د.خالد أحمد الحاج يكتب : رفع حالة الطوارئ وما يليها
تحبير
د.خالد أحمد الحاج
رفع حالة الطوارئ وما يليها
بصدور مرسوم قضى برفع حالة الطوارئ التي كانت قد أعلنت في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وبتأكيد المرسوم على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، عدا الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو لا زالوا قيد التحري والإجراءات العدلية، تنقشع الغمة، وتنفتح كوة جديدة لمسار الديمقراطية المتعثر بالسودان، وصولاً إلى صيغة حكم مدني مثلى يتراضى عليها أهل السودان قاطبة.
رفع حالة الطوارئ سانحة مناسبة للآلية الثلاثية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وأصحاب المصلحة من الكيانات الاجتماعية التي لها ثقل، وإن كنا نعول على أهل الحل والعقد في رسم خريطة الطريق بدلاً من أن تملى علينا، وإن اختلفت الطريقة، وتغير الأسلوب.
المرحلة التي تمر بها البلاد من أحلك المراحل، والظرف الذي يمر به النظام السياسي بالسودان ظرف دقيق للغاية، يتطلب الحكمة عند اتخاذ أي قرار، بجانب تحديات التحول الديمقراطي التي تتطلب تهيئة المناخ، وقطع الطريق على أي محاولات يائسة لتوسيع الشقة بين أبناء هذا الوطن بإزكاء نار الفرقة والشتات بين أصحاب المصلحة.
إن كانت القوى السياسية جادة في تبني أيديولوجيا مدنية، فلابد من ترتيب البيت من الداخل، والتفاكر حول برنامج يضع حدا لحالة السيولة الأمنية، مع ضرورة التفكير الجاد بوضع تصور لحل الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلال سالبة على المشهد وزادت طين الغضب الشعبي بله، وولدت ما نعايشه اليوم من رفض لأي محاولة للتسوية، بجانب تعزيز مبدأ العدالة، لتكون الكلمة الفصل للقانون. بالتوصل إلى من فض اعتصام القيادة العامة، ومن شارك في قتل المتظاهرين، ومن انتهك جرما خلال هذه الفترة، على اعتبار ألا إفلات من العقوبة.
إلغاء حالة الطوارئ لا تعني الحيلولة دون التظاهر السلمي، بقدر ما هي خطوة في طريق تسوية الأزمة، والتفكير بطريقة جدية لتلافي أخطاء الماضي، ضمانا للاستقرار الذي ينشده الجميع.
هناك فرق كبير بين ثوابت الأمة التي أقرتها الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ فجر الاستقلال، وبين قناعات ومنطلقات القوى السياسية التي قد يجمع البعض عليها، فيما الثوابت مبادئ لا يمكن التقاضي عنها.
إن تطابقت رؤية الآلية الثلاثية مع ما نادت به قوى الداخل، فلا غبار على ذلك.
مساعدة الشعب السوداني على استعادة الديمقراطية في ثوب مدني قشيب، لا تعني تحديد شكل النظام السياسي، ولا كيفية تقاسم السلطات، ولا رسم السياسات العامة، أو حتى تبني أية وجهات نظر في العلاقات الدولية، دور الآلية تيسيري في المقام الأول، ويمكن إجماله في كونه نوع من الوساطة التي تمهد الطريق لا أكثر ولا أقل.
الضمانات لما تبقى من عمر الفترة الانتقالية بيد شعبنا، ولكن لابد
من توحيد الجبهة الداخلية، مع ضرورة إدراك الجميع أنهم تحت مظلة دولة مدنية مستقلة، ولكن قبل ذلك لابد من محاسبة كل من انتهك القانون، وأهدر حقا لمن هم خارج سلطته، أو أزهق روحا خارج إطار القضاء، أو مارس التعذيب، او استخدم القوة المفرطة بغرض استخلاص معلومة، أو تثبيت بينة ما.
من الثوابت المتفق عليها: العض بالنواجز على وحدة الصف الوطني، وتماسك الجبهة الداخلية، علاوة على استشعار المسئولية.
لو كنت محل القوى السياسية لما ترددت لحظة في اهتبال سانحة رفع حالة الطوارئ، بتعميق قيمة التداول السلمي للسلطة في إطار مدني يجعل الشارع مساندا للسياسة العامة التي ساهم في إرسائها بدلاً من المواجهة التي عليها الشارع السوداني اليوم، وبتحويل خطاب الكراهية السائد، إلى خطاب “توافقي” تلتزم به كل الأطراف.
لا يجب أن يكون التصعيد سيد الموقف، ولا أن تكون حالة التخوين هي التي تحرك منصات التواصل الاجتماعي، ناهيك عن صناعة الرأي العام التي تتشكل وفقا للأحداث التي يرتبط بها المواطنون، وللحديث بقية.