ثورة كبرى قادمة في مجال الرعاية الصحية عنوانها: إنترنت الأشياء الطبية
ثورة كبرى قادمة في مجال الرعاية الصحية عنوانها: إنترنت الأشياء الطبية
إنترنت الأشياء (internet of things) واختصارا (IoT) تعتبر واحدة من أكثر الاتجاهات التكنولوجية انتشارا في القرن الـ21، وهناك القليل من مجالات حياتنا اليومية التي لم تتأثر بـ “إنترنت الأشياء”.
ولكن ما إنترنت الأشياء؟
هي في الأساس شبكة من الأشياء المادية التي تحتوي بداخلها على برامج وأجهزة استشعار وتقنيات رقمية متعددة تسمح لها بالاتصال وتبادل البيانات، ويحدث هذا التبادل للبيانات والمعلومات عبر الإنترنت، حيث يتم التقاط الاتصالات بين الأجهزة التي تشمل كل شيء تقريبا، من الأشياء المنزلية العادية مثل الثلاجات والغسالات إلى الأجهزة والمعدات الطبية وصولا إلى الأدوات الصناعية الأكثر تطورا في العالم، وذلك حسب ما ذكرت منصة “تيك غايد” (tech guide) في تقرير لها مؤخرا.
وينظر لها كثير من المحللين والمراقبين على أنها “مستقبل” التكنولوجيا، فهي موجودة بالفعل في كل مكان حولنا، حيث أصبحت الأجهزة عبر الإنترنت الآن ضرورية في مجموعة من الصناعات والقطاعات، ويعتمد كل شيء في حياتنا حاليا تقريبا من الزراعة والصناعة إلى الرعاية الصحية على هذه التقنيات.
ومن المتوقع أن ينمو سوق إنترنت الأشياء العالمي من 478.36 مليار دولار في عام 2022 إلى 2465.26 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 26.4% خلال هذه الفترة، وذلك حسب ما ذكرت منصة “فورتشن بيزنس إنسايت” (fortune business insights) مؤخرا.
والرعاية الصحية هي إحدى الصناعات التي تشهد بالفعل اعتمادا كبيرا على هذه التكنولوجيا المتطورة، حيث تساعد الأجهزة الطبية المتصلة الأطباء والممرضات في مراقبة المرضى عن بُعد والوصول إلى البيانات الصحية، وإجراء عمليات المتابعة عبر الإنترنت، ونتيجة لكل هذا يتوقع أن تحدث إنترنت الأشياء ثورة كبرى في مجال الرعاية الصحية العالمي خلال السنوات القليلة المقبلة.
إنترنت الأشياء الطبية
تتضمن “إنترنت الأشياء الطبية” (Internet of Medical Things) واختصارا (IoMT) العديد من الأجهزة المستخدمة داخل وخارج مرافق الرعاية الصحية، وفي معظم الحالات، توفر هذه العناصر عددا من الفوائد الهامة بما في ذلك تقديم العلاج المبسط عن بعد، وتقليل مخاطر الخطأ، وزيادة توافر البيانات الهامة والحيوية المتعلقة بصحة المرضى.
وتنمو سوق إنترنت الأشياء الطبية بسرعة، حيث من المتوقع أن تصل قيمة هذه السوق إلى 187.6 مليار دولار بحلول عام 2028، ارتفاعا من 41 مليار دولار فقط في عام 2020، بنسبة نمو سنوي تصل إلى 29.5%، وذلك حسب تقرير آخر لمنصة “فورتشن بيزنس إنسايت” ونتيجة لذلك، ستصبح التطبيقات الجديدة للتكنولوجيا الطبية الذكية متاحة على نطاق واسع في المستقبل القريب.
أجهزة مراقبة المريض الذكية
أحد التطبيقات الشائعة لإنترنت الأشياء في مجال الرعاية الصحية هي أجهزة “المراقبة الذكية للمرضى” (smart patient monitor) حيث تجمع هذا الأجهزة باستمرار معلومات الرعاية الصحية من المريض، بما في ذلك البيانات المتعلقة بمعدل ضربات القلب وضغط الدم ودرجة الحرارة ومستويات الأكسجين في الدم.
وتساعد هذه الأجهزة في جعل البيانات الصحية للمرضى في متناول الأطباء والممرضات داخل المرافق الصحية، حيث يمكن للفرق الطبية التحقق من العناصر الحيوية بسرعة وعن بُعد من محطة عمل بالمستشفى، أو من جهاز آمن في أي مكان في العالم. كما يمكن لمراقبة المريض الذكية أيضا تنبيه الموظفين إذا تجاوزت العناصر الحيوية لشخص ما المستويات الآمنة، وذلك حسب ما ذكرت الكاتبة “إميلي نورتن” في تقرير لها نشرته منصة “ريد رايت” (read write) قبل أيام.
وتسمح أجهزة الرعاية الصحية الذكية القابلة للارتداء وأجهزة مراقبة المريض عن بُعد للأطباء بمواصلة تتبع العناصر الحيوية للمريض دون مطالبتهم بالبقاء في المرافق الصحية، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للأشخاص الذين خرجوا مؤخرا من المستشفى إحضار أجهزة المراقبة الذكية معهم للبيت، مما يسمح لهم بإرسال معلومات صحية مهمة إلى الأطباء دون الحاجة إلى العودة إلى المستشفى، كما يمكنهم أيضا الوصول إلى هذه المعلومات ومعرفة حالتهم الصحية ومقدار التحسن أو التدهور فيها أولا بأول، حيث يمكن للمريض وطبيبه مناقشة أي معلومات صحية متعلقة عبر الإنترنت باستخدام مكالمات الفيديو، ويمكن للطبيب أيضا استدعاء المريض على الفور إلى المستشفى إذا كانت المعلومات تشير إلى أن صحته في خطر، حسب ما ذكرت الكاتبة في تقريرها.
وتوجد العديد من أجهزة مراقبة المرضى الطبية، بدءًا من الآلات الكبيرة المصممة لإعدادات المستشفيات إلى الأجهزة القابلة للارتداء خفيفة الوزن والتي يمكن للناس أخذها معهم أينما ذهبوا. وتشمل حالات الاستخدام المحددة لتقنية المراقبة أجهزة مراقبة المريض الذكية للأغراض العامة، وأجهزة استشعار الحركة التي تتعقب تطور أعراض مرض باركنسون على سبيل المثال، وأجهزة استشعار الحالة النفسية والمزاجية التي يمكن أن تساعد الأطباء في إدارة الصحة العقلية للمريض.
مضخات الحقن الذكية وأجهزة توصيل الدواء
وتشير نورتن في تقريرها إلى أن الجرعات الصحيحة وتوصيل الدواء ضروريان لعلاج المريض، ومع ذلك، تظل الأخطاء الدوائية تحديا شائعا في العديد من البيئات الطبية، ويمكن أن تسبب هذه الأخطاء إصابات خطيرة أو ردود فعل سلبية يمكن أن تؤدي إلى الوفاة.
وهنا يمكن لإنترنت الأشياء الطبية الذكية (IoMT) أن تساعد في منع الأخطاء الدوائية عن طريق تبسيط عملية الجرعات وتقديم الدواء الوريدي، وذلك باستخدام “مضخات الحقن الذكية” (Smart infusion pumps) وهي أجهزة توصيل الأدوية التي تستخدم التكنولوجيا المبتكرة و”قارئات الباركود” (barcode readers) ومكتبات معلومات الأدوية لتقليل المخاطر عند إعطاء الأدوية الوريدية، حيث يحدد عامل الرعاية الصحية منطقة استخدام هذه المضخات، مثل وحدة العناية الحثيثة للبالغين أو وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، التي ستقوم تلقائيا بتهيئة المضخة بناء على الاحتياجات الخاصة بالمريض، وسيختار الطبيب بعد ذلك الدواء الذي يحتاجه من مكتبة الأدوية على الإنترنت، وتحديد التركيز وحجم وكمية الجرعة اللازمة.
وأوضحت الكاتبة أن المعلومات الواردة من مكتبة الأدوية تساعد في منع الكثير من الأخطاء الدوائية الأكثر شيوعا، مثل أخطاء الجرعات والتركيبات التي قد تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة في بعض الأحيان، وتتضمن معظم أنظمة المضخات بعض الإجراءات الوقائية التي تساعد في تقليل تكرار الأخطاء الدوائية. على سبيل المثال، قد تتضمن المضخة معلومات الطول والوزن للمريض الذي يتلقى الدواء، مما يساعد على ضمان حصوله على الجرعة المناسبة.
ماسحات الأجهزة الذكية
غالبا ما يستخدم المصنعون الوسم بالليزر لإنشاء رمز فريد لكل جهاز أو “معرف جهاز فريد” (unique device identifier) (UDI) على سطح الأجهزة الطبية المتصلة مثل غرسات العظام والأدوات الطبية، وتوفر هذه الرموز ثروة من المعلومات حول الجهاز المحدد، بما في ذلك تاريخ الإصدار أو رقم الطراز.
وبموجب اللوائح الحالية، يجب على الشركة المصنعة تقديم هذا الرمز بلغة واضحة وبتنسيق يمكن قراءته آليا، حيث يمكن للماسحات الضوئية الطبية الذكية قراءة هذا الرمز على الفور، والاستفادة من المعلومات ذات الصلة من قواعد البيانات المستندة إلى السحابة وتحديث السجلات أولا بأول، حسب ما ذكرت الكاتبة في تقريرها.
وهذه الأجهزة متصلة بالإنترنت، لذا يمكن استخدامها أيضا لتحديث السجلات الموجودة في السحابة أثناء فحصها تلقائيا. وعلى سبيل المثال، يمكن للمستشفيات التي تحتفظ بقاعدة بيانات عبر الإنترنت للأدوات الطبية الهامة استخدام ماسح ضوئي ذكي لتحديثه بمنتجات جديدة.
وفي الممارسة العملية، يمكن أن تسهل هذه الماسحات الضوئية أيضا على مؤسسات الرعاية الصحية الامتثال لمتطلبات التتبع، حيث يمكن للأطباء استخدام المعلومات للتحقق بسرعة من رقم الطراز وتاريخ انتهاء صلاحيته وعدد مرات استخدامه والحالات التي تم استخدامه بها سابقا، كما يمكن للأطباء تحديد المعدات والأجهزة المنتهية الصلاحية أو التي بها خلل وإزالتها بسرعة، مما يضمن عدم استخدامها في العملية العلاجية.
الحبوب والكبسولات والأدوية الذكية
وتتطرق الكاتبة في تقريرها إلى الحبوب والكبسولات الذكية التي تساعد المرضى على تناول أدويتهم بانتظام، وهي مجهزة بأجهزة استشعار خاصة تنشط عندما تصطدم بالحمض في معدة المريض، ثم ترسل الكبسولة معلومات إلى جهاز طبي قابل للارتداء -مثل رقعة على صدر شخص ما- للإشارة إلى أن الحبة قد تم تناولها، حيث يقوم الجهاز القابل للارتداء الذي يستقبل الإشارة تلقائيا بإنشاء سجل أو تقرير يوضح أن الدواء قد تم تناوله بنجاح، كما يمكن للجهاز الطبي المتصل أيضا تتبع معلومات أخرى مثل نشاط المريض وحركته وأوقات الراحة أيضا.
وذكرت نورتن في تقريرها أن أول حبة دواء ذكية وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) كانت حبة “أبليفاي مايسيت” (Abilify Mycite)، التي تحتوي على الـ “أريبيبرازول” (aripiprazole)، وهو علاج مضاد للذهان يستخدم لعلاج حالات مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب، وعادة ما ينسى المرضى المصابون بهذه الحالات تناول أدويتهم في الوقت المحدد، وهو ما يسبب ردود فعل سلبية بما في ذلك الغثيان والدوار والقلق وعودة الأعراض المرتبطة بحالة الصحة العقلية التي من المفترض أن يعالجها عقار أريبيبرازول، وهنا يمكن للنظام الذكي أن يساعد المرضى على تتبع التزامهم بتناول الأدوية في وقتها المحدد.
لم يتم استخدام الحبوب الذكية على نطاق واسع حتى الآن، ولكنها قد تساعد المرضى ومقدمي الرعاية الصحية قريبا على تحسين الالتزام بالأدوية وتتبع الاستخدام المنزلي. وقد توفر الحبوب الذكية المستقبلية أيضا وظائف إضافية، حيث يمكن أن تساعد على تتبع درجة الحرارة الأساسية للمريض، أو اكتشاف نزيف الأمعاء، أو مراقبة صحة الأمعاء، ويوجد العديد من هذه الحبوب بالفعل في المراحل التجريبية حاليا، وقد تصبح قابلة للتطبيق تجاريا بحلول نهاية هذا العقد.