د. خالد أحمد الحاج يكتب : بعض الرأي
تحبير
د. خالد أحمد الحاج
بعض الرأي
تتطلع الشعوب لترقية أدائها، وتطوير وسائل البناء والإعمار التي تعتمد عليها للوصول لما هو مرجو، كل ذلك نابع ذلك من رغبة هذه الشعوب في إحداث متغير إيجابي على مستوى البنيات والمحافظة على البيئة خالية من المؤثرات الضارة بالإنسان والحيوان وما أكثرها في زماننا هذا.
هذا التطلع هو الذي يحرك في المكونات السكانية نزعة تبني برامج ورؤى فاعلة وقادرة على اختصار الوقت والجهد في ظل موجة غلاء حادة تأثر به العالم وتزايدت بصورة واضحة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، يدفعهم إلى ذلك اختيار أفضل السبل للوصول إلى الغايات المرجوة.
ما الذي تحتاجه دول العالم الثالث لتكون في مصاف الدول المتقدمة ؟ وهل بالمقدور تفعيل الاستراتيجيات بمدى محدد لتحقيق ذلك؟
العديد من الدول النامية تفتقد مدنها الكبرى للتخطيط طويل المدى، إن كان ذلك بحساب تعداد السكان بعد خمسين أو مئة عام، أو بغياب الرؤية بالنسبة للطرق المعبدة داخل العواصم، أو تلك التي تربط أكثر من مدينة أو إقليم ببعضهم البعض.
خطوط (المترو) التي تقاس على غرارها قدرة العواصم على تقصير المسافات وتحسين سبل الحركة تكاد تكون معدومة بعدد من العواصم الأفريقية وهي في خارطة التنمية تعد الحلقة الأضعف.
كذلك خطوط السكك الحديدية التي كان يضرب بها المثل تهاوت، بل انهارت بالعديد من الدول النامية، ونتيجة لقصر الرؤية في هذا القطاع الحيوي تحكمت المركبات ذات السعات الكبيرة في حركة نقل البضائع، واستأثرت بالخدمات، ونتيجة للضغط على الطرق البرية وتراجع الاهتمام بها من حيث التأهيل تآكلت الطرق وارتفعت نتيجة لذلك حوادث المرور داخل المدن ذات الكثافة السكانية، وبالطرق السريعة داخل الدولة، أو تلك التي تربط دولة بأخرى، أو بعدة دول.
في الوقت الذي اعتنت فيه بعض الأنظمة الحاكمة بدول العالم الثالث بالتنمية العمرانية واضعة في الحسبان للنمو السكاني مستقبلا، أغفلت أنظمة أخرى هذا الجانب بالرغم من أن قادتها وكبار رجالاتها قد زاروا هذه الدول بدل المرات، ووقفوا على حجم الطفرة في البنيات والخدمات، وتعرفوا عن كثب على التجارب، بجانب وقوفهم على تطوير قطاعات السياحة والآثار، إلا أن نتائج كل هذه الزيارات على أرض الواقع ببلادهم لا تكاد ترى.
معظم الدول الإفريقية تشتكي في ساعات الذروة من الازدحام المروري، وعدم القدرة على الوصول إلى أماكن العمل في الوقت المحدد، ونتيجة للتخطيط غير السليم تأثرت العديد من المشافي من ناتج عوادم المركبات، وما يترتب على مخلفات المصانع التي أنشئت بالقرب من هذه المستشفيات، دون أن تبادر جهة بوضع خطة محكمة لتلافي هذا الخلل الكبير.
الشركات التي تتقدم لتأهيل الطرق، وتطوير قطاعات الكهرباء، والمياه، والغاز، بالرغم من أنها تقدم رؤية متكاملة لتنفيذ المشروع، إلا أنها تفشل في تقديم خدمات مستقبلية ببعد استراتيجي.
لا تزال العشوائيات على مستوى المدن والعواصم الإفريقية علامة فارقة وظاهرة مؤرقة بالرغم من اجتهاد وزارات الرعاية الاجتماعية والسكان في وضع حد لهذه الظاهرة، وتقديم بدائل أكفأ وأوفى، إلا أن بطء الجهات المختصة بتحويل الأفكار إلى أفعال يجعل هذه الأفكار الطموحة حبيسة الأدراج.
وإن كنت أرى أن قناعة الأنظمة الحاكمة بالتغيير وما له من أهمية في إحداث نقلة حقيقية هو الذي يجعل المستحيل ممكنا، علاوة على تعاظم الاهتمام لدى كافة قطاعات المجتمع (أيدي العاملة _وسطاء_ وأصحاب مصلحة).
وإن كانت محدودية ميزانية التنمية هي المعوق والسبب وراء عدم تنفيذ الخطط. غاب عن هؤلاء وضع استراتيجية محكمة لرفع معدل التنمية، والارتقاء بعملية الإنتاج والإنتاجية لمقابلة التحديات التي على شاكلة ما تم ذكره.
تجاهل رؤى بيوت الخبرة، وعدم الاعتماد على ما وجه به العلماء والخبراء زاد الطين بله، وفي حال مزيد من التجاهل لرأي أهل العلم وأصحاب التجارب أخشى أن ينهار ما تبقى من هذه البنيات.
ندرك أن معظم دول العالم الثالث تمر بظروف استثنائية، إلا أن ذلك لا يمنعها من التفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول ناجعة لجعل المستحيل ممكنا.