مقالات

الركابي حسن يعقوب يكتب : ما هي عملية “ذئاب الصحراء”؟ وما علاقة الدعم السريع بها

الركابي حسن يعقوب يكتب : ما هي عملية “ذئاب الصحراء”؟ وما علاقة الدعم السريع بها

 

كشفت الحكومة السودانية عن مشاركة مرتزقة من جمهورية كولومبيا في الحرب في صفوف ميليشيا الدعم السريع.

وقالت وزارة الخارجية السودانية إن الحكومة تمتلك كل الوثائق والمستندات التي تثبت تورط مرتزقة من جمهورية كولومبيا ومئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار.

وأن السودان قد قدم هذه الوثائق إلى مجلس الأمن الدولي عبر بعثته الدائمة بالأمم المتحدة، وأضافت الخارجية السودانية أنها قدمت هذه الوثائق مشفوعة بأدلة تثبت رعاية وتمويل جهات خارجية لعمليات الاستقدام والتجنيد لهؤلاء المرتزقة الأجانب.

ويقول الجيش السوداني إن ميليشيا الدعم السريع ظلت ومنذ اندلاع الحرب تستعين بمرتزقة يشاركون في الأعمال الفنية التخصصية كأطقم المدفعية والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى مشاركتهم كمقاتلين في صفوفها.

وفي تحقيق استقصائي أجراه موقع La Silla Vacia نشر مؤخراً، كشف عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي سابقين تم تجنيدهم في عملية أطلق عليها إسم ذئاب الصحراء بقيادة ضابط كولومبي متقاعد برتبة عقيد يقوم بمهام القيادة لعمليات المرتزقة الكولومبيين في الحرب في السودان في صفوف ميليشيا الدعم السريع، وتتضمن هذه العمليات التجنيد، والتدريب، والاتصالات، والقتال.

وبالكشف عن هذه المعلومات الخطيرة، تدخل الحرب في السودان منحىََ آخر وبعداََ جديداََ ربما ينقلها من النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي، ومن ثم إلى السياق الدولي.

ويأتي هذا الكشف ليميط اللثام عن جملة من المؤشرات والنتائج والدلالات المترتبة على هذا التطور الذي يمكن وصفه بأنه شديد الأهمية، ذلك أن الحرب في السودان ظلت وعلى مدى دوران عجلتها الجهنمية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح وتشريد الملايين من السودانيين وخلفت خلفها دماراََ واسعاََ طال كل مناحي الحياة في حالة يمكن وصفها بالمأساة ، ظلت هذه الحرب حبيسة في هامش الإهتمام الدولي ولم تقابل بما تستحقه من تعاطي إيجابي يدفع في إتجاه إطفائها
ووقفها، وما جرى حيالها من تحركات إقليمية ودولية لم تكن بالمستوى المطلوب من الفاعلية ولم تحدث أي أثر إيجابي مرتجى على الأرض بل إزداد الأمر سوءاََ وتصاعدت وتيرة الإعتداءات تجاه المدنيين من قبل ميليشيا الدعم السريع خاصة في مناطق كردفان

 

ودارفور، وتشهد مدينة الفاشر التي تحاصرها ميليشيا الدعم السريع في الوقت الراهن مأساة إنسانية لا تقل بشاعة عن مأساة أهالي غزة في فلسطين المحتلة، حيث يتعرض سكان الفاشر لقصف يومي ممنهج تقوم به ميليشيا الدعم السريع وتضرب على المدينة طوقاََ من الحصار وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والاغذية إلى سكان المدينة الذين يتضورون جوعاََ مما اضطر كثير منهم إلى تناول أعلاف الحيوانات لسد الجوع وللبقاء على قيد الحياة.

وهناك عدد من المؤشرات والنتائج المترتبة على التطور الخاص بتزايد وتيرة مشاركة المرتزقة الأجانب في الحرب في السودان إلى جانب ميليشيا الدعم السريع، وتمثل هذه المؤشرات والنتائج تطوراََ مهماََ هي الأخرى يضع إطاراََ لما ستكون عليه الأوضاع في هذا البلد، ويرسم ملامح أكثر وضوحاََ لمآلات الحرب ومصير ميليشيا الدعم السريع.

*أولاََ: المؤشرات*

* يشير الكشف عن وجود مرتزقة في صفوف ميليشيا الدعم السريع إلى تورط مباشر لأطراف خارجية في الحرب، وبالتالي يوفر هذا الكشف مزيد من القدرة للمجتمع الدولي على تتبع
الخيوط التي تساعده على تقصي الحقائق ومن ثم الوصول بسهولة ووضوح أكثر من ذي قبل لخلاصات تمكّنه من تحديد وتسمية القوى الإقليمية والدولية الداعمة والممولة لميليشيا الدعم السريع على سبيل التعيين لا التكنية.

* يسلط الكشف عن المرتزقة الأجانب مزيد من الأضواء على مصادر تمويل عمليات التجنيد والاستقطاب للمرتزقة وطريقة نقلهم إلى عمق الحدود السودانية وإلى داخل مدينة نيالا في دارفور تحديداََ. الأمر الذي يوفر (أدلة ظرفية) على تورط قوى إقليمية في تقديم الدعم اللوجستي لميليشيا الدعم السريع.
* ويشير الكشف عن المرتزقة وتزايد أعدادهم إلى أن ميليشيا الدعم السريع ليس فقط أنها فقدت بالفعل قوتها الصلبة والضاربة، بل أكثر من ذلك أنها فقدت مصادر

 

التجنيد من داخل حواضنها المجتمعية المؤيدة لها والتي ظلت تمثل (المورد الأساسي) لقواتها وتشكيلاتها المقاتلة.
* وهذا المؤشر أفضى بدوره إلى إضعاف الدافع المعنوي للقتال وتضعضع الروح المعنوية للمقاتلين التابعين عضوياََ للميليشيا الذين يحملون لقب (الأشاوس) وهم يرون وجوهاََ غريبة لا تنتمي إليهم تقاتل في صفهم من أجل المال لا من أجل ما ظلوا يسمونها (القضية)، وهو ما يثير في أذهانهم الكثير من التساؤلات أبرزها هل هؤلاء حقاََ يريدون نصرة قضيتهم أم أنهم قد جيء بهم لنصرة قضية أخرى تخص قوى خارج الحدود!!، وهل جلب

الديمقراطية والحكم المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية يمكن أن تأتي به عناصر أجنبية تقايض أرواحها بالمال!!
* الظهور العلني للمرتزقة الأجانب عبر صور وفيديوهات التقطوها بهواتفهم النقالة وبثها في الوسائط متباهين بها يؤشر هذا السلوك إلى توجه جديد للقوى الإقليمية الداعمة لهم مفاده أنهم لا يخشون لومة لائم وأن اللعب في الفترة القادمة سيكون بالمكشوف بعد أن كانوا يضربون عليه طوقاََ من السرية والإنكار، وربما يفسر ذلك على أنهم يستغلون حالة اللامبالاة الدولية بحرب السودان أو أنهم قد تلقوا إشارة ضوئية خضراء للإستمرار في دعمهم للميليشيا وفق ترتيبات محددة .

* مؤشر أخير يكشف عن حقيقة تدني مستوى كفاءة مقاتلي وقيادات ميليشيا الدعم السريع للحد الذي يتم فيه استجلاب مقاتلين أجانب وفنيين متخصصين لتدريبهم على استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة وتكتيكات قتالية كان يجدر بهم أن يكونوا على علم بها مسبقاََ وهم يواجهون جيشاََ على قدر كبير من الاحترافية وفي بيئة مألوفة لديهم وعلى أرض يعرفونها جيداً.

*ثانياََ : النتائج*
* جذب المزيد من الإنتباه والتركيز الإقليمي والدولي للحرب في السودان، خاصة من القوى الفاعلة في هذين المستويين الذين لم ينخرطوا من قبل لا من قريب ولا من بعيد في حرب السودان.
* وضع الأمن والسلم الإقليميين والدوليين في المحك بما يمثل تهديداََ لهما، فعلى الصعيد الإقليمي يؤدي هذا التطور إلى إثارة مخاوف العديد من دول الإقليم عامة، ودول جوار السودان على وجه الخصوص كونه يمثل وجهاََ جديداََ من وجوه إنتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وإثارة الإضطرابات فيها وزعزعة الإستقرار وتغيير أنظمة الحكم فيها. وكثير من دول الإقليم تعاني من مشكلات داخلية وتعاني من أزمات في الأمن والوحدة والتكامل والشرعية. وتخشى هذه الدول من تكرار التجربة السودانية فيها.

* يوفر هذا التطور – إن لم يتم وقفه – حضناََ دافئاََ لتفريخ ولرعاية الإرهاب الدولي العابر للحدود، ويشجع على تنامي الميليشيات وتوسيع نطاق استخدامها في النزاعات على مستوى العالم واستشراء ظاهرة الحروب بالوكالة.
* وبالتالي يترتب على هذه الظاهرة خرقاََ للبروتوكولات والقواعد والأسس المرعية بخصوص بيع واستخدام الأسلحة المتوسطة والاستراتيجية التي يتعين قصر استخدامها على الجيوش النظامية والمؤسسات الدفاعية في الدول ذات السيادة وليس العبث بها بتسليمها لميليشيات وتشكيلات شبه عسكرية هي أقرب إلى العصابات المنظمة.

* وهو ما يمهد الطريق إلى نشوء كارتيلات سلاح تغذي الإرهاب الدولي وتزيد من نفوذ الميليشيات والتشكيلات شبه العسكرية حول العالم وهو أمر يضع الأمن والسلم الدوليين تحت التهديد وعدم الإستقرار.
* وآخر النتائج في هذا الترتيب، وأولها بالنسبة للحرب في السودان أن تورط المرتزقة الأجانب فيها وقتالهم في صف ميليشيا الدعم السريع غيّر مسار هذه الحرب التي بدأت بتمرد ميليشيا الدعم السريع على قيادة الجيش والسلطة القائمة ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة، ثم انتقلت الحرب إلى مسار الحرب بالوكالة نيابة عن قوى خارجية، وهي الآن تتجه نحو مسار الحرب الإقليمية، والتي بدورها من المرجح أن تجر إليها أطراف دولية ترى في استمرارها تهديداََ لأمنها القومي.

*كيف السبيل إلى الخروج من هذه المعضلة*:

تفادياً للمآلات غير المرغوب فيها والتي ستطال الجميع إقليميًا ودوليًا فيما لو استمر المجتمع الدولي في إلتزام حالة (الفرجة) على تطورات الحرب في السودان، فإنه يتعين على القوى الإقليمية والدولية التحرك لإحتواء الوضع عبر تنظيماتها ممثلة في الإتحاد الأفريقي والجامعة العربية والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة، بوضع الأمور في نصابها الصحيح بدءاََ بكف أيدي القوى الداعمة لميليشيا الدعم السريع عن دعمها، وإيجاد مقاربة لحمل الدول التي تشكل مصدراََ للمرتزقة على تحمل مسؤولياتها لوقف تدفق المقاتلين المرتزقة من جنسياتها وأن تكف دول الممر عن السماح لهؤلاء المرتزقة من عبور أراضيها، وأن تمارس القوى

الدولية التي يرد منها السلاح مزيد من الرقابة على مبيعاتها من السلاح بما يحول دون وصولها إلى أيدي الميليشيا واستخدام أقصى درجات نفوذها للضغط على الدول التي تصدر إليها السلاح بألا يصل إلى وجهة أخرى.
وإلا فإن الخطر سيحدق بالجميع فالإعتماد المتبادل أصبح سمة للسياسة الدولية بحيث تتأثر الدول والمجتمعات في ساحتها بكل ما يقع فيها سلباََ أو إيجاباََ، بكل صغيرة وكبيرة وتحكمها نظرية رفرفة جناح الفراشة التي صاغها عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينتز في ستينيات القرن الماضي لوصف حساسية الأنظمة المناخية للتغيرات الأولية وهي نظرية تقوم على وصف الترابط بين الأحداث الصغيرة والأحداث الكبيرة وكيف أن الأحداث الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى أحداث كبيرة غير متوقعة.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله حقيقة أن السودان يتبوأ موقعا استراتيجيا مميزا وتتصل حدوده بصورة مباشرة بدولتين عربيتين تطلان على البحر المتوسط، هما مصر وليبيا، وله حدود بحرية مع أكبر دولة عربية خليجية وهي السعودية ، وحدود أرضية مع خمس دول أفريقية منها أربعة بلا منافذ بحرية، ويطل بساحل طويل على البحر الأحمر وهو ممر بحري تجاري شديد الأهمية بالنسبة للعالم ، فإن أي فوضى تعم فيه وفي محيطه الجغرافي بسبب أطماع قوى إقليمية تستخدم أذرع عسكرية غير منضبطة وغير نظامية ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.

 

المصدر: الجزيرة نت

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى