كاتب فرنسي يحلل أسباب استمرار نظام الأسد رغم المعارضة الواسعة ضده
كاتب فرنسي يحلل أسباب استمرار نظام الأسد رغم المعارضة الواسعة ضده
تساءل كاتب فرنسي عن الأسباب في استمرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد رغم المعارضة الواسعة له، مجيبا بأن ذلك يكمن في التدخلات العسكرية لروسيا وإيران وحزب الله وتضامن العلويين والسيطرة المطلقة لأسرته على الدولة.
وقال الكاتب أدريان كلوسيت، في تقرير له نشرته صحيفة “لوموند دبلوماتيك” الفرنسية (Le Monde Dipolmatique)، إن الإطاحة بالأسد بدت في مارس/آذار 2011 أمرا لا مفر منه، وبدا أن مصير النظام أصبح رهن تدخل دول الخليج وتركيا والقوى الغربية.
وأوضح كلوسيت أن نظام الأسد استفاد من التدخل العسكري الحاسم لداعميه الروس والإيرانيين وكذلك حزب الله اللبناني، في حين أن قوته تكمن في الأساس الذي وضعه حافظ الأسد، الذي نجح، على عكس أسلافه، في تأمين ولاءات دائمة له معتمدا على عدة ركائز.
الطائفة
وأشار إلى أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان يركز باستمرار على إيلاء أهمية قصوى للعلويين داخل الدولة. واختار هو وأبناؤه، في أوقات الصدامات ربط مصيرهم علنا بمصير العلويين، مثلما حدث أثناء الانتفاضة التي قادها الإخوان المسلمون في حماة عام 1982، وعلى مدى العقد الماضي، عمل النظام على إقناع العلويين بأن مستقبلهم يعتمد على استمرار وجوده، حتى إن كان ذلك يعني تكبد خسائر كبيرة في الأرواح.
ورغم الأقلية الديمغرافية الواضحة للعلويين، يوضح الكاتب، فإن القبضة الحديدية للنظام السوري على السلطة كانت تستند أيضا إلى تحالفاته مع البرجوازية الحضرية والتجارية والسنية بشكل أساسي. ومن خلال تمكينهم من إثراء أنفسهم وتسهيل الزواج مع أفراد العشيرة، نجحت عائلة الأسد في تأمين ولاء العديد من شبكات النخب السورية. وقد ساعد زواج بشار الأسد من أسماء الأخرس، التي تنحدر من عائلة سنية ثرية، في بناء صورة زعيم غير طائفي.
حزب البعث
تتمثل الركيزة الثانية للنظام في حزب البعث كأداة للإنتاج الأيديولوجي. كان مذهبه، الذي يمزج بين القومية العربية والتأثيرات الاشتراكية والعلمانية، مصدرا استند إليه الدستور المعتمد في عام 1973. وكان حزب البعث في سوريا، الذي كان مركزا تاريخيا في سياسات العالم العربي في الستينيات والسبعينيات، هو الممر الإلزامي لأي شخص يرغب في تقلد مناصب في الدولة، وبذلك تحول هذا الحزب إلى شبكة أساسية للتجنيد والتدريب.
منذ سنة 2011، ضاعف الحزب جهوده للدفاع عن النظام. وبينما كان مستهدفا في المظاهرات الأولى، بما في ذلك حرق مقره في درعا، يلتزم حزب البعث بالنهج الرئاسي ويختار الأسلوب الصارم ضد المعارضين، الذين يصفهم بالإرهابيين الممولين من الخارج.
الجيش
اعتمدت السلطة دائما على الجهاز العسكري. وتتفرد عشيرة الأسد بقيادة وحدات معينة من الجيش وأجهزة مخابراته. وهكذا، تمكن حافظ الأسد من خلال السيطرة على القوة الجوية من الانقلاب في عام 1970. واليوم، تلعب المخابرات دورا حيويا.
وعندما ورث السلطة عن والده في عام 2000، قام بشار الأسد بإعادة هيكلة كاملة لهذه الأجهزة لضمان ولائها. ومن عام 2000 إلى 2002، عُزل العشرات من المستشارين وكبار المسؤولين العسكريين لكونهم غير أوفياء للرئيس أو قريبين جدا من عمه رفعت الأسد -الذي لم يُخف أبدا رغبته في قيادة البلاد- ومن بين الذين أقيلوا السيد علي دوبا، مدير المخابرات العسكرية، الذي خلفه لاحقا آصف شوكت، زوج أخت الرئيس الكبرى، الذي توفي في تفجير انتحاري في دمشق في عام 2012.
أجهزة الدولة
أما الركيزة الأخرى للنظام كانت الدولة التي يشكل الرئيس مؤسساتها حسب رغبته، بحيث تكون أي محاولة لإزاحته بمثابة هجوم عليها. وهذا يفسر، على حد تعبير الباحث ميشيل سورا، سبب بناء الدولة السورية بطريقة تجعلها في مواجهة المجتمع وفي موقف دفاعي دائم منه.
ومن هنا، يقول الكاتب، ينبع تقليد طويل من الإجراءات القمعية والعنيفة التي لا يردعها شيء. كان هذا هو الحال في عام 1982 في حماة، عندما قصفت القوات الجوية الأحياء السكنية في عهد حافظ الأسد. وتكرر هذا السيناريو مع ابنه بشار الأسد المتهم بتنفيذ هجمات كيماوية في الغوطة وضواحي دمشق في عام 2013 وخان شيخون في عام 2017. وهي أحداث أثارت غضب “المجتمع الدولي” دون أن تضعف قبضة النظام على السلطة.
انقسامات المجتمع
عموما، استفادت الحكومة السورية من الانقسامات داخل المجتمع على أساس العشائر والدين وغيرهما. ويشكل هذا الانقسام عقبة أمام ظهور معارضة موحدة قادرة على تجاوز الخلافات والاختلافات. وبفضل الوعظ السياسي والديني، تمكنت الجماعات الإسلامية وحتى الجهادية من تقديم نفسها بديلا للنظام، لكن هزيمتها العسكرية وكذلك “الصورة البغيضة” للفظائع التي ارتكبتها، بما في ذلك ما فعله تنظيم الدولة، أدت إلى تشويه صورتها الأمر الذي يعتمد عليه النظام باستمرار.
روسيا وإيران
على الصعيد العسكري، أتاح التدخل الروسي لبشار الأسد فرصة السيطرة على الأجواء واستهداف معاقل المعارضة في المناطق التي اعتُبرت إستراتيجية. وبدأت هذه العمليات الجوية في خريف 2015، واستهدفت في البداية مناطق قريبة من العاصمة ومحور “دمشق-حمص”، قبل أن يتسع نطاقها تدريجيا مع تقدم قوات الأسد. وتدعم هذه القوات عدة آلاف من قوات الحرس الثوري الإيراني، ولا سيما من وحدة القدس الخاصة، وأعضاء حزب الله اللبناني والمليشيات الفلسطينية التي ظلت موالية للنظام. ويقال أيضا إن الصين أرسلت عدة مئات من المدربين في مجالات غير عسكرية، للدعم الطبي أو اللوجستي.
المصدر : لوموند دبلوماتيك