هكذا ساهم وباء كورونا في تطوير الإعلام العلمي العربي
بدايات ازدهار الإعلام العلمي العربي كان مع انخراط صحفيين علميين في نشاط الاتحاد الدولي للصحفيين العلميين الذي قام بداية من عام 2007 إلى نهاية عام 2009 بتنظيم أول دورة لتكوين الصحفيين في المنطقة العربية وأفريقيا.
يعيش الإعلام العلمي العربي منذ فترة ديناميكية جديدة لم يعرفها من قبل، وليست مبالغة إن قلنا إنه اليوم بات من أقوى التخصصات الإعلامية العربية نشاطا وحيوية من حيث التشبيك بين الصحفيين وإقامة الندوات والتدريبات وتنظيم المؤتمرات وغيرها من الفعاليات.
وكان لتوسع وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت ثم انتشار فيروس كورونا الدور الكبير في دعم الإعلام العلمي العربي وبروز أهميته وإطلاق عناوين صحفية علمية جديدة، أضافت قيمة للمحتوى العلمي مقابل بروز جيل جديد من رواد التواصل العلمي وتبسيط العلوم وانخراط مؤسسات ثقافية وهيئات علمية عالمية وعربية في مسار الدعم.
end of list
مسيرة عقدين من الزمن
بدايات ازدهار الإعلام العلمي العربي كان مع انخراط صحفيين علميين في نشاط الاتحاد الدولي للصحفيين العلميين الذي نظم من 2007 إلى 2009 أول دورة لتكوين الصحفيين في المنطقة العربية وأفريقيا باللغات الثلاث، العربية والفرنسية والإنجليزية، وتوفيره نسخة عربية من برنامج تدريبي إلكتروني على موقعه.
كانت تلك الدورة التدريبية من الأقوى التي يمكن أن يحظى بها الصحفيون العلميون العرب، حيث شارك فيها 60 صحفيا، ولأنها كانت ناجحة أعيد تنظيم البرنامج بين سنوات 2010 و2013.
وقبل ذلك بعام، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2006، تأسست “الرابطة العربية للإعلاميين العلميين”، التي نشأت كمجموعة على الإنترنت عام 2003، ثم انضوت تحت مظلة “المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا” لتتأسس رسميا في مؤتمرها المنعقد بدمشق في ذلك التاريخ.
الرابطة وإن خفّ بريقها اليوم، فإنها قامت آنداك بنشاطات كثيرة، حيث أشرفت على إصدار أول دليل عربي تعليمي للإعلام العلمي، كما نظمت أول مؤتمر للإعلام العلمي العربي في فاس بالمغرب عام 2008، والمؤتمر الدولي التاسع للإعلام العلمي وهو أول مؤتمر دولي للإعلام العلمي ينظم في العالم العربي عقد في قطر عام 2011، بحضور 30 إعلاميا علميا عربيا.
ومع انتشار فيروس كورونا، أطلق الصحفيان المصريان بثينة أسامة (أحد مؤسسي الرابطة العربية للإعلاميين العلميين) وسعد لطفي (أحد مؤسسي أسبوع العلوم المصري ثم العربي) منتدى الإعلام العلمي Science Journalism Forum الذي يعقد سنويا عبر الإنترنت، ويشارك فيه إعلاميون علميون من مختلف دول العالم، وهو يعتبر من أبرز الفرص للصحفيين العلميين العرب لصقل مواهبهم وتشبيك علاقاتهم.
كما عرفت هذه الفترة إطلاق أسبوع العلوم العربي والمنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي اللذين يقامان مرة كل سنة، ويُتبعان على مدار العام بورشات ولقاءات علمية ضمن فعاليات المنتدى العربي للعلوم والتواصل العلمي وهي كلها من تنظيم مؤسسة “سايكوم إكس” المتخصصة في التواصل العلمي.
وتقول بثينة أسامة إن “عام 2022، تابع المنتدى حوالي 1550 فردا و180 متدخلا يمثلون حوالي 150 بلدا، قاموا بتنشيط 93 جلسة في 5 لغات (العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية).. كما نظمنا -على هامش المنتدى- 80 لقاء نوقش خلالها أهم القضايا العلمية التي تهم الصحفيين العلميين”.
وفي تعليقها عن واقع الإعلام العلمي العربي قالت بثينة أسامة، إن “نشأة هذا التخصص كان منذ زمن بعيد حيث يعود إلى 1865، تاريخ إطلاق أول مجلة علمية وكانت في مجال الطب ونشر الثقافة الصحية لعموم القراء. ومسار تطور الإعلام العلمي كان دائما متدحرجا صعودا ونزولا حسب الظروف ومدى اهتمام الجمهور العام به”.
وتابعت “تجربتي مع الإعلام العلمي كانت بداية من عام 2000 في موقع “إسلام أون لاين” وكنت من بين المشاركين في تأسيس الرابطة العربية للصحفيين العلميين التي كان هدفها تطوير قدرات الصحفيين وتشبيكهم، وذلك كله كان تحت مظلة الاتحاد الدولي للصحفيين العلميين.. اليوم نشاط الرابطة متوقف منذ فترة لأسباب عديدة، وربما سيأتي اليوم الذي سنعيد بعثها من جديد”.
وباء كورونا وقمتا المناخ العالمية في المنطقة العربية
كان انتشار وباء كورونا سببا رئيسيا في عودة الاهتمام بالإعلام العلمي خاصة في جانبه المتعلق بالصحة، وقد شكّل ذلك فرصة لعودة الاهتمام بهذا التخصص في كل المواقع الإعلامية الدولية، بعدما ظهرت جليا الحاجة الملحة إلى ضرورة وجود صحفيين علميين لمتابعة الوضع عن كثب.
تقول بثينة أسامة “في فترة انتشار فيروس كورونا أخذ الإعلام العلمي زخما كبيرا بشكل كبير وربما مبالغ فيه، وظهرت الحاجة إلى وجود صحفيين علميين أكفاء والاهتمام بتدريبهم وقدراتهم في العالم وفي المنطقة العربية”.
وهنا جاءت الفكرة مع الزميل سعد لطفي لإنشاء منتدى الإعلام العلمي الذي نظمنا نسخته الثالثة قبل أيام، وأيضا المنتدى العربي للعلوم والتواصل العلمي، والملاحظ أن المنتديين أصبحا يستقطبان كل عام مزيدا من المهتمين والمختصين في مجال التواصل العلمي”.
وأضافت بثينة بتفاؤل كبير “ما زلنا نعيش في زخم الاهتمام بالإعلام العلمي والبيئي خاصة أن المنطقة العربية تحتضن المؤتمر العالمي للمناخ في مصر ثم بالإمارات العام القادم.. فاللحظة فارقة. وأظن أن اليوم لا بد أن يصبح للصحفي العلمي مكانة أساسية في المؤسسة الإعلامية فوجوده ضروري ولا ينبغي أن يكون أسهل صحفي يمكن الاستغناء عنه”.
انخراط مؤسسات وهيئات في نشاط الدعم
وتزايد اهتمام الجمهور العام بالإعلام العلمي وبروز الحاجة إلى وجود صحفيين علميين في المنطقة العربية دفع هيئات ومنظمات حكومية وغير حكومية إلى توجيه دعمها نحو تكوين الصحفيين وبناء قدراتهم، من خلال تنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية في فائدتهم.
ومن بين هذه الهيئات التي ساهمت في تدريب الصحفيين العلميين نجد على سبيل المثال المجلس الثقافي البريطاني ومعهد غوته الألماني في مصر، الذي أصدر دليلا للصحافة العلمية، فضلا عن الجامعة الأميركية بالقاهرة والوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي وشبكة الصحفيين الدوليين (IJNET) الذين تميزوا بتنظيم دورات تدريب وإصدار أدلة إعلامية تعليمية.
ويعتبر محمد السنباطي أحد مؤسسي للمنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي من بين الصحفيين العلميين الذين ساهموا في تدريب الصحفيين العلميين العرب، في إطار برنامج المعهد الثقافي البريطاني ومعهد غوته الألماني.
ويقول للجزيرة نت -عبر البريد الإلكتروني- إن “انتشار فيروس كورونا ساهم في إطلاق الكثير من المبادرات والدورات التدريبية من أجل بناء القدرات في الصحافة العلمية وقد أنجزنا في ذلك الكثير من الدورات”.
وأضاف “باعتبار أن مصر هي حاضنة المؤتمر العالمي للتغيرات المناخية هذا العام ومن بعدها الإمارات، كان الاهتمام منصبّا على المواضيع البيئية، وخاصة التغيرات المناخية التي تعتبر من المواضيع العلمية الأكثر سخونة في العالم وفي المنطقة العربية”.
وخلص السنباطي “كصحفي علمي ومُدرب في الصحافة العلمية والإعلام العلمي تعاونت مع المجلس الثقافي البريطاني في مصر لتنفيذ برنامج تدريبي حول الصحافة العلمية الذي انطلق منذ سنتين، والهدف منه كان تمكين الصحفيين العرب غير المتخصصين من تطوير مهارتهم لتغطية المواضيع العلمية بشكل عام وكورونا بشكل خاص، وهذه السنة ركز على موضوع التغيرات المناخية ونظمت ورشات تدريب في المجال”.
وهناك أيضا هيئات إقليمية ودولية باتت تساهم في تكوين الصحفيين العلميين، مثل الوكالة الفرنسية لتطوير وسائل الإعلام التي نظمت من 2020 إلى نهاية 2021 برنامجا تدريبيا في صحافة الحلول البيئية وأصدرت دليلا حول صحافة المناخ. كما لعبت شبكة الصحفيين الدوليين دورا واضحا في تكوين الصحفيين من خلال تنظيمه ورشات تدريب في صحافة المناخ مواكبة لقمة المناخ التي عقدت في مصر.