د.خالد أحمد الحاج يكتب: مسألة محيرة
تحبير.
د.خالد أحمد الحاج يكتب: مسألة محيرة
الطريقة التي تتعامل بها الحكومة السودانية مع المجتمع الدولي بمعسكريه الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الاشتراكي الذي تقف على رأسه روسيا، حقيقة هناك إرباك في المشهد جعل التحليل
السياسي هو الآخر متأرجحا، بالنظر إلى حالة الشد والجذب التي تتحكم في علاقات روسيا وأمريكا، وسعي كل طرف مهما لبناء تحالفات تؤكد على سطوته وسيطرته على الموقف، خاصة على محيط الشرق الأوسط
المضطرب. * كان لابد من هذه التوطئة تمهيدا لهذه القراءة التحليلية عن موقف السودان الذي تكتنفه ضبابية كثيفة، بالنظر إلى أن الخرطوم في الفترة الأخيرة تقاربت كثيرا مع المشروع الليبرالي، بدليل أن الاتفاق الإطاري
الذي وقع قبيل انقضاء العام الفائت بورك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ووجد المساندة من حلفائها الدائمين، مع الوضع في الاعتبار للمساندة غير المخفية للنظام الأمريكي للتطبيع ما بين الخرطوم وتل أبيب. *
ومما يجعل الأمور ملتبسة فعلا أن الخرطوم قد فتحت خطا مع موسكو، بدليل أن عددا من القيادات السودانية زاروا موسكو مؤخرا، وستتوج العلاقات بزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي سيحل ضيفا
على الخرطوم الأربعاء القادم. * إلى اللحظة لم تحدد الخرطوم موقفها بصورة واضحة من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، ولم يصدر عنها ما يوحي بأنها مع أو ضد “فاغنر”، في حين أن الخارجية الأمريكية قد تواصلت
مع بعض الأطراف في المنطقة بغرض وضع حد لتمدد “فاغنر” بمنطقة شمال شرق وغرب أفريقيا، مع العلم بأنه حول تحركات “فاغنر” فأفريقيا والمنطقة الواقع فيها السودان جملة من علامات الاستفهام والأسئلة الحائرة التي تدور بالإذهان في بعض الدوائر الغربية. * الوثيقة
الدستورية لم تعط رئيس مجلس السيادة الحق في التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، المتفق عليه أن التخويل في مثل هذه القضايا لحكومة منتخبة من الشعب، وعبر الاستفتاء، ومعلوم بأن البلاد تمر حاليا
بحالة فراغ دستوري، وقضية كهذه تحتاج إلى إجماع، ولا يمكن لجهة واحدة أن تبت فيها، ناهيك عن موقف بعض القوى السياسية من التطبيع، من صرحوا برفضه جملة وتفصيلا وفقا لمبررات قالوا بها، أو هي معلومة بالضرورة لعامة الشعب، أو من لزموا الصمت. * هل
بمقدور الحكومة القادمة أن تبرم اتفاقا مع إسرائيل، ويكون العمل به ملزما، مع العلم بأنها امتداد لحكومات الفترة الانتقالية منذ سقوط نظام البشير، ما نعرفه عن تفويضها أنه مرتبط باستكمال الفترة الانتقالية، إلى حين
انعقاد الانتخابات، في حين أن أمهات القضايا التي من ضمنها قضية التطبيع بحاجة إلى كلمة فصل من الشعب، وهذا هو بيت القصيد. * وحتى يكون الاتفاق مقبولا يلزم أن تتم المصادقة عليه من قبل حكومة مفوضة من
الشعب الذي يخول لها أن تنوب عنه بهذا الخصوص. * عدم وضوح الرؤية في السياسية الخارجية في العديد من المسائل جزء من الأزمة الحالية، الحديث عن العلاقات الخارجية يطول، فالتوازن في العلاقات الخارجية يحتاج
إلى شفافية ومرونة وتقليب مصالح البلاد العليا والقدرة على التفاوض الذي يجعل كفة السودان راجحة. * ما لا يخفى على أحد أن المجتمع الدولي ينظر للأوضاع في السودان بشيء من القلق، من واقع أن البلاد تمر بمرحلة
مفصلية ودقيقة، ومستقبل علاقات السودان الخارجية رهين بتشكيل حكومة قادرة على تصريف شؤون البلاد في ظل سلام مستدام، وعدالة انتقالية تضع حدا لحالة الإحباط التي عليها أسر الضحايا والمفقودين، وبخاصة أنهم ينتظرون نتائج حقيقية في محاكمة من قتلوا
أبناءهم، ومن ساهموا في ألا يرى هذا الملف النور. * قد لا يكون في المقدور الإجابة على السؤال المفتاحي الذي تصدر هذا المقال إلى أي طرف تنحاز الحكومة السودانية في ظل هذا المشهد المربك؟ بيد أني كنت اتوقع من جهاز العاملين بالخارج، أو جهاز المغتربين إن جاز التعبير أن
يطرح رؤية واضحة يحدد من خلالها الآلية التي يتم بها استيعاب مدخرات المغتربين ؟ وما الضمانات التي تجعل المغتربين يتدافعون لاستثمار ودائعهم بالداخل ؟ ولكن قبل ذلك لابد أن تضع الدولة حدا لتدهور العملة الوطنية،
وأن تضع سياسة جديدة للاستثمار، وكيف لها أن تستقبل رؤوس الأموال الأجنبية؟ * مع العلم بأن هناك صور سالبة لابد أن تعمل كافة وسائل الإعلام الوطنية على محوها، وذلك يتطلب جهدا مضاعفا، وخطة تتسابق الوسائط على تطبيقها عسى أن يساهم كل ذلك في الترقية والتطوير المطلوبين.