د.على الله عبدالرازق على الله يكتب : المصالحة الوطنية و ابراء الجراح — ضرورة ملحة لسودان المستقبل..
*المصالحة الوطنية و ابراء الجراح — ضرورة ملحة لسودان المستقبل..*
بقلم:
*د.على الله عبدالرازق على الله* .
*باحث و اكاديمى* …
alalla@gmail.com
-١-
ليس من المستغرب ، فى ظل اوضاع السودان الماثلة فى الراهن ، التى تتصف بالهشاشة و السيولة بكافة جوانبها ، ان تدوام القوى السياسية والتنظيمات الأخرى على تغير مواقفها من موقع الى آخر ، بطريقة غير متناسبة مع الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة ، بالتالى فإن أدوار الفاعلين السياسيين ، فى تحقيق مصالحة وطنية و توافقا برضا فى سودان ما بعد ثورة ديسمبر ، التى شكلتها بالضرورة طبيعة الانتقال و العمل السياسى ، التى جرى التفاوض على و حول مستقبل السودان ، و هى ظروف تحكمت فيها مجموعة عوامل غير متوازنة و غير عادلة ، حيث تجلى ذلك فى الاعلان السياسى الناقص من جهه ، و الوثيقة الدستورية التى لم يلتزم بها بين الأطراف الموقعة عليها من جهة اخرى ، و الدور الكبير للفاعلين الخارجانيين (الدوليين ) من جهة ثالثة فى العملية السياسية الداخلية للسودان…هنا إذ لابد من تغير هذه الصورة المختلة ، لكى يرسم تصورات و مداخل و فرصا جديدة لادوار اكثر رشدا و حكمة للفاعلين السياسيين ، لإحداث حالة من التوافق ، و إجراء مصالحة مجتمعية ، لملأ الفراغ الماثل فى سودان ما بعد ثورة ديسمبر…
-٢-
الدولة السودانية ، ما بعد الثورة ، تمر بمنعطف و مرحلة تاريخية فى غاية التعقيد و الخطورة ، و هى مرحلة ان يكون او لا يكون دولة اسمها السودان ، يواجه فيها البلد مجموعة من التحديات فى ثلاث أبعاد: حفظ و استدامة السلام ، تحقيق التنمية الشاملة ، الحفاظ على كيان السودان ، و ما تبقى منه ، و هى تحديات فى غاية التعقيد و التركيب و التشابك فى خلية عصيه ، يتوجب على اهل السودان كسر هذه الخلية ، لكى تتحقق دولة السودان المتماسكة اهلا و ارضا ، التى ينشدها السودانيين ، حتى يتسنى ان ينظر المجتمع الدولي له من على البعد ، دولة مستقرة و جديرة بالاحترام و التقدير…
-٣-
هناك مجموعة من الادلة الماثلة ، تؤكد ان سودان اليوم ، لا يملك قدرة
للتصدى لهذه التحديات المشار اليها بعالية ، اذ التحدى الحقيقى يتمثل فى التصدى بالجملة و بالتزامن معا و برضا و توافقا يعلى من المصالح العليا للوطن ، لا يتحقق ذلك الا ، فى ظل أوضاع و مناخ ، يعقبه تطبيعا لمجمل الحياة السياسية..
-٤-
متوقع خلال القريب المنظور ، ان تبرز للسطح ميلاد قوى سياسية واجتماعية و ثقافية جديدة و تتسنم المشهد السياسي ، تتجاذب نحو أهداف و اتجاهات مختلفة ، تبذل كل واحدة من هذه القوى ما فى وسعها لتعظيم مكاسبها ، بوسائل ليست عنيفة بالضرورة….
-٥-
بالنظر إلى حالة الاستقطاب و التشرزم و الهيمنة الماثلة التى تحيط بالسودان من سيولة و هشاشة هيكلية فى كافة الجوانب ، فإن هذه التحديات الشائكة ، تشكل فى الواقع حركة خطية لا تقاطعية من قوى الى اخرى ، اى من السلام الى الحرب ، من العدالة و الحرية الى الظلم و الاستبداد ، عليه فإن تحدى الفاعلين السياسيين ، يكمن فى تحقيق مصالحة وطنية شاملة ، لا تقصى احدا ، تحفظ و تحافظ على التوازن المطلوب من ناحية ، و ترجح كفة القوى السياسية الأخرى من ناحية أخرى ، فى حالة تعرض سلامة و امن السودان للتهديد و الخطر ..
-٦-
على الفاعلين السياسيين فى ماثل اليوم ادوارا متعاظمة فى دعم عملية الانتقال و السلآم المنحزة جزئيا دون تضحية بالمصالح المباشرة لمتضررى حالة الاستقطاب ، و الحرب و غيرهم ، و ان تبذل جهدا فى تحقيق أشواق العدالة الاجتماعية و التنمية المنشودتين ، فى شكل سياسات و رؤى قابلة للتطبيق و التحقق ، واعمال منطق الاعمال الاستثمارية لاجل تحقيق تنمية متوازنة ، و تغيير قواعد لعبة الحوار من الوحدة الى الاستمتاع بمبدأ الوحدة فى التنوع الراقى الأنيق لاهل السودان….
-٧-
عملية المصالحة الوطنية بالتوافق ، لاشك فيها تناقضات و تحديات ، تؤثر على عملية ابراء الجراحات للمجموعات المباشرة ، اذ لا يمكن ان ينتظر ضحايا الحرب ، و النازحين و غيرهم من المتضررين لسجالات الحوارات لمدة طويلة من الامد ، لذا هناك ضرورة ملحة ومهمة فى تصميم برامج و خطط ذات اثر سريع ، يصممها الرسمين و المجتمع المدني و الدولى ، لتصبير و ابراء جراحات الضحايا ، و ينطبق ذات المعضل على التوتر بين العدالة الظلم الإجتماعيين ، و بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و التخلف..
-٨-
هناك ضرورة ملحة ، لنزع فتيل التوتر بين العدالة و العفو ، على ان تفتح صفحة جديدة ، تواجه الدعوة للعدالة لمحاسبة المجرمين و المفسدين فى حق اهل السودان ، و تغيير حالة الندم و البكاء و النياحه ، و محاسبة الماضى ، كى يخلق مناخا يستطيع فيه كل سوداني ، ان يجد و يتبصر الامور بوضوح ، هنا تظهر جدلية السلام كعملية و نتيجة فى آن واحد ، السلام كعملية لا تتحقق بضربة لازب هكذا ، و لا تحدث بين ليلة و ضحاها ، إذ يتطلب امره وقتا لكى يترسخ ، و يثمر نصجه ، مع الاخذ فى الحسبان ، ان معاناة المتأثرين من الضحايا و غيرهم ، لا تستطيع الإنتظار لوقت طويل من الزمن لتحقيق ذلك…
-٩-
المطلوب الان ، و فى سياق سودان المستقبل المنشود ، ضرورة إصلاح مناهج تفكيرنا القديمة و المجربة ، و ان نفكر بطريقة جديدة ، خارج الصندوق ، لمواجهة مآسى ماضينا ، لاجل تخفيض مرارات و اعباء التاريخ القديم – هنا ، حان الوقت الان ، ان تفتح صفحة جديدة لبناء امه سودانية ، مرتكزة على مبدأ الوحدة فى الانسجام ، و الاعتراف بالاختلافات الاثنية و العرقية لصالح البناء ، لا الهدم ، فلا جدوى و قيمة للتصورات الغير حقيقية فى المخيلة ، ينبغى الترحيب بالاختلاف و التنوع ، و بذلك نسهم بطريقة او اخرى فى رسم الوان جديدة لسودان المستقبل ، يسهم فيها كل لون فى تشكيل المجموع الكلى الوطنى و الوحدة الوطنية الباذخة ، على ان يستتبع ذلك النظر فى العوامل التفريقية ، المساهمة فى حالة التشرزم و الاستقطاب الحادة فى الراهن المعاصر ، لتصبح عوامل داعمة للوحدة و التماسك ، تساعد فى انخراط مجموعات ثقافية اخرى فى عملية تفاعلية متجددة و منتجة ، لخلق إجماع كلى ، لإفساح المجال أمام تفاوض ناشد منتج ، لاجل ارساء اسس جديدة للعيش المشترك ، و تأسيس نظام حكم عقلاني عادل و منصف ، نظاما يفتح فرصا للبناء الشامق ، يتيح مجالا للديناميكية المجتمعية ، تحديدا للمجموعات الاثنية المحرومة و الضعيفة ، نظاما يتضمن تدابيرا لمساءلة الحكام ، و غيرهم ، تسهم فيه هذه المجموعات الثقافية الزاهية فى بناء هوية سودانية منشودة ماجدة ….
-١٠-
ينبغى ان يدرك ، ان امه السودان ، ذات تاريخ و حضارات مشرفة و ملهمة بالحيوية من لدن تهراقا ، و بغانغى و نوباتيا و المقره الى جيل الاستقلال ، امه تستمد قوتها و كيونتها من تنوعها الثقافى و العرقي ، امه يوصف رجالها بالشجاعة و البسالة و الاقدام ، هذا الفخر لمواجهة تحديات الوحدة الوطنية و التنمية ، و لا سبيل لذلك الا باعلاء المصالح العليا للوطن ، و المصالحة الوطنية بالتوافق ضرورة ملحة. .. و سواها خرت القتات..