من أسوأ الفيضانات خلال 122 عاما ببنغلاديش.. هل تغيّرات المناخ هي السبب فقط؟
حذّر خبراء البيئة من أن العامل البشري في العمران والتعامل السيئ مع البيئة سيؤديان إلى مزيد من الكوارث في المستقبل، وأن العاصمة داكا قد تواجه ما شهدته مقاطعة سيلهيت أخيرا.
داكا- وصف مسؤولون بنغلاديشيون الفيضانات التي شهدتها البلاد في الأسبوعين الأخيرين بأنها من أسوأ الكوارث المائية المشابهة منذ 122 عاما، بعد أن ذهب ضحيتها عشرات القتلى.
وإثر هطل أمطار غزيرة في ولايتي آسام و ميغالايا الهنديتين، غمرت المياه نحو 80% من مقاطعتي سيلهيت وسونامغانج الواقعتين في الشمال الشرقي لبنغلاديش. وحذّرت الدوائر الرسمية من تدهور الوضع مجددا إذا استمر هطل الأمطار الموسمية بغزارة في الأسابيع المقبلة، فهذا الفيضان الثاني في أقل من شهرين.
وحسب التقديرات الرسمية، يبلغ عدد المتضررين في المناطق الأربع التي واجهت الفيضانات في الهند وبنغلاديش 9 ملايين ونصف المليون شخص، باتت نسبة كبيرة منهم بلا ماء ولا طعام.
أضرار فادحة.. الإنسان والبيئة
وتشير تقديرات منظمة اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) إلى أن 4 ملايين شخص في بنغلاديش تشرّدوا أو تضرروا بسبب الفيضانات، منهم 1.6 مليون طفل. ودعت المجتمع الدولي إلى المساعدة في إنقاذ حياة مئات آلاف الأطفال ممن فقدوا المأوى ويعيشون بلا غذاء ولا دواء ولا حتى مياه شرب، بعد أن أغرقت الفيضانات قرى بأكملها ودمّرت نحو 90% من المراكز الصحية في مقاطعة سيلهيت.
وفي مقاطعة سيلهيت وحدها تحدثت وزارة الزراعة البنغلاديشية عن غمر المياه نحو 89 ألف هكتار من حقول الأرز ومزارع الخضراوات، أي ما يعادل أكثر من 46% من الأراضي الزراعية في المقاطعة، وتمثل هذه الأرقام ما وقع بين التاسع إلى 22 من يونيو/حزيران الجاري.
كما أن الفيضانات جرفت ما قيمته 15 مليون دولار من الثروة السمكية في سيلهيت وحدها، وذلك يعني تضرر نحو 33 ألف شخص يعتمدون على الصيد وتجارته، حسب وزارة الثروة السمكية.
تغيرات المناخ
صحيح أن بنغلاديش عُرفت بكثرة فيضاناتها، لا سيما أنها تقع على مصبات أنهار عدة، بل إن كثيرا من أنهارها تشهد تغيّرات في مساراتها لدرجة أن كثيرين قد يفقدون أراضيهم بعد أن أصبحت مسارات جديدة للأنهار، لكن الفيضان في هذا الشهر كان الأسوأ على الأقل في الـ20 عاما الأخيرة، بل إنها حسب التقديرات المحلية أسوأ من فيضانات عامي 1998 و2004 المدمرة.
وتحدثت هيئة الأرصاد الهندية عن ارتفاع هطولات الأمطار في أعالي الأنهار في ولايات الهند المجاورة لبنغلاديش بنسبة 134% في الشهر الجاري مقارنة بالأعوام السابقة.
ويقول الخبراء إن بنغلاديش من الدول الأكثر تضررا بآثار تغيرات المناخ، وإن 3.5 ملايين مواطن فيها معرضون للفيضانات سنويا حسب دراسة للبنك الدولي.
وتشير توقعات أممية إلى أن 17% من سكانها قد يضطرون إلى الانتقال منها في العقد المقبل إذا استمرت آثار تغيرات المناخ على وتيرتها الحالية، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 170 مليون نسمة وهو من أكثر الدول من ناحية الكثافة السكانية في آسيا، والثامن في العالم.
وتسجل درجات الحرارة في بنغلاديش ارتفاعا بمتوسط نصف درجة سنويا منذ عام 1976، وتترجم بعض آثار تغيرات المناخ في طبيعة الأمطار الموسمية، فبدلا من أن تكون أمطارا معتدلة بين شهري يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول فإن البلاد تواجه شهورا من الجفاف تتبعها أمطار غزيرة جدا في مدة قصيرة.
عوامل أخرى
لكن هناك من يشير إلى عوامل أخرى أسهمت في تدهور الوضع البيئي، فلجنة “فاراكا” الدولية -منظمة حقوقية بيئية أُسّست في نيويورك وتهتم بقضايا المياه في بنغلاديش- قالت -في بيان لها- الخميس إن أنشطة وأعمال التنمية غير المخطط لها في ولايتي آسام وميغالايا الهنديتين، وكذلك في مقاطعة سيلهيت البنغلاديشية أدت إلى تحوّل الفيضانات هذا العام إلى كارثة إنسانية واقتصادية بمناطق الشمال والشمال الشرقي لبنغلاديش.
وقالت اللجنة الحقوقية إن الأنشطة في أعالي الأنهار سهّلت اندفاع مياه الأمطار بقوة نحو مصباتها في بنغلاديش، حيث تجري أعمال بناء في مسارات مياه الأمطار.
وفي مؤتمر صحفي بالعاصمة داكا، تحدث خبراء من منظمة “بنغلاديش بوربيش أندولون” البيئية عن عدم وجود إدارة مشتركة بين الهند وبنغلاديش لمياه حوض “ماغنا” المشترك بين البلدين، وأن السلطات تقدم على البناء والعمران في مصبات المياه وقنواتها.
وقال محمد خلق الزمان، الأستاذ في جامعة “لوك هيفين” الأميركية ونائب رئيس المنظمة البيئية، إن هناك عددا من الأسباب التي أدت إلى الفيضانات، أوّلها تغيرات المناخ، مشيرا إلى توقع سابق بأن مستويات هطل الأمطار سترتفع منذ سنوات، ومع ارتفاع مستويات مياه البحر والمحيطات فإن تدفق مياه الأنهار نحو السواحل سيكون بسرعة أبطأ.
وأشار الخبير إلى ضرورة وجود إدارة مشتركة للمياه بين الهند وبنغلاديش، “فالهند تتحكم من جانب واحد في تدفق مياه الأنهار باتجاه حوض ماغنا المشترك، ورغم أن هناك 16 نهرا تصب في هذا الحوض المائي داخل الأراضي البنغلاديشية إلا أنه لا يوجد اتفاقية إدارة مشتركة لها”.
وحسب الخبير، تقوم الهند بالاحتفاظ بالمياه في موسم الجفاف لأغراض الري وتوليد الطاقة، لكنها تفتح بوابات سدودها في ذروة الأمطار الموسمية فيحدث الفيضان، إضافة إلى عوامل بيئية أخرى تتعلق بإزالة أشجار الغابات والتعدين في أعالي الأنهار، إذ إن 56% من منطقة حوض “ماغنا” تقع في الأراضي الهندية.
بالمقابل، تعرضت الـ43% الباقية من مساحة حوض هذا النهر داخل الأراضي البنغلادشية، خلال 7 عقود مضت، لأضرار كثيرة بسبب ما وصفه الخبير محمد خلق الزمان “بالسياسة المائية الخاطئة”، ومنها مشاريع بنية تحتية وعمرانية، أضرّت بمصبات الأنهار ومساراتها.
من ناحيته، حذّر الأمين العام لمنظمة “بنغلاديش بوربيش أندلون”، شريف جميل، أن العامل البشري في العمران والتعامل السيئ مع البيئة سيؤديان إلى مزيد من الكوارث في المستقبل، محذرا من أن تشهد العاصمة داكا ما شهدته مقاطعة سيلهيت أخيرا.
ملايين بحاجة إلى العون
وكانت رئيسة الوزراء البنغلاديشية حسينة واجد وصفت، خلال زيارتها لمقاطعة سيلهيت، الفيضانات بأنها تجاوزت كل التوقعات، مرجعة ذلك إلى الأمطار غير العادية التي هطلت في أعالي الأنهار بولايتي آسام وميغالايا الهنديتين، و”بمعدلات هي الأعلى منذ 122 عاما”.
وقالت إن حكومتها حرّكت الجيش بأذرعه البرية والجوية والبحرية، والمسؤولين الحكوميين، لمدّ العون للمواطنين، في حين شهدت المناطق المتضررة تحرك أحزاب وقوى سياسية مختلفة، منها المعارضة كحزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، الذي شوهد قادته يتنقلون ميدانيا بعد 14 سنة من عدم مشاركتهم في تشكيلة الحكومة البنغلاديشية.
وحسب وزارة إدارة الكوارث والإغاثة البنغلاديشية، فإن نحو 473 ألف شخص تم نقلهم إلى 1605 مراكز إيواء في الأيام الماضية، عوضا عن ملايين آخرين متضررين، مع المخاوف من انتشار الأمراض بينهم بسبب المياه الملوثة وعدم توفر مياه الشرب والغذاء بشكل كاف.