مقالات

د. خالد أحمد الحاج يكتب : ما كان ليحدث ذلك

تحبير
د. خالد أحمد الحاج
ما كان ليحدث ذلك

* الأحداث الدامية التي وقعت بولاية النيل الأزرق وراح ضحيتها أكثر من سبعين شخصا ما بين قتيل وجريح، بجانب الاتلاف الذي طال عددا من المحال التجارية والممتلكات منذ أول من أمس أكد بما لا يدع مجالا للشك أن السبب وراء هذا الصراع مرده لضعف وتراجع ثقافة التعايش السلمي، والتوعية الكافية بأهمية السلام المجتمعي الذي يلعب دورا مهما في تقريب المسافة بين مكونات المجتمع، وصون الأنفس والأعراض بالتأكيد على حرمة الدماء التي أكد ديننا الحنيف على الكف عنها.
* بما تزخر به ولاية النيل الأزرق من خيرات وثروات عديدة، بجانب قدرتها على المساهمة الكبيرة في رفد الاقتصاد القومي كل ذلك يجعلني أسأل لمصلحة من تستعر نار الفتنة القبلية في هذه الولاية الوادعة، التي مهدت للحكم الفيدرالي الإقليمي في تجربة تستحق أن يتوقف عندها أهل السودان بشيء من الإعجاب والتقدير، ويسترشدوا بها لتكملة مشروع كيف يحكم السودان؟
* لا نزال تحت ظلال عيد الأضحى المبارك، في الأيام الحرم التي اقترنت بها حرمة دماء المسلمين، علاوة على عدم إثارة النزعة القبلية البغيضة التي نهى عنها الإسلام، ويكفي أن نبي الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه قد حذر من الخوض فيها.
* غياب الحكمة والرأي الرشيد زاد من تأجيج الصراع في الوقت الذي ضرب فيه الكثيرون المثل بالنيل الأزرق في الوحدة الوطنية، والتلاحم المجتمعي، عندما اندلعت الصراعات بمناطق أخرى.
* إعلان حالة الطوارئ، وحظر التجوال الذي اتخذته حكومة الإقليم يعد خطوة موفقة، تحسب لصالح حكومة الإقليم، لكن هذه الإجراءات ليست كافية لإعادة استتباب الأمن بربوع النيل الأزرق، بدليل أنه بالرغم من سريان قرار حظر التجوال، ومنع التجمعات، إلا أن بعض مناطق الإقليم شهدت مواجهات عنف صبيحة اليوم التالي للأحداث، وبعد إعلان حالة الطوارئ.
* وقد ذكر بعض المواطنين الذين استطلعتهم وسائل الإعلام المحلية أن اتساع رقعة الصراع ناتج عن قلة عدد القوات النظامية المعنية بإعادة الهدوء والاستقرار بالمناطق التي حدثت فيها المواجهات.
* ما يتطلب مزيدا مزيدا من الوجود الشرطي والأمني الذي يتناسب وحجم الأحداث، للحيلولة دون حدوث مزيد المواجهات، وسقوط أعداد أخرى من الضحايا.
* معرفة أسباب الأزمة هي أولى الخطوات في طريق الحل، ويقع على عاتق الإدارة الأهلية العبء الأكبر في إصلاح ذات البين وسط القبائل المتصارعة، بعد أن تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع.
* الثقة الكبيرة التي وضعها مواطنو النيل الأزرق في الحاكم أحمد العمدة ستكون دافعا له ولأعضاء حكومته لأجل إعادة اللحمة بين القبائل المتصارعة، ومن ثم إعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.
* الأزمة الدائرة بالنيل الأزرق بحاجة إلى حكمة لأجل الخروج منها بأقل الخسائر، وعدم التعجل في اتخاذ قرارات قد يصعب الرجوع منها حال ثبت عدم صحتها.
* مع تكرار مثل هذه الأزمات في العديد من بقاع السودان، كسب السودانييون خبرة كبيرة في مواجهتها، وقدروا على إصلاح الأمر رغما عن الجراح والألم الناتج عنها، وهذا ما نتوقعه تماما من حكومة الإقليم تجاه هذه الأزمة، إن كان بالصلح الذي يبرم، أو ب(القلد) الذي تعارف عليه أهل السودان.
* وإن كنت على قناعة تامة بأن التعايش السلمي يحتاج إلى قوانين وقيم تتنزل على أرض الواقع، تكون ملزمة للجميع، على أن يتم تقنين حمل السلاح، لضمان عدم المواجهة بين القبائل حال وقعت أية أزمة مستقبلا.
* مع ضرورة إشاعة روح التضامن والإخاء بين جميع أهل السودان الذين عانوا من ويلات الحروب التي أفقدتهم الآلاف معظمهم من الشباب، وما ترتب على الحرب من نزوح ولد فراغا أثر على الجغرافيا والتضاريس، وقاد لإضعاف الإنتاج.
* أقدار المولى عز وجل لا مفر منها، ولكن كيف نستفيد من مثل هذه الدروس؟ مع العلم بأن الحرب في المنطقتين في السابق قد كبدت الولاية والوطن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
* هنا يثور سؤال مهم من يقف وراء هذه الأزمات المتلاحقة، ولا يريد لهذا البلد المسخن بالجراح أن يتعافى مستغلا حالة ضعفنا والهزات التي طالعت مجتمعنا ليلهب ظهرنا بسياط الفرقة والشتات؟
* متى ما وعينا بالمخطط الخبيث الذي يدبر بليل لتفكيك السودان إلى دويلات، ستكون بلادنا قد خطت خطوات في طريق الوحدة، والتسامي فوق الجراح، آلمني ما حل بالنيل الأزرق، وأتمنى من كل قلبي أن يعود الأمن والاستقرار لكل المناطق التي طالتها هذه الفتنة، وأسأل الله تعالى أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل هذه الأحداث، ويعم السلام ربوع الأقليم، وأن يكتب التواصل والانصهار بين مكوناته بعيدا عن الشد والجذب الذي إن استمر سنفقد من ورائه الكثير.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى