مقالات

جمال بدوي يكتب : سلاااام لك ياحيدر في عليين

*سلاااام لك ياحيدر في عليين*
جمال البدوي
قبل أن تعاجله المنيه زارني الراحل المقيم حيدر وكان قد غادر مستشفى البراحه وقد استقر وضعه ليرتب حاله للسفر مستشفيا بقاهرة المعز.
ادهشني جلده، وصموده الاسطوري الجبار، لقد صدمني بشرح واف عن وضعه الصحي وحال رئتيه، قلت له اتعلم كل ذلك وانت تبتسم، يا لتسليمك بقضاء الله وقدره وانت تستقبله بكل هذا الايمان الراسخ؟ الف رحمة وسلام عليك ياصديقي.
كان الأكثر عجبا قوله لي بكل هدوء ويقين ” (٤٠) في المئة فقط متبقية من الرئتين وهي تكفيني جدا”.
لله درك ياحيدر، كم كنت ذاك الصمود الذي يهزم الخوف واللجلجة، صمود ظل يسكنك في كل مواقفك المنافحة للظلم ولكم حدثتني عن كرهك الاعمي لمفردة الفساد الذي ضرب باضنابه حياتنا السياسية وعشعش في بنية معظم المؤسسات الرسمية، قلت له ذات مرة يا حيدر انت تكتب اتهامات وتفاصيل قد تدخلك السجن بكل بساطة، إن لم تكن مسلحا بكل الوثائق الدامغة فكان رده ” اعمل شنو اشيل مسدس وافجر الرؤوس يعني ماهي شغلتي ان اكتب ، وقد كتبت وكتبت وتحديت، وجاهز لأي مواجهة، لكن يبدو أن الفساد بات فينا سلوكا معتادا تآلف معنا وتلك هي الكارثة ياصديقي” ، وبقدر كراهيته للفساد بكل انواعه أشكاله، السياسي، الإداري والمالي، بدأ كمن نذر نفسه وحيدا لمحاربته، ممتشقا قلمه المسنون ابدا.
وكما كان المغفور له بإذن الله حيدر، قويا في الحق صلبا في المواجهة، كم كانت مودته وعفويته باهرة آسرة لكل من حوله، شغوفا بمواجهة الباطل إلى درجة مخيفة حد الاشفاق عليه من اندفاعه وكم عملت على تهدئته وامتصاص حرقته، وانا البي دعوته لتناول طبق (ام جنقر) جوار المسجد الكبير.
بقدر شراسته في المواجهة، كان صديقنا الراحل ودودا مع الاهل والاصدقاء، دائم الوصل للرحم وذوي القربي بالنيل الأبيض رغم ظروفه الصحية، مصطحبا عيادته الصغيرة في جيب خاص بحقيبة سفره.
لم تشغله الدنيا وهموم كنز المال والغنى والفقر، عن عشقه المطلق للحق والحقيقة، على الرغم من ادراكه بانه طريق (الفلس) لكنه ظل مسنودا بقناعة عميقة باقدار الله في خلقه.
اختير العزيز الراحل في الأشهر الاخيرة مستشار عاما لحكومة الولاية الشمالية، لكني لم اره قط مبهورا بالموقع الجديد، بل ظل هو ذاك البسيط نفسه بوجدانه السخي الباذخ الوفاء والتواضع الكثير العطاء، لكثيرين من الاقارب والمعارف رغم محدودية ذات يده، سيظلون يذكرونه بكل الخير والعرفان.
نسأل الله تعالى أن يبارك في ذريتك ويحفظ أسرتك المكلومة، ويربط على قلب كل عزيز وصديق ورفيق افتقدك، وأن يتغمدك برحمته التي وسعت كل شئ ويشملك بغفرانه المدود اللا محدود، ويسكنك أعلى الجنان، ويلهمنا والجميع الصبر الجميل والسلوان، في فقدك الموجع، و لانقول الا مايرضي الله ” إنا لله وإنا إليه راجعون”.
ولا حول ولاقوة الا بالله.
وسلام لك………. ياااااحيدر في رحاب الكريم المقدر.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى