د. محمد يوسف قباني يكتب : مسيد شيخ الأمين.. تجربة سودانية إنسانية جديرة بالتقدير والاحترام..
د. محمد يوسف قباني يكتب : مسيد شيخ الأمين.. تجربة سودانية إنسانية جديرة بالتقدير والاحترام..
بصفتي أحد سكان حي الملازمين بأمدرمان القديمة، أود أن أسطر بعض الكلمات عن تجربة فريدة وجديدة .. تجربة إنسانية محفودة ومحشودة بالمعاني الإنسانية الراقية. تجربة عايشناها جميعا ورأيناها بأم عيوننا في
مسيد الشيخ الجليل الكريم – شيخ الأمين عمر الأمين إبان بداية الحرب في أبريل 2024م وحتى الآن.
ومعلوم للجميع أن مسيد شيخ الأمين ظل يقدم الطعام والدواء والماء وكل عناصر الحياة، واحترام الذات
الإنسانية الحية والميتة لفترة طويلة تعدت العام. تجربة مسيد شيخ الأمين – تجربة جديرة بالاهتمام والتقدير والاحترام وحتى التوثيق والتعلم منها ونقلها وتبادلها للأجيال. فما يتم تقديمه، وبكل كرم وذوق وبشاشة
وتفاني يتخطى حدود التحديات والمعيقات التى كانت تحيط بكل مدينة أمدرمان القديمة منذ بدء الحرب في أبريل 2023 حتى الآن.
أن يتخطى مسيد شيخ الأمين التربية الدينية فقط وإرشاد المريدين (ذات المريد فقط)، ويحول ويعكس
هذه التربية ويترجمها إلى أخلاق تعامل وأفعال وأقوال ومواقف تنعكس على نطاق اجتماعي اوسع لظاهرة حميدة أثلجت صدور الكثير وارتقت بالمفاهيم الصوفية
الراقية وارتفعت بها من حدود تربية الإنسان لذاته إلى النطاق الواسع من محيطه المجتمعي ليكون مؤثرا وخادما ومفيدا لبيئته الاجتماعية ومحيطه المجتمعي الكبير وحاضنته الإنسانية القريبة.
أدهشني هذا العطاء لأنه عطاء في أيام عصيبة دون غيرها من سالف الايام حيث تكالبت فيها كل الظروف بما يهدد سلامة الإنسان وأمنه وأمانه وحتى عافيته ووضعه الصحي.
فشكل مسيد شيخ الأمين عملا بل أعمالاً صالحة رائعة في خدمة لإنسان المنطقة مثل غسل وتجهيز ودفن وإكرام الموتى، المعاناة في توفير وشراء ونقل المواد الغذائية والتمونية الضرورية والأساسية، تقديم الخدمات
والرعاية الطبية المتكاملة وحتى الأدوية المزمنة وكلها مجانا ودون مقابل، نقل وتوفير الماء، توصيل الكهرباء، نقل وترحيل أصحاب الأوضاع الصحية غير المستقرة وأصحاب الظروف الاستثنائية، تقديم 3 وجبات الطعام كل يوم مع الخبز والكسرى السودانية،
وفوق وعلى ذلك ابتسامة وبشاشة شيخ الأمين الدائمة رغم مرارة الحزن على الحال الحزين وعلى المتوفين من من كانوا سندا في خدمة إنسان أمدرمان القديمة بالمسيد. فالخدمة تخطت حيز المسيد الجغرافي، فيرسل شيخ الأمين حيرانه ومريديه إلى الجيران أصحاب
الأعذار وخصوصا النساء من كبار السن والمقعدين متفقدين لهم ولأحوالهم حاملين له ما لذ وطاب بطيب بنفس ونكران للذات، عطاء من لا يخشى الفقر.
تجربة جديرة بالتوثيق والقراءة والبحث والتأمل والاستحسان والثناء وتثمينها ونقلها للأجيال وحتى
لمنظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية.
أن ينتقل شيخ الأمين بالمسيد من الاهتمام الروحي فقط بتغذية الروح بالأذكار والصلاة والسلام على سيدنا النبي المختار إلى ترجمة نتائج هذه التغذية الروحية للمريدين
للعمل في خدمة الإنسان كل الإنسان – مسلم وغير مسلم – مسيحي أو لا ديني – انها حقا تجربة يجب أن تدرس في منظمات المجتمع المدني، فمنظمات المجتمع المدني لها تخصص في نطاق واحد محدد، أما المسيد فتوسعت
خدماته الصادقة إلى الكثير منها ما هو المادي، ومنها ماهو المعنوي، ومنها ما هو النفسي، ومنها ما هو الاجتماعي، ومنها ما هو التنموي، وخصوصا إكرام الأحياء والأموات، البشاشة لكل الضيوف والسائلين، وعلى ذلك
بشاشة وتحنان لحظات تقديم العطاء حتى لا يشعر السائل بالضيم أو دونية مكانتة الاجتماعية الشيء الذي أوجد روحا وقبولا وتعاون وإلفة واحتراما وتقديرا من الجميع لشيخ الأمين ومريديه وحيرانه.
أن تدافع عنك اعمالك وافعالك ومواقفك.. يعتبر هذا توفيق من الله وعناية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلقد كنا نسمع مقولة قديمة عن حيران شيخ
الأمين: حيرانو جكسي ومحايتو ببسي. فيشاء الله القدير أن تتحول هذه المقولة بأفعال المسيد الصادقة وخدماته المخلصة إلى: حيرانو فرسان ومحايتو ضمان واكلو أمان وتعاملو تحنان.
أمام ما تم تقديمه في مسيد شيخ الأمين ولا زال يقدم .. إنسان مدينة أمدرمان القديمة لا يملك كلمات توفي قدرهم وصنيعهم .. إلا أن الأفئدة تحبهم وتدعو لهم الله تعالى دوما بتمام العافية والبركة والتوفيق والسداد والنجاح الدائم والحفظ والستر الجميل في الدنيا والآخرة.