إشتياق الكناني تكتب: طائرة ورقية في زمن الخراب
إشتياق الكناني تكتب: طائرة ورقية في زمن الخراب
جلس صديقان، يبدو من مظهر ملابسهما الرثة أنهما قادمان من زمن ليس الزمن، وجلسا على الرصيف دون اكتراث بالمارة أو الضجيج. لا بالصرخات التي تعالت من الشباب المتزلجين بالقرب منهما، ولا ببكاء طفلة خلف زجاج سيارة مسرعة مرت أمامهما، ولا حتى بصوت استغاثة رجل ألقى بنفسه من أعلى الجسر.
كأن الحياة توقفت حولهما، وتلاشى كل شيء ليبقى الوجود منحصرًا بينهما فقط. نظر أحدهما إلى الآخر للحظة، ثم عاد يخفض بصره نحو قدميه. ظل لوقت طويل كأنه ينصت لشيء قادم من أعماق الأرض، شيء لا يسمعه سواه.
وفي ذات اللحظة، طارت أمام الآخر طائرة ورقية صغيرة، تهاوت بخيوطها فوق رأسه واستقرت قرب كتفه، وعلقت إحدى خيوطها بملابسه الممزقة، كأنها تتشبث به أو تحمل له رسالة لا يعلمها إلا هو. فجأة، وقف الرجل كما لو تذكر شيئًا شديد الأهمية، يريد اللحاق به، لكنه بلا وجهة ولا بوصلة تدله على الطريق.
كان الطفل الصغير يراقب المشهد عن بعد، مترددًا وخائفًا. كان ذلك الطفل يعرف جيدًا معنى الخوف، معنى أن تنظر إلى أشياء تحبها ولكنك لا تجرؤ على الاقتراب. أراد استعادة طائرته، لكن هيبة الرجلين بصمتهما الطويل ومظهرهما الرث أوقفته. كان يتذكر تحذيرات أمه من الغرباء، لكن الطائرة تعني له الكثير. ظل واقفًا يراقب بحذر، متمنيًا أن تهب نسمة ريح خفيفة تُسقط طائرته أو أن تحدث معجزة تخلصه من حيرته. بدا كأنه يصلي بصمت، يستدعي ملاكًا رحيمًا ليساعده في استعادة لعبته الصغيرة.
وتوقف الزمان في تلك اللحظة. لا الليل ليله ولا النهار نهاره. بدا المشهد وكأن الزمن علق في مكانه، فلا حركة إلا في أنفاس السحب الرمادية ودخان الخراب الذي يعكر السماء.
هكذا اجتمع الليل والنهار في بلدي، حيث صار الدمار لغة المكان، وجلسا يتأملان الصمت المطبق. نحن كذاك الطفل الذي يريد طائرته، نتوق للأمان، نشتاق لملامح الحياة التي كانت.
متى تهب رياح السلام على بلدي؟ متى تسقط الطائرة من يد السماء لتعيد لنا نبض الحياة؟