القبائل ستكون هي البدائل!
صدى الواقع
محمد مصطفى الزاكي
غادرنا رمضان الخير المعظم وهو يمسح دموع الحسرة والإشفاق على ما آلت إليه الأحوال، وجاء العيد يجرجر أثوابه مثقلاً، ولم يبدو عليه أنه سعيد كما في سوابق الأحيان !.
تمر الأيام خلسة من حولنا، وساسة السودان في أحلامهم تائهون!. ياترى هل عرف هؤلاء السواقط ممتهني ساس يسوس، بأنهم تحولوا في نظر الشعب إلى مجرد (مهرجين سزّج) تتسلى بهم مجالس الإنس، لقتل الرتابة والوقت والتشفي والتنفيس؟ فهم ما عادوا كما في سابق عهود التحزّب الذهبية، حينما كان رجال السياسة يتبارون على المنابر بِحِكَمْ الكلمات، موزونة القوافي والمعانى، يتزاحم الصبية على التلفاز والراديو ينصتون لهم باهتمام ويمنون أنفسهم بلوغ ذات المراتب في الزعامة والبلاغة والنجومية؛ وليس كحالهم اليوم وقد غاصوا في الحضيض إلى درجة، يتحدث المسؤول فيهم أمام الجماهير بكلمات سوقية لا يفهمها إلا شخص عاشر (أولاد النجيس ) شاممي السلسيون لأشهر يمشي بينهم في المجاري والأسواق، الوحيد الذي يمكنه من فك طلاسم لغة الراندوق التي اتخذوها لغة السياسة الرسمية هذه الأيام.
يبدو أن أزاهير السياسة قد ذبلت في بلادي وأحترقت مراجع الأفكار داخل دور الأحزاب!، ويبست حقول المبادرات الواعية، وتعطلت لديها مستشعرات القراءة والتحليل والتنبوء فحجبت عنهم الطرح الجاد والبرامج السياسية الذكية التي يمكن أن تنقذ السفينة من الغرق وتخرج البلاد وأهله إلى بر الأمان.
لا تستغرب عزيزي القاريء من هذا المدخل المتشائم، وقد حدثتك من قبل عن التفاؤل للحد الذي يجعل سكان جذر (البهاما) و(المالديف) يتزاحمون في أبواب مكاتب التقديم، بحثاً عن فرص (لوتري الهجرة إلى السودان)، واليوم أدلق عليك كل هذا الحبر الأسود القاتم؟!.
حتماً هنالك سبب قوى دفعني لذلك، فكديسة الكتابة أحياناً تستشعرنا بمقبلات الأحداث قبل وقوعها، وعلينا واجب النقل بأمانة للقاريء عله يعتبر.
ما لاحظته والذي دفعني للكتابة بهذا الأسلوب، هي حالة الإنتشاء والتطريب تلك، التي أصابت الأحزاب الإسلامية هذه الأيام، بعد إنهزام قوى الحرية والتغيير (حاضنة الحكومة الحالية) وعجزها عن تلبية إحتياجات شعبها الملحة، وسقوطها أمام إمتحانات الثورة التي فجرتها الأوضاع الإقتصادية، والتي لم تتمكن حكومة حمدوك من تحريك ورقة من ملفاتها المتراكمة حتى اللحظة،إن لم تزد عليها أعباءاً وتعقيدات جديدة مما زادت من لزاجة طين الأوضاع.
لكن رغم كل ذلك فمن السزاجة بمكان، أن تعتقد الأحزاب الإسلامية حتى في حال تخلّف عنها المؤتمر الوطني، أن تعتقد مجرد إعتقاد أنها سوف تخترق جدار الحبس السياسي السميك الذي وضعته فيه الثورة، لتتسلل إلى قلب الشارع عبر ورقة إخفاقات حكومة حمدوك، وصدى الهتافات المناهضة لازالت تتردد.
كما أن العسكريين هم أيضاً ليسوا بأفضل حالاً من حمدوك وحاضنته السياسية والأحزاب الإسلامية في نظر غالبية الشعب، فمن الصعوبة بمكان تصوّر حال الناس، مهما بلغت بهم المحن، وهم تحت رحمة (حكومة مرقطة) يتحسسون معها ألسنتهم وقلوبهم حينما يريدون التعبير، فتعود بهم لعهود تسول الحريات، التي انتزعتها الثورة، بعد أن سالت لها دمعاً ودماء ، والإنتظار لساعات طوال أمام مكاتب السلطات طلباً للإستئذان، في إختيار شكل ولون لباس النوم المسموح به داخل الغرف دعك من الشارع.
صدقوني أن الشعب قد رمى كل أوراقكم السياسية في المزبلة، وبدأ يستميل لزعماء القبائل والعشائر ويبدو أنهم باتوا قطع غياركم المرتقب؛ وذلك لأنهم الأكثر قرباً لوجدان الشارع، وأكثركم إقناعاً وقدوة؛ ولم تبقى لكم أيها الساسة ممتهني اليسوس مجتمعين (أحزاب وحركات وعسكر) ، سوى القليل من الوجاهة، إذا لم تحرصوا عليها سوف تذهب عنكم بلا رجعة ويتحول السودان لدولة عشائر ؛ علماً أن الأصوات في حال أصراركم على الإنتخابات المبكرة، سوف تذهب جلها للمرشحين من قبل مجالس القبائل رضيتم بها أم أبيتم.
هلا بلغت