إشتياق الكناني تكتب 11 أغسطس
إشتياق الكناني تكتب 11 أغسطس
ذاك الصباح حينما لاح الفجر يودع أشعه القمر ويستقبل الشمس واشراقها وأشعتها .. كانت السماء تحشد السحب البيضاء والرمادية بدون أي توقيت أو اتفاق أو حتي بريق وزوبعة رعد لم يأت .
إنما تساقط الرذاذ وأصطف حول الشمس ونجمين اثنين ….. وسحب زرقاء وحبيبات الرذاذ تعانق الأرض… كان موعد حضوري على هذه الدنيا حضورا رقصت على أثره السماء تعزف انغام وتر الماء فرحا وتمد الأرض بعطائها… كانت السماء تنهمر وتمتلئ الأرض بالماء وكنت أنا اصرخ صرخة الوجود عند ضحى صباح جئت لهذه الدنيا، كإشتياق بذرة حبة القمح فى جوف الأرض لماء ، هكذا كان مولدي انا.
يقول جدي محمد عليه رحمة الله بأنه فى ذاك اليوم شهدت《 الطرفة البكاية》يوم مولدي في شدة ريحها وانهمار مائها وغزارة مطرها ما لم تشهده مواسم الخريف السابقة، وذات الطرفة البكاية يسميها خبراء الإرصاد ب 《 عروس الخريف》 فإي عروس تزف فى مولدي غيري، واي احتفال ذاك الذي أرتوت الأرض بعده واخضر الزرع وفرح الجميع بقدومه غير مولدي أنا.
وهكذا صرت كل عام أحتفل والأرض مشبعة بالماء والاقدام مخضلة بالطين ونحن منه وإليه.
تذكرني السحب بفرح عجيب ولطيف فرح طفولي حينما كنت أركض فوق الماء غير خائفة وغير هاجسة، ولكن فجأه كبرت وأصبحت اخاف جدآ، حينما أذكر كم منزلا انهار بالماء وكم طفلا فقد غرفته الدافئة وسريره الوثير وغطاءه، وهكذا كبرت وكبر معي خوفي على الأطفال وكبر معي هم الآباء وارتعاب الأمهات.
هل يحاسبني الله على خوفي وهواجس انهمار المياه من السماء.
فمدينتي لا تفرح بقدوم الخريف، فالسلطان ينام فى قصره وهناك أطفال على أرصفة بقايا أرض يسميها منزلا انهار فجأه فى زوبعة السماء.
لماذا لا يسود العدل على هذه الأرض فى موسم الخريف، فالخريف يرقص على أنغامه الزرع وتفرح الأشجار وتعانق الاغصان بعضها البعض.
لماذا لا يفرح الإنسان مثل النبات ومثل بقية الموجودات على هذه الأرض.
لماذا ينهار السقف ويقف صديقي عاجزا وحقيبته المدرسية تسير أمامه فى مجرى الماء.
يري قميصه الأبيض وفردة حذائه البالية هناك تذهب مسرعة ومن ثمه ببطء، يعيقها غصن جاف وأحيانا حجر عنيد يتمسك بالأرض، كأنه يتمسك بحقه على هذه الأرض.
وبعدها بسنوات أخري كبرت أكثر واستوعبت لماذا تبكي السماء!
أنها تبكي علينا ومنا والينا، تبكي لاجلنا، لبؤس أرواحنا ولأطماعنا ولإهانة الأمانة، فالانسان خلق عجولا، يريد سلطانا لا يزول، وجاها يدوم، ومالا لا ينفد، وشبابا لا يشيخ، ويتناسي بأنه فان من الوجود.
كبرت جدآ ومازلت أفرح في قدوم مولدي، فأنا مازلت تلك الطفلة مليئة بالطين .