “حكاية عن حبيبتي”، و”نور النوار”، و”جرح الوطن” “شردوك يا شعبي ” كلها كانت محطات في مسيرة أبو عركي، لكنها لم تكن مجرد أغانٍ عاطفية، بل رسائل حب للوطن، وتعبيرات عن نبض الشعب، بصوته العميق المميز، استطاع أبو عركي أن يجمع بين المدرسة الكلاسيكية السودانية وتجديد الموسيقى بأسلوبه الخاص، ليصبح صوتاً لا يشبه أحدًا.
لم تكن هذه الأغاني مجرد ألحان عابرة، بل أصبحت جزءاً من ذاكرة السودانيين الجمعية، تصاحبهم في أفراحهم وأتراحهم. وبفضل إبداعه، شارك أبو عركي في مهرجانات عربية وعالمية، منها مهرجان “ربيع سوق واقف” في قطر عام 2014، حيث وقف على منصة الختام وقدم أغنياته أمام جمهور عربي ودولي.
بل إن تكريمه لم يتوقف عند الحدود العربية؛ فقد حظي بتقدير عالمي عندما شارك في حفل تخرج ابنه محمد المجتبي من جامعة بيركلي للموسيقى في بوسطن، إحدى أشهر الجامعات الموسيقية في العالم. هناك، وقف الفنان السوداني الكبير يشهد امتداد إرثه الفني في ابنه، في لحظة رمزية تعكس استمرارية رسالته.

الصوت الذي لم ينكسر
أبو عركي البخيت ليس مجرد فنان، بل هو صوت السودان الذي يغني للحرية والحب رغم الجراح. صموده أمام عسف الأنظمة السابقة، وحرب الحاضر، جعل منه رمزًا للشموخ السوداني الذي لا ينحني.
ورغم محاربة نظام الانقاذ له ومنعه من إقامة حفلاته، ظل أبو عركي صامداً، يُحيي الأمسيات بمبالغ زهيدة، فقط ليكون مع الناس ومن أجلهم ،تضامن الشعب معه لم يكن فقط حباً لأغانيه، بل إجلالًا لموقفه الصلب، واليوم، في زمن الحرب، يظل أبو عركي رمزاًً حياً للصمود، يشارك جيرانه معاناتهم ويطالب بحقوقهم، كما تعهد الوالي بتقديم دعم عاجل لهم.

زيارة تتخطى الرسميات
زيارة والي الخرطوم لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت تكريماً لرمز من رموز الوطن، التقاء المسؤول بالفنان في هذا السياق يعكس عمق العلاقة بين القيادة والمواطنين الذين ظلوا مرابطين في أرضهم.
في النهاية، يبقى أبو عركي البخيت أكثر من مجرد فنان. إنه تاريخ حيّ، صوتٌ للوطن، وقلبٌ ينبض بحب السودان رغم كل ما مرّ به. وكما غنى يومًا: “نحن معاكم، وين ما نمشي قلوبنا هناك”، يظل صوته حاضراًً في قلوب السودانيين، ملهماً إياهم للمضي قدمًا رغم كل العثرات والتحديات.

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى