( العهد أونلاين ) تحاور سفير دولة المغرب بالسودان فى العيد الوطني للمملكة
ذكري الثالثة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس
حوار صحفي مع سعادة السفير، الدكتور محمد ماء العينين،سفير صاحب الجلالة بالخرطوم
أولا عيد عرش مجيد سعادة السفير، و كل عام و حضرتك و الشعب المغربي الشقيق بألف خير، و في هذا السياق أطرح عليك سعادة السفير أول سؤال:
كيف ترون رمزية و دلالة هذا العيد الوطني لدى المغاربة؟
ج.
أشكركم جزيل الشكر على هذا الحوار و أتمنى بدوري عيد عرش مجيد على جلالة الملك محمد السادس، نصره الله و أيده، باني المغرب الحديث و الساهر على أمن و سلامة البلاد و العباد.
عطفا على سؤالك يمكن القول بأن المملكة المغربية تخلد الذكرى الثالثة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أجداده الكرام، وتجسد هذه المناسبة المتجددة عمق الروابط بين العرش والشعب وأواصر الولاء الدائم، التلاحم العميق وتجديد العهد والتطلع نحو تحقيق المزيد من الانجازات للوطن لاستكمال مشروع تشييد صرح المغرب الحديث في تماسكه و تلاحمه.
ويجدد الشعب المغربي أيضا من خلال احتفاله بهذه الذكرى الحافلة بالدلالات والحمولات التاريخية الوازنة، تأكيده على متانة رابطة البيعة الشرعية، من خلال استحضار بعدها الديني القائم على التعاليم السديدة للدين الإسلامي الحنيف، وتشبته الراسخ بتخليد هذا العيد الوطني المجيد جريا على العادات والتقاليد العريقة للمملكة المغربية.
وفي غمرة الاحتفال بهذه الذكرى، يسترجع المغاربة أهم النضالات والملاحم الجهادية الخالدة التي خاضها كل من جده جلالة المغفور له الملك محمد الخامس وجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما، جنبا إلى جنب مع أبناء الشعب المغربي، تمهيدا لقيام صرح مغرب الحرية والانفتاح والتقدم بجميع أوجهه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتشكل هذه المناسبة فرصة لتشخيص أهم ما تم وسيتم تحقيقه من إنجازات ومكاسب هامة لتوفير موارد العيش الكريم للمواطنين وتحقيق التنمية البشرية المنشودة، وثورة ضد كل أشكال القهر والتخلف. و لتحقيق تطلعات المرأة المغربية و النهوض بها الى مراقي العيس الكريم ذكر جلالة الملك في خطاب يوم أمس على أهمية تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة الى أرض الممارسة الفعلية، لتمكين المرأة من أداء دورها و رسالتها تجاه مجتمعها، و قد وجه جلالته الملك بضرورة رفع الحواجز التي تحول دون مشاركة المرأة، نتيجة ممارسات اجتماعية تعكس مخلفات اقصاء المرأة في العصور الغابرة. و تمثلت رؤية جلالة الملك في ﺇقرار التعدد و التنوع و احترام الثوابت و الخصوصيات و ﺇدارة التنوع من خلال عقد اجتماعي يبني مشروعا و طنيا في مجتمع متعدد الثقافات، و لا شك أن دستور 2011، كرس حقوقا تساوي بين الرجل و المرأة ودفع لرفع كل المعوقات التي تحول دون مشاركة وازنة.
وتشمل هذه الآصرة دلالات ومعاني شتى، تحيل في المقام الأول على كونها ضمانا لاستقرارالملة التي ما فتئت تجنع أمير المؤمنين بشعبه، من خلال تجسيد الوحدة الوطنية وسلطة القانون واستتباب السلم، بما يتيح جعل البلاد واحة آمنة وسط صحراء محفوفة بمختلف مظاهر النزاع والاضطراب وعدم الاستقرار.
من جهة أخرى، يعبر ولاء الشعب المغربي لملكه، عن إجماع واضح حول تشبث المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة ورغبتهم في صون حرمتها والذوذ عن حماها، اعتبارا لكون الملك رمزا للوحدة والتكامل والتماسك الترابي بين مختلف مناطق البلاد.
وهنا، يشكل حفل الولاء، الذي يتوج الاحتفالات المخلدة لذكرى تربع صاحب الجلالة، على عرش أسلافه الميامين، مناسبة لممثلي الجهات الاثنتي عشر للمملكة، لتجديد تشبثهم بشخص جلالته وبأهداب العرش العلوي المجيد، وللتأكيد من جديد، على أن الصلة التي تجمع العرش بالشعب تظل متجذرة في عمق تاريخ البلاد وأنها شكلت على الدوام الأساس المتين للأمة المغربية والتعبير الأسمى عن مدى تلاحمها واستمراريتها.
من ثم، وعلى ضوء هذه الحقائق، يحق للمغاربة الاعتزاز بهذه الرابطة المتينة، التي ما فتئت شعلتها تتقد وتكبر في العهد الزاهر لجلالة الملك محمد السادس، الذي تمكن بفضل رؤيته المتبصرة وقيادته الرشيدة، من جعل المغرب منارة ساطعة أضاءت بإشعاعها وتألقها مختلف أرجاء المعمور.
ومع حلول هذه الذكرى، يقف الشعب المغربي، وقفة إجلال وإكبار لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، مستحضرا التحولات الإيجابية المشهودة والخطوات الجبارة التي حققتها المملكة خلال هاته المدة، واليقين يحذوه بأن تبوأ هذه المكانة الرفيعة لم يكن ليتحول إلى حقيقة من دون آصرة قوية بين العرش والشعب، تجسدها رابطة البيعة.
س/
هذا يجرني سعادة السفير لسؤالكم عن الاصلاحات الهيكلية الكبرى و الأوراش المفتوحة التي يعرفها المغرب حاليا، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس؟
لقد انخرطت المملكة المغربية منذ تربع أمير المؤمنين الملك محمد السادس، و سبط النبي الأمين، على عرش أسلافه المنعمين في دينامية إصلاحية وتنموية مثيرة للانتباه وقد مكنت الرؤية الملكية المستنيرة من إرساء مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي وتحقيق منجزات حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانت ولا زالت الرؤية الملكية للإصلاح شدذيدة الوضوح ومباشرة في أبعادها ومؤطرة من أجل التنفيذ والمضي في مسيرتها التحديثية ببرامج وخطط محددة لبلوغ غاياتها المنشودة.
ويحق للمغاربة أجمعين أن يفتخروا بهذه الرؤية الإصلاحية، التي كرس جلالته جل جهده من أجل تنفيذها، والتي حازت على احترام العالم بأسره وأعتبر المملكة المغربية نموذجا يحتذى به قاريا ودوليا.
ولعل من أبرز ما يثير انتباه المتتبعين للشأن الداخلي المغربي الكم الهائل من الأوراش المفتوحة من طنجة للكويرة بالصحراء المغربية، لتعزيز الدينامية التنموية المشاريع الضخمة التي تضاهي أكبر وأعتى الدول المتقدمة وتنافسها، من موانئ ومحطات للطاقات البديلة سواء الشمسية، الريحية أو الكهربائية وكذا مطارات من الطراز العالمي.
وتشهد سنة 2022، والتي تعتبر محطة انطلاق جديدة لمستقبل أفضل، مجموعة من المشاريع الاستراتيجية والحيوية، من بين أهمها إنتاج الغاز الطبيعي بمنطقة الغرب وإنطلاق ورش الصناعة العسكرية الثقيلة وصناعة وتصدير لقاح كورونا ولقاحات أخرى، والطريق السريع أكادير الداخلة وربط مراكش وأكادير بالسكة الحديدية وأشغال بناء المدينة الصناعية محمد السادس (طنجة تيك) بشراكة مع جمهورية الصين الشعبية، إضافة إلى أشغال ربط الدار البيضاء ومراكش بالقطار السريع “تي جي في”.
كما سيتم افتتاح ميناء الناظور المتوسط الجديد، الذي تصل نسبة إنجازه الى أزيد من80% إضافة إلى إنشاء ميناء الداخلة الأطلسي وميناء آسفي المعدني وتأهيل ميناء طنجة المدينة ليصبح ميناء سياحيا وبناء منصة فضائية مغربية أمريكية.
وسيشكل ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يعتبر الأكبر من نوعه بالصحراء المغربية، نقطة رئيسية للربط البحري التجاري بين الدول الإفريقية ونظيراتها في أمريكا اللاتينية، انطلاقا من المغرب.
وساهمت هذه الدينامية في رفع إشعاع النموذج المغربي، وصنفت المغرب في مراتب مشرفة جدا في مجال جودة البنيات التحتية (تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية)، حيث احتل المغرب المرتبة الأولى في شمال إفريقيا، والمرتبة الثالثة في إفريقيا، والمرتبة السادسة في العالم العربي، والمتربة 55 على الصعيد العالمي.
وعلاوة على الاهتمام البالغ الذي يوليه للإصلاحات السياسية والاقتصادية، فإنه لم يدخر جهدا في الاهتمام بالملفات الاجتماعية والحقل الديني وقضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، “القضية الفلسطينية”، بناء المغرب العربي والشراكة مع أوروبا، وتنمية القارة الإفريقية وتحقيق استقرارها على جميع الأصعدة والمستويات.
ويتابع جلالته مسيرة البناء والتشييد بخطة ثابتة، ويكرس جهوده، لمعالجة القضايا الوطنية، القومية الكبرى والدولية بحكمة وحنكة قل نظيرهما وبفكر مستنير ومتنور منفتح على الأخر ومتمسك بالمقدسات والثوابت.
س/
سعادة السفير، سمع الجميع عن النجاح الباهر للمملكة المغربية في التصدي لجائحة كوفيد 19، االمستجد، فما سر هذا النجاح و على ماذا اعتمد المغاربة على وجه الأساس للخروج من هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد ؟
نعم صحيح، لم يسـلم المغـرب هـو الآخـر مـن هـذا الوباء الفتـاك، فمـع ظهـور أول حالة مؤكدة ســارعت الدولــة إلى تبـني مجموعــة مــن الإجـراءات العملية والاستباقية للحد من الانتشار السريع للوباء ولتطويق مناطق انتشاره خصوصا في المدن الكبرى التي تعرف كثافة سكانية كبيرة مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، فاس، أكادير وغيرها.
وأمام هذه الجائحة الاستثنائية، شكلا ومضمونا، فقد تجندت المملكة المغربية بكل مكوناتها و بمختلف مصالحها وإداراتها الترابية، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي، وكانت من بين الدول التي سارعت إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات بعد تسجيل أول حالة في شهر مارس 2020، ومن هنا بدأت في الظهور معالم السياسة المغربية الرصينة و المدروسة بعناية في مواجهة جائحة كورونا ومعالجة انعكاساتها الوخيمة، إذا أن الدولة سارعت، قبل تفشي الجائحة بشكل كبير في مختلف أقاليم و عمالات التراب المغربي على مراقبة الحدود في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية عملت على تعليق بعض الرحلات الجوية في اتجاه المناطق الموبوءة، وفي مرحلة ثالثة تبنت إغلاقا كليا و شاملا للحدود الجوية والبرية والبحرية للملكة المغربية.
ورغم صعوبة المرحلة ومفاجئة الجائحة لكل دول العالم، إلا أن الانخراط الحقيقي والجاد لكل المغاربة في المعركة ضد الوباء بمختلف شرائحهم وأطيافهم، وبروح عالية من الوطنية والتضحية، أبانت عن معدنهم الأصيل وعن روحهم التضامنية العالية والتي تميز المغاربة إبان المحن والأزمات على مر التاريخ. فصندوق كورونا الذي أعلن عنه الملك محمد السادس مثلا، كان الغرض منه جمع حوالي مليار يورو، وقد جمع في غضون أيام قليلة، ثلاثة مليارات يورو، ساهمت فيها المؤسسات العامة والشركات الكبرى وكبار موظفي الخدمة المدنية والشخصيات العامة والمواطنين، كما أطلق العديد من المبادرات الخاصة كشراء معدات للمستشفيات. كما مكّن الإنتاج الوطني المغربي للأقنعة والملابس الواقية والأجهزة من اكتفاء البلد ذاتيا، مما جنبه الدخول في التنافس العالمي الشديد للحصول على هذه المنتجات الغالية والنادرة في مرحلة كورونا الحرجة والاستثنائية.
ويواصل المغرب تميزه في المعركة، بتنظيمه حملة تلقيح وطنية ضد كوفيد19 مميزة وتتوفر على كل مقومات النجاح، وهو ما اعترفت به منظمة الصحة العالمية ونوهت به. في هذا السياق، فقد شهد العاهل المغربي الملك محمد السادس في 6 يوليوز 2021 حفل توقيع ثلاث اتفاقيات مع الصين لإنتاج خمسة ملايين جرعة من لقاح كوفيد-19 شهريا باستثمارات حجمها 500 مليون دولار “لتعزيز الاكتفاء الذاتي والسيادة الصحية للمملكة”، وبهذا تكون المملكة لمغربية قد تحملت كامل مسؤوليتها في هذه الملحمة الوطنية لإنقاذ أرواح المواطنين وكذا إنقاذ الاقتصاد الوطني، وفق مقاربة شاملة عنوانها المثابرة والصمود، والالتقائية في العمل، والنجاعة في الأداء.
ومن هنا يمكن القول إن السياسة التي اتبعها المغرب كانت ناجحة وفعالة وتمكن بفضلها من تفادي الأسوأ، ومن تبوئ مكانة متميزة بين عدد من بلدان العالم رغم تفوق بعضها اقتصاديا ومن حيث قوة بنياتها الصحية، والمغرب اليوم يستعد لما بعد وباء كورونا، واعيا بقوة بالتغيرات المهمة التي تحدث في العالم والتي ستؤثر حتما في العلاقات الدولية والإقليمية والاقتصادية على وجه الخصوص.
س/
سعادة السفير، هذا فيما يتعلق بالاصلاحات و القدرة على مواجهة الأزمة الطارئة و السهر على تحديث أركانها، فماذا تحولات جذرية لدول عظمى دعمت قضية الصحراء المغربية ؟
لقدحققت الدبلوماسية المغربية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب، مجموعة من الإنجازات الهامة سنة 2021، عل رأسها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة التامة للمملكة المغربية على صحرائها، وفتح قنصلية عامة للولايات المتحدة بالداخلة في يناير 2021، وهذا ما عزز من التعاون الثنائي الاستراتيجي بين البلدين في مختلف المجالات، زيادة على التحول الجذري لاسبانيا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث أقرت هذه الأخيرة أن المقترح المغربي المتمثل في منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا، تحت السيادة المغربية، يحظى بالواقعية و الجدية و المصداقية، و أنه السبيل الأوحد لحل هذا النزاع المفتعل.
فعلى صعيد التعاون العسكري والأمني، تم تنظيم التدريبات المغربية الأمريكية المشتركة “الأسد الإفريقي 2021″، في الفترة من 7 إلى 18 يونيو الماضي بمناطق أكادير، تيفنيت، طانطان، المحبس، تافراوت، بن جرير والقنيطرة، بمشاركة الآلاف من جنود الجيوش متعددة الجنسيات وباستخدام عدد كبير جدا من المعدات البرية والجوية والبحرية، كما يعد هتمرين، أحد التدريبات الرئيسة والكبرى التي تنظمها وتديرها القيادة الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم) بشراكة مع القوات المسلحة الملكية المغربية، بهدف تعزيز مستوى التعاون والتدريب، وزيادة قابلية التشغيل البيني وتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة بين المكونات العسكرية المختلفة من أجل تمكينها من تحقيق قدرتها التشغيلية الكاملة.
هذه المناورات هي دليل على عمق ومتانة العلاقات التاريخية والمهمة للمغرب مع العديد من الدول عبر العالم، “فالأسد الإفريقي” يرسل بهذا رسالة واضحة وجلية لكل من يعاكس المغرب أو يفكر في الضغط عليه، ورسالة قوية كذاك لكل ن يحاول التطاول على مغربية الصحراء ويشكك فيها.
وبقدر ما يعكس توالي فتح تمثيليات دبلوماسية بالصحراء تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع وبداية مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي، تحضر مؤشرات عدة لدى الدبلوماسية المغربية تفيد بأن مسلسل تجسيد الاعتراف بمغربية الصحراء عن طريق إقامة قنصليات سيتواصل خلال سنة 2022. هذا الواقع الجديد يكرس فعليا عزلة جبهة الانفصالين من جهة، ويواصل من جهة أخرى مسلسل سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، حيث أعلنت كل من دولة بوليفيا وجمهورية غويانا التعاونية خلال سنة 2020 سحب اعترافهما بالكيان المزعوم، ليصل بذلك عدد الدول التي لا تعترف بالجمهورية الوهمية إلى 164 دولة.
وقد حققت المملكة المغربية في المرحلة الأخيرة انتصارات دبلوماسية هامة في ملف وحدتها الترابية، تمثلت، على وجه الخصوص في افتتاح 24 قنصلية عامة في مدينتي العيون والداخلة الواقعتين في الأقاليم الجنوبية للمغرب. قنصليات تُمثل دولا من القارة الإفريقية والآسيوية والأمريكية، وذلك بفضل الاستراتيجية الافريقية التي تبناها المغرب وتمت دراستها بعناية، حيث تقوم في جوهرها على انفتاح المملكة على جميع جهات القارة، وجعل الأقاليم الجنوبية همزة وصل بين المغرب وعمقه الافريقي.
كما أن المغرب حقق العديد من الإنجازات المهمة همت قضايا ذات بعد إقليمي ودولي، كرست حضوره الوازن والكبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في القارة الإفريقية على وجه الخصوص.
وتعتبر وساطة المملكة المغربية في الملف الليبي وما أثمرته من توافقات متواصلة بين الفرقاء الليبيين، بدءا بعقد “اتفاق الصخيرات”، وصولا إلى المشاورات المتتالية والمتعاقبة التي احتضنتها كل من العاصمة الرباط ومدينة طنجة من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف المسؤولين الليبيين في شرق وغرب البلاد، من أهم الإنجازات التي طبعت دبلوماسية المغرب لسنة 2021، وبهذا رسخ نفسه بقوة كفاعل دبلوماسي رئيس في المنطقة.
ولأن المغرب أعلن بطريقة رسمية منذ البداية أن له موقفا محايدا من النزاع الليبي، فقد انخرط في هذه الوساطة في إطار الأخوة والصداقة والتضامن مع الشعب الليبي الشقيق، بخلاف كل الأطراف الأخرى المتدخلة في الملف الليبي والتي لا تخفي مطامعها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية في ليبيا، وتنهج أسلوبا “اتقائيا وموجها” في التعامل مع الأزمة الليبية.
من جهة أخرى فقد راكمت المملكة المغربية تجارب عديدة في البلدان الإفريقية من خلال مشاركتها في قوات حفظ السلام في إطار بعثات الأمم المتحدة (جمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية إفريقيا الوسطى…)، وكذلك من خلال مستشفياتها العسكرية الميدانية، والهبات والعطايا الملكية المباشرة التي وجهت لصالح الفئات المعوزة والهشة والمفتقرة لأدنى حاجيات العيش السليم والآمن.
وقد تصدى المغرب لقضايا الهجرة وفق مقاربة إنسانية سامية حيث وفر شروط الإقامة للآلاف من أبناء إفريقيا، وعوض أن تكون المملكة محطة للعبور المؤقت، أضحت محطة للاستقرار الدائم، على اعتبار أنها وفرت الحقوق الكفيلة بمعالجة هذه الافة الكونية.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فحضور المغرب في إفريقيا أصبح وازنا، على اعتبار أنه ثاني مستثمر في إفريقيا والأول في بعض في القطاعات الاستراتيجية والحيوية كالقطاع المالي والبنكي، الاتصالات، البنيات التحتية، البناء والتعمير، الطيران واللوجستيك، إنتاج الأسمدة، تصدير المواد الفلاحية والأساسية وغيرها، وما فتئ المغرب في هذا الصدد ينوه بضرورة العمل وفق سياستي “جنوب-جنوب” و “رابح-رابح” الراميتين إلى إشراك الشباب المغربي والإفريقي في استغلال خيرات إفريقيا من طرف الأفارقة ولفائدة الأفارقة أنفسهم.
كما أن تصدي المملكة المغربية للإرهاب في دول الساحل، وجهودها المتواصلة لاستئصال جذوره بمقاربة استباقية متفردة، عملٌ ثمنته العديد من الزعامات الإفريقية والدولية، كما أنه أفرز العديد من الشراكات في الميدان الأمني وعزز من اليقظة والتنسيق بين مختلف الدول التي تعتريها مخاوف ذات صبغة أمنية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
س/
سعادة السفير، هذا يجرني كذلك لسؤالكم عن حضور المملكة المغربية في القارة الافريقية و انعكاساتها على المستويين الاقتصادي و الديني على وجه الخصوص؟
نعم، لقد وظفت المملكة المغربية، رؤية ذات بعد اقتصادي وأخرى ذات صبغة دينية، عبر نهج آليات وأدوات عديدة في سبيل تعميق التعاون مع بلدان القارة من جهة، ومن جهة أخرى تحسين تموقعها على مستوى المنافسة التي تعرفها القارة من قبل القوى الدولية التي تنقسم إلى قوى تقليدية تسعى إلى تعزيز نفوذها في القارة، وقوى صاعدة تهدف إلى إيجاد موطأ قدم لها في القارة، إضافة إلى القوى الإقليمية التي تحاول أن تعزز نفوذها وتقوية مكانتها من خلال لعبها لدور الوسيط بين الدول الإفريقية والقوى الدولية.
وقد اهتمت المملكة المغربية بتعزيز التعاون الدولي في المجال الاقتصادي مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال تفعيل آليات مؤسساتية وقانونية متنوعة، وفي هذا الشأن يقول صاحب الجلالة الملك محمد السادس في أحد خطاباته “يجب على حكومتنا إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة قادرة على تعبئة الطاقات بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات وتعزيز جاذبية البلاد وكسب مواقع جديدة وتنمية المبادلات الخارجية، كما ندعوها للتنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص للتعريف بالمؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها بلادنا وخاصة في القطاعات الإنتاجية الواعدة بهدف المساهمة في تنميتها ولإرساء تعاون مؤسسي بين القطاعات الوزارية التي لها نشاط دولي في المجال الاقتصادي”.
فقد أكد المغرب، مؤخرًا، اعتزامه و دولة نيجريا مواصلة المشاريع الإستراتيجية وإنجازها – خاصة خط الغاز بين البلدين – الذي سيمر بكل من بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، على أن يمتد الأنبوب على طول 5660 كيلومترًا. هذا المشروع الاقتصادي الكبير الذي يربط المغرب بدول إفريقية عدة، ليس الأول ولا الأخير، حيث تمكنت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة من تعزيز نفوذها ومكانتها في القارة الإفريقية ودفع التعاون مع دول القارة.
فإلى جانب خط الغاز، اتخذت شركة مكتب الشريف للفوسفات المملوكة للدولة، وهي شركة عملاقة لتصدير الأسمدة تتخذ من الدار البيضاء مقرًا لها، خطوات عديدة نحو القارة الإفريقية بتوقيعها شراكة مع إثيوبيا لبناء أكبر مصنع للأسمدة في القارة بتكلفة إجمالية تبلغ 3.6 مليار دولار.
كما تعتبر إفريقيا المستفيد الرئيسي من الاستثمارات المغربية المباشرة، فقد ازدادت بأكثر من الضعف خلال السنوات العشرة الماضية، إذ ارتفعت من 3 مليارات درهم في 2009 إلى 6.8 مليار درهم في 2019، أي بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 8.3%، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية بالمملكة المغربية.
هذا وتوجد الاستثمارات المغربية في إفريقيا في أكثر من 29 دولة مقابل 9 دول فقط في عام 2009، واحتلت كوت ديفوار المركز الأول بنسبة 21.4%، تليها تشاد ب 19.8%، والسنغال ب 14.7%، وتمثل هذه البلدان الثلاثة وحدها 55.9% من إجمالي الاستثمارات المغربية المباشرة في إفريقيا عام 2019.
مشاريع عديدة تُرجمت على أرض الواقع، مكنت المغرب من تعزيز نفوذه الاقتصادي بقوة في دول إفريقية عدة، و هذا ما مكنه، إلى حد كبير، من الوصول للأسواق الأوروبية والأمريكية، و فك عنه عزلته الجغرافية، حيث نجح الملك محمد السادس سنة 2017 في كسب تأييد لانضمام بلاده إلى الاتحاد الإفريقي بعد عقود من مغادرتها.
وتعد البنوك أبرز أدوات التمكين التي يعتمد عليها المغرب في إفريقيا، حيث تعمل البنوك المغربية في 30 دولة إفريقية، أغلبها في غرب القارة، لكن في السنوات الأخيرة اتجهت إلى شرقها أيضًا خاصة بعد شراء بنك باركليز مصر سنة 2016 من أكبر بنك في المغرب “وفا بنك”.
كما يندرج تدويل المصارف المغربية في إفريقيا، ضمن السياسة المغربية الإفريقية التي تنادي بها أعلى سلطة في البلاد – الملك محمد السادس – لصالح إرساء التنمية المشتركة والتضامن النشط مع دول جنوب الصحراء الكبرى، في إطار التعاون “جنوب جنوب” و فق سياسة “رابح رابح”.
لقد ناهزت استثمارات البنوك المغربية في إفريقيا 17.5 مليار درهم (1.84 مليار دولار) خلال الفترة (2007 – 2017)، ومن أبرز البنوك المغربية العاملة في إفريقيا نجد “التجاري وفا بنك” والبنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا الذي أصبح “بنك أوف أفريكا” و”البنك الشعبي المركزي”، إذ يتمثل عمل هذه البنوك في تمويل برامج البنى التحتية ومشاريع اقتصادية واجتماعية وتمويل ميزانيات حكومية والاستشارة في مجال تعبئة التمويلات الخارجية، إضافة إلى مرافقة المستثمرين المغاربة في القارة الإفريقية.
كمثال على تطور نشاط البنوك المغربية في إفريقيا، لم تكن المصارف المغربية تملك إلا 6% فقط من إجمالي الحسابات المصرفية في بوركينا فاسو عام 2006، لكن سنة 2015 ارتفعت النسبة وبلغت 28.57%، و29.96% في عام 2017 من هذا الإجمالي.
إلى جانب البنوك توجد الشركات المغربية بشكل رئيسي في قطاع الاتصالات، وبدأت “مغرب تيليكوم” أو “اتصالات المغرب”، أول تغلغل لها في إفريقيا عام 2001 عبر استحواذها على 54% من موريتيل، الفاعل التاريخي في الاتصالات بموريتانيا واستمرت “اتصالات المغرب” في الاستحواذ على حصص العديد من شركات الاتصال الإفريقية كما حصل في بوركينا فاسو عام 2006، وفي الغابون عام 2007 ومالي عام 2009.
وفي عام 2014، حصلت الشركة عبر متملكها الجديد شركة اتصالات إماراتية (53% من رأس المال مقابل 30% للدولة المغربية) على 6 فروع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – بنين وساحل العاج والغابون والنيجر وإفريقيا الوسطى وتوغو. و بهذا بلغ عدد عملاء مجموعة “اتصالات المغرب” سنة 2018، أكثر من 61 مليون عميل، موزعين على عشرة بلدان في إفريقيا، ما جعلها إحدى أبرز المجموعات والفاعلين الرئيسيين في تطوير الاتصالات والتنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية.
كدليل على قوتها، حققت مجموعة اتصالات المغرب عام 2018 رقم معاملات بلغ 36 مليار درهم، منها 16 مليار من خلال عملياتها الإفريقية، وتبلغ قيمة استثماراتها المباشرة في إفريقيا 3.2 مليار درهم، ومؤشرات قوية تظهر مدى تأثير المجموعة على الاقتصاد الإفريقي.
وفي المجال الروحي، حرص العاهل المغربي محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين، على دعم بناء الزوايا والمساجد الكبيرة في دول إفريقية عديدة، فخلال سنة 2020، شيد المغرب ثلاثة مساجد كبرى تضاف إلى عدد من المساجد التي سبق أن شيدها في بعض الأقطار الإفريقية، وتحمل هذه المساجد الثلاث الجديدة اسم الملك محمد السادس في كل من جمهورية تنزانيا وجمهورية غينيا وجمهورية كوت ديفوار.
إضافة إلى بناء المساجد والزوايا يُكوّن المغرب الأئمة الأفارقة، حيث يدرس عشرات الطلاب الوافدين من مختلف الأقطار الإفريقية في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين بالرباط (تأسس سنة 2015)، كما توجد في مدينة فاس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة (2015)، المتواجدة في العديد من البلدان الإفريقية ومن بينها السودان.
وحري بالذكر أن المغرب عمق تعاونه مع البلدان الإفريقية بفضل الزيارات الملكية المنتظمة التي أسست لدبلوماسية اقتصادية قوية ساهمت في الدفع بعجلة التنمية، مرتكزة على كل من القطاعين الخاص والعام، إذ قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ تربعه على العرش بزيارات منتظمة للبلدان الإفريقية، حيث قام الملك محمد السادس، منذ 1999وإلى غاية منتصف سنة 2018 بما مجموعه 39 زيارة ملكية رسمية شملت 19 بلداً إفريقيا كانت في مجملها لبلدان من غرب ووسط إفريقيا.
أشكركم سعادة السفير على سعة صدركم وعلى هذا الحوار الغني و الماتع، أملا في اللقاء بكم في فرصة قادمة بحول الله.
بدوري أشركم أخي الكريم على هذا الحوار و هذه الاستضافة الكريمة، و أنتهز الفرصة لتقديم الشكر الجزيل للشعب السوداني الشقيق الذي يتقاسم مع الشعب المغربي أفراحه و أعياده، كما أبارك للجالية المغربية المقيمة في السودان حلول عيد العرش المجيد و أسأل الله تعالى أن يجعله بارقة خير و بركة على مولانا أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، نصره الله و أيده، وعلى كافة المغاربة قاطبىة.
حوار أجراه مجموعة من الصحفيين مع سعادة السفير