الأخبارالرياضة العالميةالرياضيةمنوعات

أغنياء في صالات الألعاب.. كيف أصبحت ممارسة الرياضة مكلفة إلى هذا الحد؟

أغنياء في صالات الألعاب.. كيف أصبحت ممارسة الرياضة مكلفة إلى هذا الحد؟

في كتابها “بناء الجسد: صعود ثقافة اللياقة البدنية في أميركا” (Getting Physical: The Rise of Fitness Culture in America)، تذكر المؤلفة شلي ماكنزي كيف أدرك الناس قبل نحو خمسة عقود أنهم قد يصبحون ضحية للأزمات القلبية، وكيف انتشرت بسبب ذلك ثقافة اللياقة في أميركا، ومع انتشارها ظهر التسويق للصالات الرياضية، التي صارت شيئا فشيئا جزءا من عاداتنا في المجتمعات الحديثة، واليوم تُعَدُّ الأماكن المثلى للحصول على اللياقة البدنية في كثير من الدول. (1)

نتيجة لذلك، أصبحت الصورة الذهنية التي تتبادر إلى أذهاننا اليوم عند الحديث عن الرياضة أو التمرين هي في الغالب؛ الملابس الرياضية باهظة الثمن، والساعة الذكية، وصالة الألعاب الرياضية الفاخرة التي يكلف الاشتراك فيها الكثير، لكن المال لا يذهب سُدى، إنها توفر حمام سباحة وبخار لبعض الاسترخاء، والطعام الصحي الذي يصفه متخصصون في التغذية هناك، وربما مدربا شخصيا، وأحيانا منتجات العناية بالبشرة، هذا حقا يدعو للفخر، لكن هذه الصورة تثير التساؤل؛ هل حقا يتطلب الحصول على اللياقة البدينة كل هذه التكلفة؟ ولماذا حدث هذا التغيير في السنوات الأخيرة؟

كل هذه الأرباح

هذا التغيير الذي ربما تكون قد لاحظته بنفسك تؤكده الأرقام الموثقة عالميا، ففي عام 2019 سجَّلت صناعة النوادي الصحية العالمية 94 مليار دولار من العائدات، بزيادة نحو سبعة مليارات دولار عن العام السابق، فيما بلغت قيمة صناعة الصحة واللياقة البدنية في الولايات المتحدة وحدها 30 مليار دولار في عام 2018، بعد أن نمت بمعدل ثابت قدره 3% على مدار السنوات العشر السابقة. (2) (3)

كانت أجهزة تتبُّع اللياقة البدنية تتصدر الاهتمامات في الأعوام الأخيرة، واحتلت صناعة اللياقة البدنية مكانها بوصفها إحدى أكبر الصناعات وأسرعها نموا في العالم. وكان من المتوقع أن تتجاوز عائدات الصناعة حاجز 100 مليار دولار بحلول العام الجاري، لكن ما حدث في عام 2021 كان انخفاضا في إجمالي إيرادات الصناعة، غير أن القطاعات الأخرى المُرتبطة بها مثل التدريب عبر الإنترنت والمعدات الرياضية المنزلية شهدت في المقابل نموا كبيرا. ومن المرجح أن هذا الانخفاض يعود إلى تداعيات الإغلاق جراء وباء “كوفيد-19″، حيث يتوقع تقرير شركة “ويلنيس كرياتيف كو” (Wellness Creative Co) المتخصصة في تسويق الصحة واللياقة البدنية أن الصناعة ستواصل النمو على المدى الطويل. (4)

هكذا تذهب اللياقة اليوم إلى أبعد مدى أكثر من أي وقت مضى، وتواصل النوادي الصحية والصالات الرياضية والشركات عملها الدؤوب، وتُطوِّر العلامات التجارية نفسها لتلبية احتياجات المستهلكين المتزايدة؛ أجهزة اللياقة البدنية القابلة للارتداء آخذة في التطور والانتشار، وصار بوسع المدربين اليوم معرفة الكثير عن عملائهم، ووضع نظام تدريب قائم على تحليل البيانات لمساعدتهم على تحقيق أفضل النتائج، لتتصاعد الأرباح. لكن هل كان الوعي بأهمية الرياضة هو وحده مَن قاد هذه الثورة الكبيرة في صناعة اللياقة؟ (5)

أسرار النمو

يمكن الحديث عن عدة عوامل أسهمت في تنامي الاهتمام بالصحة واللياقة البدنية، على رأسها التحوُّل في سلوكيات المستهلكين الذين صاروا أكثر وعيا من أي وقت مضى بأهمية السلوكيات الغذائية والبدنية. في الوقت نفسه، نما الاتجاه نفسه نحو الرعاية الطبية الوقائية، وصار تغيير نمط الحياة على رأس النصائح التي يوجِّهها الأطباء ومقدمو الرعاية إلى عملائهم.

وهكذا صار الطعام الصحي وممارسة الرياضة بانتظام ضرورة أساسية للجميع، ومع زيادة أعداد الراغبين في ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي، ازداد عدد الصالات الرياضية، ومع عدم امتلاك الكثيرين للوقت الكافي للذهاب إلى الصالات، ازداد الطلب على التدريبات المنزلية، وبفضل التكنولوجيا باتت هناك برامج متاحة في كل المجالات، كما صار بالإمكان التواصل مع الأخصائيين والمدربين بسهولة ويُسر.

نتيجة لذلك، نمت قيمة سوق تطبيقات اللياقة البدنية بمقدار 2.27 مليار دولار في عام 2019، والمتوقع أن يبلغ معدل النمو 29% بين عامَيْ 2019-2026، لتدخل تطبيقات اللياقة البدنية ليس فقط إلى منازل المنشغلين، ولكن أيضا إلى الصالات الرياضية التقليدية أيضا التي سيكون عليها إدماجها لتبقى قادرة على المنافسة.

واصلت التطورات التكنولوجية إسهاماتها في نمو صناعة اللياقة البدنية، حيث بات لدينا اليوم أجهزة قابلة للارتداء، وملابس لياقة بدنية ذكية، وصالات رياضية منزلية عالية المواصفات، مع تدريب شخصي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، مع أنظمة تتبُّع متطورة ودقيقة للسعرات الحرارية وضربات القلب وضغط الدم، تُمكِّن المستخدمين من أن يصبحوا أكثر وعيا بصحتهم ولياقتهم البدنية، وترشدهم إلى كيفية اتخاذ القرارات المثلى لتحسين صحتهم. (6)

قبل بضع سنوات، قدَّمت شركة “ميرور” (Mirror) إحدى أبرز هذه التقنيات؛ مرآة بحجم الجسم تقريبا تحتوي على شاشة من نوع “إل سي دي” (LCD) تتضمن مكبرات صوت وكاميرا وميكروفون، وتقدم مجموعة من التمارين وبرامج التدريب الفردي، عبر هذه الشاشة/المرآة يمكنك رؤية المدرب الشخصي مع متابعة حركاتك -مثل المرآة- بحيث تتمكَّن من متابعة الأداء من المنزل بشكل صحيح، ويتمكَّن المدرب في الوقت نفسه من مراقبتك، وبانتهاء التدريب تعود لتبدو مرآة معلقة على الحائط، ويبلغ متوسط تكلفة هذه المرآة 1500 دولار أميركي. (7) (8)

لياقة أم رفاهية؟

حسنا، لا تقف الأمور عند هذا الحد، فوراء كل هذه التقنيات المتطورة والتكاليف المُرتفعة، هناك تغيير بارز يلمسه الجميع في الجيل الجديد من ممارسي الرياضة في الصالات. لم تكن ممارسة الرياضة أو الركض وتناول الطعام الصحي تتسبَّب في هذا القدر من التوتر الذي تُسبِّبه اليوم: لقد بات عليك الذهاب صباحا إلى التمرين أو في الساعات الأخيرة من صيامك المتقطع، ثم تناول الوجبة الصحية التي وصفها لك اختصاصي التغذية، والتقاط صورة لأحد هذه المشاهد لنشرها على إنستغرام.

ربما يكون الاهتمام بالصحة واللياقة تجربة تستحق المشاركة فعلا، لكن تكلفتها المتصاعدة مع هذا التوتر واللهاث الذي ينتاب الكثيرين لاقتناء الملابس والمعدات الباهظة يستحق التوقف؛ هل نحتاج إلى ارتداء الملابس الرياضية المكلفة وزوج من الأحذية تتجاوز قيمته 200 دولار، وساعة ذكية أو سوار رياضي من “فيت بيت” (Fitbit) حتى نمارس الرياضة؟ وهل تحتاج حقا إلى دفع قيمة الاشتراك في صالة ألعاب رياضية تُقدِّم لك أحدث الأجهزة وبرامج التغذية والوجبات مع الحمامات البخارية أحيانا؟ (9)

إذا كان الهدف حقا هو ممارسة الرياضة فهناك الكثير مما يمكن التخلي عنه. يمكننا البدء بتوفير ثمن الملابس الرياضية الباهظة والاكتفاء بملابس قطنية مريحة.

يقودنا هذا مجددا إلى التأثير الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا المعاصرة. من خلال البحث مثلا في هاشتاج #fitness سوف تحصل عبر ضغطة واحدة على أكثر من 500 مليون مشاركة، وهو رقم مرعب في ضخامته. يشجع المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي متابعيهم على الأكل الصحي وممارسة الرياضة والظهور بمظهر رشيق ورياضي، لكن الأمر ليس بريئا تماما، حيث تدخل العلامات التجارية في شراكة مع هؤلاء المؤثرين والمشاهير لتسويق منتجاتها، بحيث لم يعد التنافس يدور حول الرياضة نفسها بقدر ما يدور حول رفاهيات التجربة: صالات الألعاب المتطورة والملابس الباهظة والإكسسوارات المتطورة والأطعمة الصحية غالية الثمن. (10)

لياقة أقل تكلفة

هل يتطلب الأمر حقا كل هذه التكلفة وكل هذا العناء؟ أنت تعرف الجواب بالتأكيد، إذا كان الهدف حقا هو ممارسة الرياضة فهناك الكثير مما يمكن التخلي عنه. يمكننا البدء بتوفير ثمن الملابس الرياضية الباهظة والاكتفاء بملابس قطنية مريحة، بالنسبة للنساء ربما تستحق بعض المزايا إنفاق المزيد لاقتناء حمالة الصدر الرياضية في حالة ممارسة تمارين مثل الجري أو القفز، لكن ممارسة التمارين متوسطة الشدة لا تستدعي ذلك.

يمكننا توفير المال الذي نُنفقه على الأحذية أيضا، كثير من التمارين والرياضات مثل اليوغا يمكن ممارستها دون حذاء، وهناك مجموعة كبيرة من الأحذية متفاوتة الثمن التي يمكن أن تناسب التمارين والركض، المهم هو أن تكون مريحة. كما يمكنك الركض وممارسة التمارين بدون ساعة ذكية، والاكتفاء بتدوين المسافات التي قطعتها أو الأوزان التي تحملها في دفتر ملاحظات ورقي.

أما عن عضوية الصالة الرياضية، فالصالات منخفضة السعر ستكون أكثر من كافية إذا كنت تريد فقط أن تحصل على اللياقة، يمكنك الاعتماد على الأوزان والآلات البسيطة، وهناك تمارين مجانية تماما مثل المشي والركض، كما يمكن ممارسة التمارين في المنزل باستخدام التطبيقات أو الفيديوهات المتاحة، يمكنك الاستعانة ببعض الأوزان المنزلية أو ربما حبل مقاومة.

أخيرا، هناك كثير من المؤثرين والمدربين عبر وسائل التواصل يحاولون نشر أفكارهم التي تبدو أكثر مرونة وتسامحا للحصول على اللياقة بتكلفة قليلة، وبدافع تحسين الصحة، وليس التباهي بشكل الجسم والملابس، يمكنك أن تبدأ في البحث عن هذا النوع من المؤثرين والاقتداء بهم، والبحث عن الأفكار المُلهمة في هذا الصدد. (11) (12)

_____________________________________________

المصادر:

  1. The Fitness Trend That Is a Mirror
  2. LEADING WELLNESS INDUSTRY RESEARCH
  3. Fitness Industry Statistics 2022 [Growth, Trends & Online Stats]
  4. المصدر السابق
  5. Why the Fitness Industry is Growing
  6. المصدر السابق
  7. مرآة تقنية.. صالة ألعاب رياضية على الحائط
  8. More money, more fitness: Why people in the wealthiest states get more exercise
  9. Fitness has become a luxury item. It doesn’t have to be
  10. Why the Fitness Industry is Growing
  11. The Fitness Trend That Is a Mirror
  12. How to Get Fit on a Budget
المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى