القطرية بين حياء ابنة شعيب وشجاعة المُجادِلة
الدوحة |حصة عبدالله الحاي السليطي
القطرية بين حياء ابنة شعيب وشجاعة المُجادِلة
كم من امرأة خلّد القرآن ذكرها، فلا تشرق شمس على الأرض أو تغرب إلا وقد تردد اسمها أو وصفها فيما يتلوه المؤمنون في أرجاء المعمورة، ومن هؤلاء ابنة شعيب التي صارت زوجة لكليم الله موسى عليه السلام.
يصفها القرآن بأجلّ الخصال التي تزين المرأة، خصلة الحياء، فبعد أن سقى لها ولأختها نبي الله موسى، جاءته تخبره بدعوة أبيها إياه، ليكافئه على حسن صنيعه مع ابنتيه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}( )
وها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يبسط في إجمال المعنى ببيان التفصيل قائلًا: “جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خَرَّاجة ولاجة”( ).
وهنا يطالعنا جهابذة اللغة بمعنى السلفع، قال الجوهري: “السلفع من الرجال: الجسور، ومن النساء: الجريئة السليطة”( ).
وكأن هذه الآية نهجٌ تربت عليه الفتاة القطرية، فلم تكن يوما بالسلفع من النساء، ولم تكن يوما بالتي تطلق لسانها وتتجرأ على الرجال، أغدقت عليها أمها بالنصح حيال تبجيل الرجال، وخفض الصوت عندهم، والتزام وشاح الحياء أمامهم، والتحذير من الجدال معهم، فكان الرجل يحظى بما لم يحظ به مثله في المجتمعات الأخرى بتوقير النساء إياه، سواء كان رجلًا أو أخًا أو حتى ابنًا.
هذا الحياء إنما هو رفعة للمرأة إذ تتخلق بخلق هو من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)( ).
تربي الأم القطرية ابنتها على توقير الرجل والتزام أدب الحياء معه وعدم التجرأ عليه، لأنها تعطي القوامة قدرها: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}( ).
فالقوامة تكليف للرجل، يقوم بمقتضاها برعاية المرأة أمًا وزوجة وابنة وأختًا، سواء بالنفقة أو بتقويمها لتكون على الجادة، المرآة القطرية تدرك عظم المهام المنوطة بالرجل تجاهها، ومن ثم تقدره وتُجلّه وتربي بناتها على الشيء ذاته.
لكننا لن نتجاوز إطار الحقيقة لو قلنا إن الفكر الذكوري في المجتمع القطري قد أساء التعامل مع هذه الخصلة والمكرمة التي تربت عليها القطريات، وأقول “الذكور” لا “الرجال”، فهناك بون شاسع بين من يتعامل مع المرأة بمنطق جنسه، وبين من يتعامل معها بمنطق شيمِهِ ومكارمه، فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلًا، والرجل الحق يكرم المرأة لا يهينها، يتواضع أمام ضعفها الفطري لا يتجبر عليها، فما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.
وقطعًا أتحدث هنا عن شريحة من الرجال لا كلهم ، فبعض الذكور أسأءوا التعامل مع حياء المرأة وتوقيرها الرجل، فتغولوا على حقوقها، ومنحوا أنفسهم سلطة لا يقرها شرع ولا قيم حيال المرأة، فكم من أخٍ هضم حقوق أخته في ميراث الوالد بعد وفاته، فقط لأنه رجل ولا يحق لأخته – وفق مزاعمه- أن تجادله في ميراثها من مال أبيها.كما أتى هذا التغول على المرأة المطلقة، فبدلاً من جبر خاطرها المكسور،
تعامل وفق قواعد ذكورية استبدادية، كأنها قد ارتكبت جريمة شنعاء، مع أن الطلاق أمر قد شرعه الله لئلا تتحول البيوت إلى جحيم حين يعيش الزوجان في تباغض وتنافر تحت سقف واحد. ولولا الطلاق لكان ذلك أقرب إلى السجن، لذا فالطلاق هو تشريع لصالح المرأة إن تعذّر الإمساك بالمروف، يكن التسريح بإحسان.
بمقتضى هذه السلطة الذكورية منعت المرأة القطرية في بعض البيوت من إثبات وجودها كقسيم للرجل وشريك له، فإن قال فلا راد لقوله، وإن أخطأ لا يُراجع، وإن سلب حقوقها لا تُناقش، وهذا كله ليس من الإسلام في شيء.