الأخبارالثقافية

تاريخها مليء بالعنف والتفكك ولا يخلو من التنوّع والصراعات.. الرحالة العراقي باسم فرات: هكذا شاهدت “كوكب” اليابان

تاريخها مليء بالعنف والتفكك ولا يخلو من التنوّع والصراعات.. الرحالة العراقي باسم فرات: هكذا شاهدت “كوكب” اليابان

علي لفته سعيد

كربلاء- في كتابه الأخير “طريق الآلهة.. من منائر بابل إلى هيروشيما” الخاص بأدب الرحلات يكتب الرحالة العراقي باسم فرات -الحائز على جوائز السلطان قابوس وابن بطوطة والساعاتي- عن هيروشيما التي وصلها مهاجرا ومغتربا عن بلده العراق في تسعينيات القرن الماضي.

في هذا الكتاب، أراد فرات أن يفتح خزائن المعرفة الهيروشيمية رابطا إيّاها بماضييه الحضاري والشخصي، سواء كان بابليا تاريخيا عميقا، أو كربلائيا ماضيا قريبا، فكانت عيناه تسطّران الكلمات لتكون -كما يقول- جسرا للمحبة، فضلًا عن رسم صورة واقعية بناء على تجربته في اليابان وهيروشيما، حافرا بعمق في تاريخ هذا البلد الذي لا يخلو من العنف والتنوّع والصراعات، مثلما كشف أسباب النهوض السريع بعد الحرب العالمية الثانية.

البداية والجذور

باسم فرات من مواليد 1967 في مدينة كربلاء (110 كم جنوب بغداد) وهو شاعر ورحالة عراقي، غادر العراق عام 1993 إلى الأردن، ثم تقدَّم بطلب لجوء سياسي عام 1996 وانتقل إلى نيوزيلندا عام 1997، ثم غادرها عام 2005 إلى هيروشيما. وبعدها، انتقل عام 2008 إلى جمهورية لاوس، ومن بعدها إلى الإكوادور عام 2011، ثم إلى السودان عام 2014.

صدرت له العديد من المجاميع الشعرية وأدب الرحلات منها “مسافر مقيم.. عامان في أعماق الأكوادور” و”الحلم البوليفاريّ.. رحلة كولومبيا الكبرى” وأيضا “لا عُشبة عند ماهوتا: من منائر بابل إلى جنوب الجنوب” و”طواف بوذا: رحلاتي إلى جنوب شرق آسيا” و”لؤلؤة واحدة وألف تَل: رحلات بلاد أعالي النيل” وكذلك “طريق الآلهة.. من منائر بابل إلى هيروشيما” و”أمكنة تلوّح للغريب”، وأصدر كذلك أكثر من 12 مجموعة شعرية و3 كتب بالإنجليزية وكتابا بالإسبانية فضلا عن 5 كتب في السيرة.

فرس عربي ومكان ياباني

يقول فرات عن كتابه إنه “محاولة لإعطاء صورة أكثر واقعية -من تجربتي الخاصة- عن اليابان، وليست الصورة المتخيّلة التي استقرّت بالوعي الجمعي”، ويعتقد أن اليابان لم تكن كوكبًا لوحدها؛ بأن قفزت قفزة عظمى خلال سنوات قليلة من القرون الوسطى إلى الحداثة بلا مقّدمات، بل “تملك تاريخا مليئا بالعنف والتفكك مثل بقية دول العالم، وأنها لا تخلو من التنوّع والصراعات والسلبيات، وحتى نهوضها السريع بعد الحرب العالمية الثانية”.

وعما يمثلّه الكتاب له وتجربة هيروشيما، يقول إن “هيروشيما، تجربة متفرّدة في مسيرتي الحياتية والإبداعية، فهي المفتاح الحقيقي لدخول عالم الترحال، والإنصات إلى هواجس الشعوب وصمتها”، لذا يعتقد أنه لولا هيروشيما لكان مثل آلاف الشعراء والأدباء، الذين -بحسب قوله- “وصلوا إلى بلدان اللجوء والهجرة، وعقروا نوقهم. ولأني وصلت على فرس عربيّ أصيل، أطعمتُ إغراءات الترحال المنّ والسلوى، فكانت هيروشيما فاتحة بستان معرفي وجماليّ أثمر في تجربتي الإبداعية”.

وعمّا أضافه في كتابه، يقول فرات “رفعتُ وتيرة التخييل، من دون الإخلال بالواقع والتاريخ، مثلما اشتغلت على رؤيتي الجمالية الخاصة، التي فرضتها تجربتي لمدّة 3 أعوام في وسط مركز هيروشيما، فضلًا عن تجوالي فيها، كما حاول أن يجعل من كتابه “جسر محبة، فضلًا عن إعطاء صورة أكثر واقعية -بناء على تجربتي الخاصة- عن اليابان”.

غروب هيروشيما والثقافة العراقية

حصل فرات على جوائز عديدة في أدب الرحلات منها “جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات 2013-2014″ و”جائزة جواد ناجي الساعاتي 2015″ و”جائزة السلطان قابوس في الثقافة والفنون والآداب 2019”.

يقول الناقد الدكتور سعد التميمي “إذا كان أدب الرحلات يصور الجغرافية والأحداث وإطلالة الزمن على المكان، فإن فرات يصوّر تاريخ هذه الجغرافية وتحوّلاتها في ظلّ التقلبات السياسية وما خلّفته الحروب التي لم تستطع أن تمحو جمال هذه الجغرافية”.

ويضيف التميمي أن هيروشيما “بهرته بأنهارها الستة وعشق الإنسان للحياة، لتغدو حلمًا وقصيدةً فتحت أمامه آفاقا شعرية عبر التفرّغ للقراءة والتأمل والسفر والكتابة، ليوثق الطبيعة والنبات والطيور والنصب التذكارية والأنهار والشوارع والمتنزهات، ولم ينس النظافة التي تميّزت بها هذه المدينة”.

وبحسب الناقد، فإن فرات “يميل إلى استدعاء الذاكرة بين الحين والآخر، والمقارنة بين ما يشاهده في اليابان -ومنها مأساة هيروشيما وعملية إشعال الشموع عند غروب الشمس في يوم المأساة- وإشعال الشموع وهيمنة اللون الأحمر عند غروب الشمس في الثقافة العربية والعراقية، وبشكل خاص في كربلاء. ويرى أن هذا الاستدعاء لكربلاء بهيروشيما يمثل استذكارا لمن غاب بسبب ما تعرضوا له من إبادة”، وهو يقوم على عملية “قرع الجرس البوذي في المدينة يجعله يستدعي فجائع التاريخ مثل رثاء الشاعر العراقي القديم -ابن مدينة أور السومرية- خراب العراق على يد الغزاة، مرددا لقد نفتنا الآلهة”.

سمات الكتابة الرحلية

ويتحدّث الناقد محمد المسعودي عما يلفت النظر في هذا الكتاب، إنه يريد “تحقيق التفاعل مع الآخر، وتفهم ذهنيته وعمق حضارته، ووضعه الحالي في واقعنا المعاصر”، ويحدّد سمات الرحلات لفرات حول مختلف دول العالم من أنها ترمي إلى “تقديم حقائق جديدة للمتلقّي العربي عن شعوب هذه البلاد تقاطع مع الإرث الغربي الاستشراقي الاستعماري، ويقدّم سردية مختلفة عن السردية الغربية”.

ولهذا يقول الناقد إن فرات “ينظر بعين المبدع الشاعر إلى ما يشاهده ويتفاعل معه وتتشرّبه روحه وحواسه، لذا هو يقدّم لنا صورًا طازجة عن الأصقاع التي يكتب عنها، وهي تتميز بالدقّة والقدرة على عرض المشهد، ونقل المعلومة، وسرد الحكاية، ورواية الحدث في لغة رحلية شفيفة تجمع طرفي الفائدة والمتعة في خيط ناظم يجعل المتلقّي مشدودًا إلى كتابته الفاتنة وعوالمه الشائقة”.

وعن الكتاب، يقول المسعودي إنه “إضافة نوعية إلى تجربة الكاتب، ونمط آخر من أنماط الصياغة الرحلية لديه، ونقل الغرائب عن اليابان”. وبحسب الناقد فإن فرات” قدم كتابًا على شكل رحلة لا تسلم بالسرديات المتداولة، وإنما تسعى إلى كشف الحقائق والاحتفاء بجدوى الاختلاف وتعدّد الرؤى في النظر إلى الآخر، وإلى الذات في مرايا الحضارات والثقافات الأخرى”. المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى