مقالات

جعفر باعو يكتب : بين الخرطوم وباريس

من الواقع

جعفر باعو
بين الخرطوم وباريس
 
*في عام 1863م، كتب جول فيرن في كتابه “باريس في القرن العشرين”، يتخيَّل فيه شكل المدينة في المستقبل. حيث وصف ناطحات السحاب الزجاجية، القطارات عالية السرعة، سيارات تعمل بالغاز بدلًا من البنزين، آلات حاسبة، ومصاعد ذكية، وشبكة اتصالات في جميع أنحاء العالم.
كل هذه الشروحات الدقيقة للمستقبل تضمنها كتاب الكاتب فيرن، إلا أن دور النشر رفضت نشر كتابه في بادئ الأمر ظنًا منها أن محتواه من ضرب الخيال ولا يُمكن أن يتحقق! لكن المفاجأة أن كل توقعات الكاتب فيرن تحققت بالفعل في عصر التطور والتكنولوجيا الحالي
*التوقع بما يحدث في المستقبل قد يكون من الخيال الواسع او من بعض أصحاب التجارب والخبرات في الحياة وإن كانت قصيرة.
*وقبل ظهور حالات مصابة بمرض الكورونا في السودان كنت قد تناولت عبر هذه المساحة مقالا حمل عنوان “كورونا في الخرطوم” ووجد الكثير من التفاعلات خاصة وأن هذا المرض لم يكن قد ظهر في العاصمة المثلثة في تلك الفترة ،وتوقعت فيه وصول المرض للخرطوم وتكدس الأسواق بالباعة غير مكترثين بخطورة المرض وحصده للكثير من الارواح لضعف مرافقنا الصحية وعدم التعامل السليم من المواطنين مع المرض وحدث ماكتبناها.
*في أكتوبر من العام الماضي وقبل أن ترفع “الحكومة”يدها عن الوقود كتبنا من واقع تجربتنا المتواضعة وخبرات بعض المختصين في هذا المجال عن ضرورة رفع الدعم عن المحروقات ولكن بعد إجراء بعض الاحترازات حتى لا يتضرر محدودي الدخل وقلت حينها أن المدير السابق لشركة النيل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا والمدير الإقليمي الحالي لمجموعة الراجحي المهندس محمد أزهري كان مُندهشاً عن استمرار الحكومة السابقة في دعم الوقود رغم العِلل الاقتصادية في السودان، وحدّثنا عن ارتفاع سعر اللتر من المحروقات في إثيوبيا مع وجود ضوابط عديدة حتى لا يتضرّر المواطن.
*محمد قال لي -العام الماضي- ان رفعت الانتقالية يدها عن الدعم سيكون هذا القرار فاتحة خير على الاقتصاد السوداني ولكن يجب ان يكون هذا القرار مصحوبا برؤية تتمثل  في ضرورة تغيير السعر بصورة دورية تبعاً للسوق العالمي، على أن تكون هنالك أرباح لمصلحة الحكومة في كل لترٍ  يُخصّص ريعها لصالح دعم المُواصلات العامة والنقل العام والمنتجين من المزارعين والحرفيين، وقال إنّه يجب على الحكومة أن تعمل على تطوير المواصلات العامة وتشجيع المُواطنين على استغلالها وترك سياراتهم، وختم حديثه بعبارة “لا يوجد حلٌّ آخر”.
*حسناً.. رفعت الحكومة “الفاشلة”الدعم دون دراسة او رؤية وأصبح لتر البنزين اليوم ٢٩٠ جنيه ولم تتحرك مرتبات الموظفين بذات السرعة التى قفز به سعر اللتر،ولم تتوقف الأسعار عن ارتفاعها .
*قلناها في أكتوبر الماضي إن رفعت الانتقالية، الدعم عن المحروقات دون التحسُّب من تبعات القرار من ارتفاع وسائل المواصلات وترحيل البضائع للأسواق، سيكون الوضع في غاية الخُطُورة على العباد والبلاد، وسيصبح راتب الموظف “بعد التعديل” عبارة عن مصروف أيام معدودة لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة، وحينها ستستشري الكثير من المُمارسات التى يصعب على الدولة السيطرة عليها،وهذا مايحدث آلان في خرطوم الفيل وغيرها من الولايات.
*الآن ظهرت حالات الفوضي والنهب والسطو المسلح وأصبحت الخرطوم أشبه ببعض العواصم الإفريقية التى كنا نسمع عن فوضاها وكأنها احلام،وقادم الايام سيكون اصعب من سابقها ان لم تتدارك هذه الحكومة الموقف  ، حدث مانبهنا له في العام الماضي والان مرتب الموظف يكاد يكفيه فقط للوصول لعمله ان كان من أصحاب المرتبات العالية وعليه أن يحمل هموم بقية ومنصرفاته الاخري .
*قلناها ألف مرة، وسنظل نمررها السودان ليس حكراً للمؤتمر الوطني أو أحزاب “قحت”، وإنّما للجميع، والأجدر هو الذي سيختاره الشعب عبر الصناديق وليس سواءها،فهل يتحقق ذلك؟
*جول فيرن تنباء بما سيحدث في باريس في القرن العشرين لانه صاحب خيال واسع ونحن تنبانا بماسيحدث في حال رفع الدعم دون التحسب له مع قناعتنا التامه بانه الحل الناجع لاقتصادنا ليس لاننا من أصحاب الخيال الواسع مثل جول ولكن لاننا نحلل الواقع والمجتمع الذي نعيش في وسطه.
نسأل الله تعالى أن يفرجها على بلادنا بالكفاءات من أصحاب الضمائر الذين يخافون الله في هذا الشعب الذي عانى كثيراً وما زال يُعاني.
 

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى