د. محمد المجذوب يكتب : البيت الأبيض والبراغماتية السياسية

د. محمد المجذوب يكتب : البيت الأبيض والبراغماتية السياسية
مخطئ من ظن أن الإدارة الأمريكية ليست علي علم بمجريات الحرب في السودان ؛ اهدافها ونوياها وطبيعتها، وان لم تكن مهتمة بها ؛ كيف وهي شرطي العالم الذي ظل يوفر الغطاء السياسي الدولي للحرب فى دهاليز الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؛ بالقدر الذي يجعلها شريكا في الحرب على السودان.
لكن استهبال الإدارة الأمريكية راجع في الأساس الي فشل السيناريو المعد للاستيلاء على السودان؛ أعني استيلاء الدعم السريع على الدولة وهدمها ؛ وذلك بسبب وقفة الشعب السوداني وجسارة جيشه؛ فضلا عن تورط الدعم السريع في جرائم إبادة عرقية وجرائم ضد الإنسانية لم يعد بالإمكان طمسها أو الدفاع عن الدويلة الممولة لها.
وسيكون من السهل- براغماتيا _ على الإدارة الأمريكية التوجه نحو سيناريو آخر؛ يحقق ذات الأهداف في الهيمنة على السودان وإن بطريقة ناعمة ؛ عبر بوابة صنع السلام في السودان واعطاء النفوذ والضوء الأخضر لدول أخرى.
السودان عليه ان يحسن التعامل مع تناقضات السياسية الدولية؛ فالدول مثل: تركيا والسعودية ومصر التى اوكلت إليها مهام النفوذ والحماية والاشراف علي امن البحر الأحمر أكثر حرصا من غيرها على استقرار السودان ووحدة اراضيه وصون سيادته؛ وهي بعيدة عن سيناريو الدويلة في تفكيك السودان وتحويله إلى إمارة كامارة الخليج تحكمها مليشيا جاهلة.
الرجوع إلى مقررات منبر جدة سيكون قاعدة مناسبة جيدة لحوار سوداني سعودي؛ تركي؛ مصري؛ لإنهاء الحرب وتفكيك المليشيا المتمردة وخروجها من المدن وجمع سلاحها؛ وهو ما يمكن ان تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية متى ما تبنته مجموعة الثلاث.
تفاهمات واشنطن لا تلغي العلاقات القوية مع الشرق؛ اذ يمكن ان تساهم الصين وروسيا في عمليات إعادة الاعمار؛ مع الإعلان عن تحالف عسكرى واتفاقية دفاع مشترك مع تركيا او السعودية؛ تجلب الأمن للسودان؛ وتتقبلها دول المنطقة وإن على مضض.
المسارات السياسية المرفقة بمنير جدة بطبيعتها معقدة فى الحالة السودانية؛ فموقف الشعب السوداني من قوى الحرية والتغيير باطوارها وتمحوراتها المختلفة هو موقف العداء السافر ضدها؛ إذ لم تعد النظرة الشعبية إليها كقوى سياسية يتم التعامل معها فى سياق الاختلاف أو الاتفاق السياسي.
القوى الوطنية والإسلامية بحاجة إلى توظيف البيئة السياسية المواتية لبناء كتلة الكرامة الوطنية كارادة سياسية مرحب بها في الداخل؛ وبامكانها الانتظار في مكان قريب من السلطة؛ بوصفها القوى صاحبة المصلحة الحقيقية من انتخابات عامة ما بعد الحرب.
واقع ما بعد الحرب سيغلب عليه الطابع العسكري والامني؛ بغية معالجة الآثار الامنية والاجتماعية المعروفة بعد الحرب؛ ولكن الشق العسكرى يحتاج إلى شق حكومي سياسي قادر على أحداث اختراقات اساسية في ملفات إعادة بناء الدولة وإصلاح مؤسساتها المختلفة؛ وهو ما يحتاج الى الدفع بمبادرة العدالة والمصالحة الوطنية الشاملة كمنصة للإصلاح السياسي الشامل في السودان.
#السياسة تناقضاتها كثيرة ومن يحسن إدارة مدافعاتها فهو كاسب بلا شك.





