د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..وحدة المصير… لغة الشعب حين تُتقنها الدبلوماسية

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..وحدة المصير… لغة الشعب حين تُتقنها الدبلوماسية
وحدة المصير ليست بيانًا سياسيًا يُتلى، بل إحساسًا شعبيًا يتوارثه الناس كما يتوارثون الأغاني والحكايات. هي تلك الحقيقة الهادئة التي تعرفها القرى قبل العواصم، وتؤمن بها الأسواق قبل القاعات المغلقة. فالسودان وجنوب السودان، وإن افترقا في الشكل، بقيا في الجوهر شعبين يتقاسمان الطريق ذاته.
الدبلوماسية حين تنجح، لا تتحدث بلغة النخبة وحدها، بل تُصغي لنبض الناس. والناس هنا يعرفون أن النيل لا يسأل عن الهوية، وأن الريح حين تهبّ من الجنوب تصل إلى الشمال بلا استئذان. هكذا هو المصير المشترك؛ بسيط في فهمه، عميق في معناه، عصيّ على الانفصال.
في الوجدان الشعبي، لا تُقاس العلاقة بعدد الاتفاقيات، بل بقدرة الجار على أن يكون سندًا عند الضيق. وحين يتحدث المسؤولون عن الطاقة والتجارة والنفط، فإنما يترجمون بلغة المصالح ما قاله الشعب منذ زمن: إن الرخاء لا يُبنى منفردًا، وإن السلام لا يعيش خلف الأسوار.
جمال الدبلوماسية يكمن في قدرتها على تحويل الحكمة الشعبية إلى سياسة رشيدة، وعلى صياغة الأخوّة القديمة في عبارات حديثة لا تفقد روحها. وحين يحدث ذلك، يصبح السودان وجنوب السودان مثالًا لوحدة مصير لا تُلغِي الاختلاف، بل تُحسن إدارته، ولا تذيب الحدود، لكنها تمنحها معنى إنسانيًا أرحب.
هكذا، تمشي السياسة حين تهتدي بخطى الشعب، ويصير المصير المشترك ليس قدرًا مفروضًا، بل اختيارًا واعيًا يصنعه شعبان يعرفان أن الطريق، مهما تعددت مساراته، ينتهي إلى مستقبلٍ واحد.





