مقالات

د.خالد أحمد الحاج يكتب : حاربوها بالوعي

تحبير
د.خالد أحمد الحاج
حاربوها بالوعي

هناك جملة من الظواهر والممارسات الخاطئة التي تنامت في الفترة بصورة مزعجة ومخيفة، وقد وجدنا أنفسنا مضطرين للتداول حولها، لأهمية النقاش كمبدأ لا غنى عنه في مثل هذه المواقف، ولأهمية تسليط الضوء عليها، وإماطة اللثام حولها.
حديثي هذه المرة يتمحور حول تفشي المخدرات كظاهرة خطيرة ببلادنا، فبدلاً من أن نتحدث عن “التعاطي” كلفظ مخفف، نضطر للتحدث عن “الإدمان” كحالة تستحق أن نتوقف عندها مليا، فالإدمان آخر المراحل التي يصل إليها متعاطي المخدرات.
التقرير الأخير الذي تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي رغم عدم شموله وملاحظاتنا الكثيرة عليه، إلا أن أهم ما جاء فيه: أن الشباب من الجنسين قد تساوا في تعاطي للمخدرات، السؤال الملح هنا والذي يتبادر إلى الأذهان: ألا يدرك شبابنا خطورة المخدرات على صحتهم وما يترتب على ذلك من آثار ؟ أم أن هناك تغييب وعي كامل وسط هذه الفئات التي تمثل العظم لكتلة السكان ؟ الذي كنت أتوقعه أن تتبرع إحدى الواجهات المختصة بتمليك وسائل الاتصال نسبة الإدمان على مستوى العاصمة الخرطوم، ناهيك عن كافة مناطق السودان فتلك مرحلة ثانية، في مثل هذه المواقف لا يصلح أن تبنى الرؤى على تقديرات، أو وفقاً لما يصدر عن المراكز المعالجة للإدمان.
(كلما كانت الظروف مهيأة للترويج _ كلما كلما كانت هناك صعوبة في مجابهته) فهذه قاعدة لابد من الأخذ بها، واحدة من أسباب تنامي هذه الظاهرة: الظرف الحرج الذي تمر به البلاد، واستغلال عصابات المخدرات الظرف إن كان ذلك نتيجة للسيولة الأمنية، أو لضعف الرقابة على المنافذ وما أكثرها، عطفاً على حدود السودان المترامية،
علاوة على انتهاج المجرمين لحيل عديدة لضمان دخول هذا (الهباب) للبلد، ويكفي أن الأجهزة المختصة قد كشفت في الفترة الأخيرة العديد من هذه الحيل (بضبطيات) محكمة، ولا تزال تعمل على الحد من دخول هذه المخدرات إلى البلاد، وتجد منا هذه الجهود المقدرة عظيم الاهتمام نتيجة لحدها من انتشار الظاهرة، وضبط العصابات التي تتاجر في مص دماء الشعب، وتدمير الاقتصاد، بيد أن المسئولية تضامنية، أن نبقى في محلنا سر لننتظر من الأجهزة الشرطية والأمنية أن تقوم بمهمة المكافحة لوحدها فلن نصل إلى نتيجة مرضية إن أردنا بالفعل تجفيف بؤر الترويج.
كانت ذاكرة الجمع عندنا في السابق تحفظ عن ظهر قلب (البنقو) كأخطر أنواع المخدرات التي استهدفت المجتمعات بقصد تدمير بنيتها، لا يكاد صغير ولا كبير لا يعرف عن هذا المخدر أدق المعلومات، فيما تعددت بعد ذلك أنواع المخدرات من (بودرة) إلى (حبوب) بعضها أنتج لأغراض محددة، إلا أن التحايل على القانون غير وجهتها، بجانب بعض المحاليل الوريدية التي تقوم بذات المهمة، بجانب الترامادول والكبتاجون، دعك من الهايروين والكوكايين والكحول التي كم نخرت في عظم المجتمعات والشعوب، كنخر السوس في الخشب.
مع ظهور الآيس كآخر أنواع المخدرات التي تفشت، والذي أثار بانتشاره جدلاً واسعاً، تطلب بدءاً توصيفه بدقة، ومن ثم وضع المجتمع أمام أحد مهددات صحة المجتمع، لزم التعريف بخطورته من واقع الآثار المترتبة على تعاطيه، والعقوبات التي تطال مروجيه.
عندما تقول التقارير إن الجنسين من الشباب بولاية مثل الخرطوم قد تساويا في التعاطي، فذلك يعني أن رقعة المخدرات قد اتسعت، وأن استدراج الشباب واستقطابهم قد آتى أكله، لذلك كبرت الفادحة، وعظم الهم، خاصة أن الظاهرة تسورت بيوتنا، وتغلغلت في مجتمعاتنا، فكيف الفكاك منها ؟ نعمة العقل زينة، وغيابه وبال، ألا يستلزم ذلك أن ندق جميعاً ناقوس الخطر ؟ بالوعي وحده نستطيع وضع حد لظاهرة انتشار المخدرات، أنا هنا والعياذ بالله من كلمة (أنا) لا أتحدث عن الإدمان باعتبار أن هذه آخر مراحل التعاطي، إن لم يكن ميئوسا من تعافي المدمن منه، برأي أن تفعيل أساليب الرقابة، واتخاذ آخر ما توصل إليه العالم من فنون التقصي، وكشف الحيل المتخذة لضمان دخول المخدرات عبر مداخل البلاد المختلفة، جوا وبحراً وبرا، علاوة على أساليب الاستدراج التي أثبتت نجاحها، فإن ذلك بحسب ما أرى خط الحماية الأول، على أن تجند كافة القدرات والإمكانات لتحجيم الظاهرة.
المخدرات أكبر مهدد لتنمية المجتمع، واكبر مقعد لتقدمه، على اعتبار أنها تستهدف المجتمع في أهم ركائزه فئة (الشباب)، وهي بذلك تستهدف بنيته، وأساسه المعول عليه في المستقبل.
عدم كفاية الوعي
واستهوان أولياء الأمور أن يكون لمن هم تحت طائلتهم صلة بالمخدرات تعاطيا أو ترويجا جعل الظاهرة أكبر مهدد للمجتمع، إن كان مرد ذلك لضعف التوعية بخطورة المخدرات أو عدمها ضاعف من تحديات مكافحتها، وربما لغياب رب الأسرة عن مسرح الأحداث، أو انشغاله بلقمة العيش قد جعله غافلاً عن أهم جانب.
ومعلوم أن حراسة المجتمع تبدأ من الأسرة، فهي سياجه المتين، وخط حمايته الأول، بجانب الحاضنة الاجتماعية من مدرسة إلى خلوة أو جامعة أو مجموعة رفاق أو رفقة العمل أو غيرها من الحواضن الأخرى، كل تلك الواجهات سالفة الذكر مسؤولة عن حماية المجتمع، فبجانب مراقبتها لظواهر المخدرات، ومعاقرة الخمور، فإن ما تقوم به من جوانب وقائية يساهم بقدر كبير في انحسار الجريمة، وفي وضع حد لأي سلوك، أو تصرف غير مقبول، ويتعارض مع معتقدات وقيم وأخلاق المجتمع.
الدور الذي تلعبه دور العبادة، وقاعات الدرس، والمنتديات، والمنابر، وغالب أوجه التبصير له آثاره على انحسار مثل هذه الظواهر، إن كانت الفئات المستهدفة بالمخدرات من سن (١١) سنة، فمعنى ذلك أن سن التمدرس هي الأكثر استهدافا، وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا هذه الفئة بالذات مستهدفة بالمخدرات ؟
لذا تحتم الضرورة تواجد الأجهزة المختصة بدور المعرفة وفي الأماكن التي يقبل عليها الطلاب والشباب كالقهاوي والكافيهات ودور العرض وملاعب كرة القدم والأسواق، ومواقع الاحتفالات، ومعظم المواقع المشبوهة.
لابد من تفعيل البرامج الهادفة، مع ضرورة الاستفادة القصوى من العطلة الصيفية في اكتشاف مهارات أبنائنا، وتشجيعهم على الابتكار والإبداع، وملأ فراغهم بالإطلاع والتنافس الشريف في كافة أضرب الحياة التي تقوي عودهم، وبترغيبهم في حفظ القرءان، وباقامة المخيمات الصيفية سواء كانت تربوية تعليمية، أو لتنمية المواهب.
لابد من توسيع حلقات النقاش حول مضار المخدرات، والاستماع الجيد للأبناء، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عندهم بطريقة مقبولة، يراعى فيها سنهم العمرية، والظرف النفسي والسلوكي الذي يمرون به، مع مراعاة أن تتم توعية الأطفال إما بصورة فردية، أو باستخدام أسلوب لا يجعل الطفل، أو الشاب مواجها بالانتقادات والتقريع، ما قد يجعله (راكب رأس).
لابد من التحوط اللازم أثناء المواكب والمليونيات، وإن كانت غايتها واضحة، بيد أن البعض طوعها لخدمة مثل هذه الأغراض ما يتطلب وضع التحوطات اللازمة.
غياب الوازع الديني والأخلاقي، وموت الضمير، والنفس الأمارة بالسوء، والبحث أي طريقة ولو كانت رخيصة لجني الأموال، ولو كان ذلك على حساب تعافي المجتمع ووحدته وتماسكه، دوافع عصابات المخدرات المعلومة.
تشعب الموضوع يتطلب المزيد من التناول، وإشراك ذوي الاختصاص في الأمر، كل المنى أن تنتهي هذه الظاهرة بمزيد من الوعي، ويودع مجتمعنا المخدرات وللأبد.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى