مقالات

إشتياق الكناني تكتب : لماذا تتقاتلون هاهنا؟

إشتياق الكناني تكتب : لماذا  تتقاتلون هاهنا؟

 

الحرب معادلة لا يستوعبها عقل ولا يتوقع نتائجها ذاك القائد الذي أمر جنوده بالذهاب إلى المعركة.
معركة تنسج فيها الأوهام والأحلام والتطلعات ولكن لا أحد منهم لا القائد ولا الجنود يدركون وقع مصابها ولا

وقع نتائجها، الكل يرنو نحو هدفه فقط لا يحيد عنه ولا يميل بل يتمسك به، ولكنه لا يملك إجابة لماذا القتال هنا على هذه البقعة فقط، هذه الأرض التي لا يعلم قيمتها إلا أهلها، من يعرفونها وتعرفهم ،يعرفون مجري نهرها

ومصبه، ويدركون تضاريس طقسها ويرشدون بالنجوم في ليالي السمر أو في الليالي التي يختفي قمرها، يعرفونها كما يعرفون أبناءهم وأحفادهم ويتذكرون أجدادهم ،وحدهم مربوطون بها كالحبل السري الذي لا

تنقطع أوصاله منها، مهما تغيرت مجاري الحياة بهم، مهما تغربت بهم طرائق الحياة فهم يعودون لها ويشدهم الحنين اليها، فهي أرضهم مرتع الصبا والذكريات، ولكن لا القائد ولا الجنود يعلمون عن هذه الأرض، فلماذا اختاروها

بقعة لمعركتهم .. يا سيدي أخبرني لماذا أحرقت مدينتي؟
لماذا حشدت جنودك هاهنا وبأي ذنب قتل جاري ونهبت المنازل ونزحت مدينتي في ملاجئ العالم تارة نازحين ومرة أخري لاجئين!
لماذا تتقاتلون هاهنا ؟

وهذه الأرض لا تعرف صوت السلاح ولا تفرق بين ازيز الطائرات ولا تملك بوصلة الاتجاهات، فهي مجرد بقعة أرض يعيش فيها أناس يرسمون أحلامهم في كل ليلة على توقعات مرتب أول الشهر الذي ينتهي قبل الإستلام من” موظف الحسابات ” ثم ينسجون مرة أخرى ألاحلام

نفسها على ذات وقع الجنيهات، حتي أحلامهم بسيطة مثل مرتبهم، مجردون من الأملاك والثروات غير هذه الأرض التي يملكون فيها منزلا يتسوره الأمل ويحضنهم فيه الدفء والصدق والأمان وفي الامسيات حكايات وتاريخ يرويها الأجداد لهم، هذه هي حياتهم وتطلعاتهم

ورضاهم التام يا سيدي، فلماذا تتقاتلون هاهنا؟
أسمح لي أن آخذك في جولة حول هذه الأرض التي اخترتها بقعة لمعركتك وبوابة لتطلعاتك وهي تطلعات وحدك تعلمها وتعرفها وتدركها وتبحث عنها ونحن لا تعنينا في شئ، فهل تعلم أن أهم كنوز هذه البقعة من

الأرض هم الناس اللذين يعيشون فيها، هم فقط أهم كنوزها وميراثها واستمراريتها.
هذه الأرض شهدت سلطات وحكومات وتواريخ وذهب كل ذاك وبقت هي عصية على الأنكسار والأندثار ومن سخرية الأقدار في كل معارك الحياة تخرج منتصرة شامخة ترفع تاج الانتصار، مهما تشعبت المؤامرات

واستعصت السبل ،مهما ظن أحدهم بأنه يملكها فهي تهزمه، تدفنه تحتها ولا يبقي الا الذي يعرف قيمتها ويدرك أهميتها ، و يتعرف عليها وتسمح له هي بامتلاك سرها وكنزها.
فلماذا تتقاتلون هاهنا؟

نسيج الحياة فيها هو حبلها السري الذي يربطها بها، منذ سنوات مضت عشناها فيها ، ولم نظن او ندرك بأننا سوف يأتي زمان نخرج منها مرغمين خائفين .

سوف نعود إليها ذات يوم فرحين منتصرين ،مستبشرين ولكنك لا أنت ولا جنودك باقين فيها، سيبقي فقط الذي يحميها ويفديها والذي يعرفها.

ولا انت ولا جنودك تعرفونها ولا تدركون قيمتها وسوف تخرجون منها، كما يتخيل الظمأن السراب ماء.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى