إشتياق الكناني تكتب ونحن يا سيدي حفاة ننتظر في حافة العالم حذاء؟
إشتياق الكناني تكتب ونحن يا سيدي حفاة ننتظر في حافة العالم حذاء؟
الحصان الأسود عاد مرة أخرى يجتاح هذه الأرض التي تسمى الكرة الأرضية، مابال عالمنا سيدي ما بال هذه الأسماء والمناصب والرتب تعود في كل حين لأول ما فعله ابن آدم… ندور وندور ونعود لنقتل بعضا، كأننا ورثنا هذا الفعل منذ بدء ولادة أب هذه البشرية.
هذه التركة وهذه التراتيبية الي الموت والي الدماء والي حتف شعوب من أجل حفنة قطعة أرض.
من أجل إن تكون الأول… وان تقول انا هاهنا يجب إن يفنى شعب بأكمله .. بأحلامه ومستقبله ، وتطلعات وآمال ولقاء وعد به جندي يقضي فترته التدريبية التي كان يظن بأنها سوف تنتهي بعد أيام .. وحبيبة تنظر من النافذة عودة ذلك الجندي كلما تراقصت أغصان الورد في أول الطريق عند البائعة المسنة التي ودعت قبل شهور رفيق دربها تحت التراب… ذاك التراب الأسود الذي قرر زعيم إن يجتاحه في لحظة صفاء ، وصوت ضحكات قادته وهتافهم هي لنا… وعبر انبعاث دخان سجائره تراقص له مجده ، والطرق التي تزفه ، والنساء اللاتي يخرجن لاستقباله ، والتاريخ الذي يكتب عنه…. والطاولات التي تجتمع معه ، والرؤوس التي تنحني له، حينها أعجب بنفسه وتحرك مفتخرا زاهيا منتشيا نشوة سعادة نصر رمادي تراقص من دخانه ، وظل ينفثه في الهواء ليكبر وتكبر معه الأوهام.
يا سيدي الحرب هي الحرب… لا أحد يهتم بالضحايا والجثث والمحارق .. هل تعلم ماذا يهم المجد، الانتصار ، الأمتلاك ، السلطة ، السيطرة ، النفوذ . ألم اقل بأنها تركة ثقيلة ورثها الإنسان !
الأن كل الحديث حديث الحرب ، والعالم ينام ويصحو عليها… وبعض القادة يضعون الرهان على الفائز ، يا ترى بكم يكون رهانهم وعلى عدد كم من الجثث سيبدأ في هذه الليلة؟
الحكي الآن يتوشح باللون الأحمر ، والقلوب يجتاحها صاحب الحصان الأسود ، يعدد الضمائر ، ويضع الأوسمة لمن خرج يعلي صوته ويهتف مرحبا بالحروب .. ومرحبا بصراع الغاب الذي لم يغب عن هذه الأرض كلما غفت… صحت على صفارة الحرب ، وازيز الرصاص ، وهدير الدبابات ، واقدام الجنود التي تسير فوق التراب الأسود… من أجل حفنة ارض مرة… ومرات امزجة ونشوة قادة … وصراع الاقوى يستحق البقاء.
وتدور الأرض ويرفع الرهان … هناك في القاعات المغلقة وخلف الشاشات الزرقاء ومن الهواتف وعبر المواقع مات هنا مئة جندي وهناك الف جرحى وحرق هذه البلدة، وتجلس طفلة صغيرة حبيسة غرفتها تتابع باسهاب متى يترك والدها (ريموت) ويخرج لعمله، فهي تريد إن تشاهد مسلسلها الأطفالي، الذي يحكي عن متسابق يتيم، ربته جدته لأمه، بعد أن توفيت الأم وغاب الأب في هذا العالم تحت مسمى الجندي المجهول … يضعون اسمه في عمود اسمنتي ضخم وسط ميدان كبير مزين بالوان زاهية ، يخط اسمه باللون الذهبي بأنه الجندي المجهول ، الطفل لا يعرف ما هذا ، وهذه الطفلة التي تشاهده لا تستوعب ولا تدرك جلوس والداها أمام التلفاز يشاهد هذا الانفجار والدماء التي تسيل في الطرقات!
لا تدري من الذي غير عالمها… هل هو مدير والدها، الرجل الذي يطلع في التلفاز ويتحرك بزهو وسط اهازيج الجنود وعلى أنغام موسيقى وابواق ضخمة وتصفيق حار… هل هو الذي غير عالمها.
لقد عاد صاحب الحصان الأسود يا سيدي ، ولا حكي على سجاد ملئ بصناديق جثث تتراص تنتظر يوضع عليها التراب الأسود الذي خرج يحميه والآن يعود ليحضنه وينام فيه.
لماذا كلما وضعت الأمهات ايديهن على قلوبهن وسال الدمع أنهارا … كانت حصيلة هذا السواد وفيات عدد من الأبناء والاباء والبنات وبعض من رفيقات الأمهات .
هاأناذا يسقط الخلخال ، وتغسل الأقدام من الحناء ، وتختفي رائحة الفل والياسمين من البيوت ، وعلى الباب يعلق غياب وتهجير وملاجئ تفتح..
فقد عاد صاحب الحصان الأسود… ويلعب شطرنج يحصد الأرواح والبيادق تساق للمشانق ويظل الملك ينفث وينفث دخانه الكثيف ويرقص لتاريخه المجيد.
ونحن يا سيدي حفاة ننتظر في حافة العالم حذاء؟