بعد أكثر من 1200 عام على وفاته.. كيف يبدو ضريح الإمام ابن حنبل في بغداد؟
رغم الإهمال الواضح للمرقد وتهالكه الذي لا يليق برجل مثله، فإن التاريخ الإسلامي والإنساني خلد ذكرى صاحب رابع المذاهب السنية وآخرها كما يليق بهذا العالم الجليل.
بغداد – في زقاق قديم منازله متهالكة، داخل إحدى أحياء العاصمة بغداد القديمة، وعلى طريق متعرج، يقع مرقد صاحب المذهب الحنبلي الإمام أحمد بن حنبل، وكأنه يستنجد بالمسؤولين المعاصرين لإنقاذه وإعادة بنائه وترميمه، بعد مرور أكثر من 1200 عام على وفاته.
وفي منطقة الحيدر خانة -وهي إحدى أحياء بغداد القديمة المهملة بجوار ساحة الميدان ومدخل شارع الرشيد التراثي- وبمساحة لا تزيد على 300 متر مربع؛ يقع مرقد الإمام بن حنبل، تحيطه أبنية ومنازل قديمة ومتهالكة يعيش أصحابها بفقر مدقع، فهي منطقة شبه منسية ومهملة.
وهناك، يوجد باب صغير وقبة واحدة وجدار متهالك وباحة صغيرة وضريح نادرا ما يفتح للزائرين، حيث تفتقر المنطقة والزقاق لأبسط الخدمات ومقومات الزيارة أو حتى المكوث لفترة أطول.
والإمام أحمد بن حنبل هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفا بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء، ويعد كتابه “المسند” من أشهر كتب الحديث وأوسعها.
يقول مسؤول الضريح الحاج محمد حسن الشيخلي إن مساحة الضريح تقدر بنحو 300 متر مربع، حيث نطمح لتوسعة الضريح، وكان آخر ترميم شهده الضريح عام 2010، وما تلاه ترميمات بسيطة لا ترقى إلى مستوى الطموح، وفضلا عن ذلك، الضريح بحاجة إلى توسعة للباحة لتستوعب مستقبلا أعداد الزائرين.
ويوضح الشيخلي -وهو موظف معين من قبل الأوقاف لخدمة الضريح- في حديث للجزيرة نت أن “الزيارات إلى الضريح شبه مقطوعة بعد جائحة كورونا، وقبل ذلك كان يأتي مئات الزائرين -رغم ضيق المكان- من دول الخليج العربي والهند وباكستان والصين وتركيا وبعض دول أفريقيا، مشيرا إلى أن الضريح داخل جامع عارف آغا الذي شيد في عهد العثمانيين، وبالمجمل فإن مساحة الجامع والضريح نحو 300 متر مربع، وهو ما يعادل مساحة منزل في بغداد.
ويؤكد الشيخلي أن “رفات الإمام بن حنبل نقل في ثلاثينيات القرن الماضي من مقبرة باب حرب بمحيط مدينة الكاظمية الحالية إلى مكانه الحالي في منطقة الحيدر خانة بجهة الرصافة من بغداد بسبب فيضان نهر دجلة عام 1937م، ومنذ ذلك الحين وهو في هذا المكان، بحسب الروايات المتواترة من أهالي بغداد.
ورغم الإهمال الواضح للمرقد وتهالكه الذي لا يليق برجل مثله، فإن التاريخ الإسلامي والإنساني خلد ذكرى صاحب رابع المذاهب السنية وآخرها كما يليق بهذا العالم الجليل.
كورونا عطلت قدوم الزائرين
ويقول مدير دائرة الأضرحة والمقامات والمراقد الدينية في ديوان الوقف السني الدكتور فارس العبيدي إن ديوان الوقف السني رصد مبالغ لأغلب أضرحة الأئمة في العراق لتطويرها وتأهيلها، ومنها ضريح الإمام ابن حنبل في بغداد ضمن خطة وضعها الديوان، مشيرا إلى أن الديوان يسعى لتوسعة الضريح أيضا.
ويوضح العبيدي -في حديث للجزيرة نت- أن “موقع ضريح ابن حنبل هو داخل زقاق ضمن حي قديم مختنق، والتوسعة تحتاج إلى المزيد من الوقت، وهناك لجان متخصصة تعمل على تطوير الضريح، مشيرا إلى أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على انخفاض أعداد الزائرين للأضرحة بشكل عام خاصة للزائرين من خارج العراق”.
ولا يسع الضريح من الداخل أكثر من 30 شخصا من الزائرين كحد أقصى بسبب صغر المكان، لكن الضريح يضم فسحة عند المدخل، فيما يغطي القبر أغطية مهداة من المسلمين في باكستان والصين، وبناء القبر من مادة المرمر، وقد نحت عليها اسم الإمام، وتحيطه لوائح مؤطرة فيها نسبه وذكر بعض مناقبه.
مناقب ابن حنبل على لسان المشايخ
يقول إمام وخطيب جامع الحسين بن علي في الفلوجة الشيخ أنس حميد الحلبوسي -في معرض ذكر مناقب بن حنبل- إنه الفقيه المحدث رابع الأئمة الأربعة المشهورين عند أهل السنة وصاحب المذهب الحنبلي الشهير في الفقه الإسلامي، اشتهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفا بالزهد والورع والصبر والتسامح وبقول الحق ومناصحة الولاة ولا يخشى في الله لومة لائم.
وتابع الحلبوسي القول -وهو مدير معهد ورثة الأنبياء للعلوم الشرعية والإسلامية- حديثه للجزيرة نت أن “الإمام أحمد رحمه الله اشتهر بصبره على المحنة المعروفة بمحنة “خلق القرآن” والتي وقعت في العصر العباسي بعهد الخليفة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق بعده، حيث كان يرى هؤلاء الخلفاء رأي المعتزلة بأن القرآن مخلوق محدث، ولكن الإمام أحمد وغيره من علماء أهل السنة والجماعة خالفوا ذلك القول فحبس بسبب ذلك الإمام رحمه الله، وعذب وصبر ولم يتراجع عن قوله، ثم أخرج من السجن في عهد الواثق إلا أن الواثق منعه من التحديث والتدريس والاجتماع بالناس، فلما تولى الخلافة المتوكل أنهى تلك الفتنة إنهاء كاملا”.
جدل حول موقع الضريح
وفيما يشير الباحث والموسوعي الدكتور علي النشمي -في حديث للجزيرة نت- إلى عدم وجود مصادر تاريخية تؤكد وجود ابن حنبل في مكانه الحالي، كون القبر جرف قبل مئات السنين بسبب فيضان وقع في بغداد، مستدركا بالقول، ولكن يقال إن رفاته نقل إلى جامع في موقعه الحالي، ويؤكد الناطق الرسمي لدار الإفتاء العراقية وعضو الأمانة العامة للمجمع الفقهي العراقي للوحدة الإسلامية الشيخ عامر البياتي -للجزيرة نت- أن “نقل جثمان الإمام بن حنبل من مقبرة باب حرب في الكاظمية إلى مكانه الحالي -والذي يعرف أيضا بمحلة الحنابلة في عام 1937- تم بإشراف نخبة من علماء بغداد ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية آنذاك”.
ويشير البياتي إلى أن الإمام ابن حنبل وصف بالجهبذ والجبل الشامخ الأشم، وكان يلقب بالصديق الثاني لأنه صبر على ما جرى له بما يعرف بفتنة خلق القرآن في العصر العباسي.
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن الإسلامي محمد البخاري أن مدرسة ابن حنبل كانت تعتبر البناء على القبور من البدع، فأهمل الناس ترميم القبر لحقب من الزمن، وقد شهدت أول إعادة بناء للضريح عام 1998، حيث هدم وأعيد بناؤه من جديد، وحتى الآن لم يلق قبره أي اهتمام من الجمهور العراقي الذي يعتنق أغلبه منهج أهل البيت والمذهب الحنفي.
وينوه البخاري -في حديث للجزيرة نت- بمكانة ابن حنبل كأحد أئمة المذاهب الفقهية الأربعة؛ “إذ عاش زمن الدولة العباسية التي صبغ الخلفاء العباسيون خلافتهم باللون الثقافي لصاحب المذهب الذي يستذوقون منهجه العلمي، فكانت سياسة الخليفة ضالعة في رفع اسم والتعتيم على اسم آخر، وقد درس أحمد بن حنبل عند أبي يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة النعمان”.
وجدير بالذكر أن أحمد بن حنبل ولد ونشأ في بغداد يتيما، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتجه إلى الحديث النبوي، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى الحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ 40 عاما في سنة 204هـ جلس للحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة 5 آلاف.
توفي ابن حنبل بوقت الضحى من يوم الجمعة في 12 ربيع الأول سنة 241هـ، وهو ابن 77 عاما، ودفن في مقبرة باب حرب، وهذا ما أكده العديد من المؤرخين منهم الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” وياقوت الحموي وابن الجوزي في “المنتظم”، وباب حرب هو الربض الواقع شمال غرب الكاظمية الحالية، والمتواتر عند أهل بغداد نقلُ رفات الإمام أحمد بن حنبل أيام فيضان نهر دجلة سنة 1937م إلى مسجد عارف آغا في منطقة “الحيدر خانة” ببغداد حيث مكانه الحالي.
المصدر : الجزيرة