د.خالد أحمد الحاج يكتب إنفراجة دبلوماسية
بعد انقطاع دام لسبع سنوات هاهي العلاقات بين الرياض وطهران تعود لسابق عهدها بعد أن توصل الطرفان لاتفاق
بعودة علاقات البلدين التي اصطدمت بعدة صعوبات، تم ذلك بوساطة آسيوية، على أن يتم التفاكر بين وزارتي
خارجيتي البلدين لهندسة طريق التمثيل الدبلوماسي لاحقا. جدير بالذكر أن علاقات المملكة العربية السعودية
وإيران قد وصلت إلى طريق مسدود نتيجة لعدة أسباب، ما كان لعلاقات البلدين أن تسوء لولا أن طهران بدأ عليها
عدم الرضا على حكم قضائي صدر عن الرياض على أحد الأشخاص، ودون الخوض في تفاصيل ترتبط بشأن داخلي،
أقول فقط إن القضاء سلطة مستقلة في كافة أنحاء العالم، وبما أن سنوات عديدة مرت على هذه القطيعة وأحداث
كثيرة وقعت على مستوى المنطقة وقادت لزيادة توتر العلاقات بين البلدين، فإن إذابة جليد الخلافات، واتباع
استراتيجية مختلفة بعد هذا الاتفاق يقودني لأن أقول إن العديد من الملفات والقضايا العالقة ببن البلدين ستجد
حظها من التداول الذي من شأنه أن يساعد على تقوية الصلات، وتمتين الوشائج. شبه العزلة التي فرضتها
الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الإيراني نتيجة لتعنت طهران ومواصلتها تخصيب اليورانيوم رغم أن
مجموعة الدول السبع قد رفضت هذه الخطوة واعتبرتها مهددا للأمن والسلم الدولي حال امتلكت الدولة الشيعية
سلاحا نوويا، فإن قارة آسيا ستتغير فيها موازين القوة، بل من المتوقع أن تنقلب رأسا على عقب. بمثل ما كان للعديد
من الدول الآسيوية والعربية خاصة دول الخليج العربي تحفظات على مواصلة طهران عمليات التخصيب رغم
اتفاق ٢٠١٥م الرامي لوضع حد لعمليات التخصيب، فإن الرياض قد قالت كلمتها بهذا الخصوص. إن كانت الرياض
وبعد استنجاد صنعاء بها بعد استيلاء الحوثيين بقيادة عبد الملك الحوثي على صنعاء وأجزاء واسعة من المناطق
اليمنية، وما تلى ذلك من تهديد الحوثيين لأمن المملكة، وقاد لتكوين التحالف المساند لعودة الشرعية للشعب
اليمني، فضلا عن أن استمرار الحوثيين في السيطرة على اليمن. وبعد أن تأكد أن طهران هي من تسند الحوثيين،
فإن التوتر في الحدود اليمنية السعودية وتهديد أمن المملكة جراء إطلاق الحوثيين للصواريخ والمسيرات على
عدد من المناطق السعودية المحاددة لليمن قد قاد لتعكير الأجواء، وولد مزيدا من الغضب الشعبي داخل الممملكة
على جماعة الحوثي ومن يساندونهم. المصالح الدولية ما بين أمريكا وعدد من الدول الغربية وحلفائها على مستوى
المنطقة الواقعة إيران في محيطها في ظل المهددات الإيرانية على المسطحات المائية والخوف من أن يهدد
أمنها التمدد الإيراني بالمياه الإقليمية، والشواهد على ذلك عديدة. إن كانت ناقلة الوقود التي تسربت منها بعض
المواد البترولية في المنطقة الواقعة في المياه الإقليمية بين اليمن والسعودية قد ضاعف من المخاوف أن يحدث
ما لا تحمد عقباه نتيجة لاتساع رقعة التسرب البترولي، فضلا عن وضع المتاريس من قبل الحوثيين أمام الفريق
الفني المختص للحيلولة دون معالجة تسرب المواد البترولية في المياه الإقليمية فإن ذلك أيضا قاد لتعكير
الأجواء، وضاعف من مخاوف الرياض وإن لم يكن ظاهرا للعيان. ربما يكون الملف الأقل تأثيرا على توتر علاقات
طهران والرياض هو الذي يرتبط بالعلاقات غير الجيدة ما بين تل أبيب وطهران، مع العلم بعدم وجود تواصل واضح
أو إمكانية لإقامة علاقات بين الرياض وتل أبيب التي تسعى جاهدة لإلحاق الرياض باتفاق إبراهام أسوة بالدول
العربية المحاددة للخليج العربي التي أبرمت اتفاقات مع الدولة العبرية في إطار التطبيع الذي جندت له تل أبيب
كافة قواها ليكون واقعا معيشا، فضلا عن الدول العربية في الجانب الآخر. زوال أسباب القطيعة والجفوة وفقا
لدراسة الطرفين لأسبابها منذ أن تقطعت العلاقات بين البلدين في عام ٢٠١٦م هو الذي جعل إمكانية إصلاح ما
أفسدته الأيام ممكنا، وخيرا فعلت العديد من الدول العربية التي بادرت بتهنئة الطرفين بعودة العلاقات. كل الذي
نتمناه أن يكون الطرفان قد استفادا بالفعل من الدرس السابق بتحصين العلاقة، والحرص على ريها بماء التوافق،
والتأسيس لعلاقات مرنة تخدم مصالح الشعبين.