د. محمد المجذوب يكتب: لماذ تغير الموقف الامريكي من السودان؟

د. محمد المجذوب يكتب: لماذ تغير الموقف الامريكي من السودان؟
ان ما أدلى به وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي يعتبر بمثابة نعي رسمي لما تقوم به الرباعية من جهود للوساطة وللهدنة بالإشارة الواضحة الى وجود طرف – لم يسمه – يقف وراء حرب الجنجويد فى الرباعية كما انه لم يساوي ولأول مرة بين الطرفين فى حرب السودان؛ متهما الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
اللقاء جرم الدعم السريع وفضح داعميه الاقليميين (الامارات تشاد ليببا حفتر وآخرين)؛ وكشف عن نواياهم في الغدر إذا وقع إتفاق هدنة ملغومة بل ذهب أبعد من ذلك بقبوله تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية.
ولكن السؤال المطروح هنا ؛ هو لما هذا التحول الدراماتيكي في موقف الإدارة الأمريكية الرسمي من الحرب فى السودان؟؛ علما بأنها كانت توفر الغطاء الدولي فى الموسسات الدولية بل والسلاح الفتاك فى المعركة؛ بينما كانت روسيا والصين تستخدمان حق الرفض (الفيتو) في قرارات معادية للسودان ؛ كانت تدعمها وتقف وراءها بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية؟.
لا يبدو لى الموقف الأمريكي متناقضا بحسب الفلسفة السياسية التى تحكم العقل السياسي الأمريكي؛ ففى سياقات الفلسفة البراغماتية فإنه يمكن للمؤسسات السياسية الأمريكية الرسمية؛ التخلي مؤقتا عن إسناد ايه مشروع او سيناريو معد من قبل مطابخ صناعة القرار الامريكي؛ لأنه فقط لم يعد مشروعا ناجحا من الناحية العملية؛ وانه لا يمكن الذهاب به الى نهاية الشوط بحساب الأرباح والخسائر ؛ النجاح والفشل؛ لا من منظور الحق والباطل من الناحية الاخلاقية او القانونية او السياسية او غيرها.
وهذا ما حدث مع معركة طوفان الاقصى فى غزة؛ مما دفع بالرئيس الامريكي للاسراع إلى تلافي الأثر السالب على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية فى العالم فسارعت الي تبني عملية سلام لصالحها ولصالح ربيبتها بالمنطقة.
وهنا فى الحالة السودانية فان أسباب ( التحول المؤقت) في الموقف الامريكي يعود الى ان معدلات الفظائع والجرائم التى ارتكبها الدعم السريع في الحرب خاصة في مدينة الفاشر المكلومة؛ لم بعد بالإمكان صرف النظر عنها فى الداخل الامريكي؛ وقد تحولت إلى قضية رأي عام عالمي ضاغط على متخذ القرار الأمريكي؛ وإلا دخل هذا الأخير فى مواجهة في غير صالحه أمام الناخب الأمريكي.
كما ان واقع الحرب والغطاء الدولي الذي وفره الطرف الامريكي فى الحرب؛ ما دفع السودان عمليا للذهاب نحو روسيا وتركيا وقطر وباكستان وربما الصين وإيران ليست ببعيدة عن المشهد؛ ومعلوم ان ذهاب السودان الى الشرق فى مثل هذه الظروف سيكون ذهابا بلا عودة.
ثم ان الحرب في السودان قد تحولت من كونها حرب أهلية في المنظور الأمريكي الى حرب نفوذ جيوسياسية فى افريقيا؛ مما يعني تسارع معدل تدخل الكبار فى السياسة الدولية بحثا عن النفوذ قبل الموارد والذهب؛ وهذا عامل اخر جعل السياسية الأمريكية تتغير إزاء حرب السودان؛ ربما لحفظ ما تبقى لها من نفوذ فى القارة الافريقية ولتجد فرصتها من مصالح الاعمار لما دمرته الحرب؛ كيف لا وهي من تنظر إلى نفسها بوصفها صانع سلام السودان.
ولذلك فان المطلوب هو الاستمرار في ترويج الحملة الاعلامية الكاشفة لجرائم الجنجويد امام الرأي العام العالمي؛ فى السودان والفاشر بصفة خاصة؛ وفضحها وفضح الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لها خاصة تلك اللوبيهات التي تحركها أموال الإمارات فى الداخل الأمريكي.
كما لابد من أولوية الحسم العسكرى واستمرار الاستنفار والتعبئة العامة فى الداخل؛ فهذه الأمور تكون حاسمة فى سيناريهات متخذ القرار الأمريكي الذي يؤمن بالقوة ويحترم الاقوياء كقيمة عليا في سياقات الفلسفة البراغماتية.
ذلك ان هذا التحول _ وان نجح _ في إنهاء الحرب؛_ وهو أمر مشروط بمتغيرات اخرى كثيرة _ فإنه لا يعني تغيرا جوهريا وصرفا للنظر عن مشروع تقسيم السودان المعلن؛ كل ما هنالك ان الكيد الغربي سيتحول الى سيناريو اخر وإلى اداة اخرى.
#ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.





